الرئیس الفلسطینى حائر بین التمسک بحقوق ثابتة وبین تنازلات قاتلة

ویرید الرئیس الأمریکى من التنازلات الفلسطینیة الجدیدة أن تسمح له بإغراء إسرائیل لتتحرک، ولو قید أنملة، وأن تقول نعم للقاءات التى یشرف علیها مثل أنابولیس وأن تعد بتحریک عملیة السلام، فیبدو أنه صانع السلام قبل أن یترک الورطة للرئیس القادم، تماما مثلما یترک له الورطة المضاعفة فى العراق حیث یزداد الوضع الأمنى تأزما رغم التقاریر الأمریکیة المتتالیة التى تحاول الإیهام بالنجاح.

وذکرت تقاریر إعلامیة استنادا إلى مصادر سیاسیة فلسطینیة أن الإدارة الأمریکیة بالتنسیق مع إسرائیل وبالتعاون مع دول عربیة ممن تغیبوا عن قمة دمشق، تضغط على السلطة الفلسطینیة لطرح ورقة أو أفکار حول مسیرة التفاوض من شأنها التراجع عن المرجعیات وما تم الالتزام به فى لقاء أنابولیس والابتعاد عن قرارات الشرعیة الدولیة.

وقال محللون فلسطینیون لـموقع "العرب" إن التراجع عن المرجعیات المقصود به أساسا التخلى عن حق العودة والتفکیر فى صیغة ممططة للدولة الفلسطینیة حتى لا تکون حدودها معلومة ونهائیة، فضلا عن التبرؤ من المقاومة خیارا للتحریر ما یفتح الباب أمام مواجهة حامیة بین "الدولة" المفترضة وبین القوى الوطنیة المقاومة.

وقالت ذات المصادر إن التحرک الأمریکى فى هذا الاتجاه یحظى بموافقة بعض القیادات الفلسطینیة وتحدیدا تلک التى ما زالت تتمسک بوثیقة جنیف وهذه القیادات تنسق بشأن بنود الورقة التى طلبتها أمریکا مع شخصیات إسرائیلیة بعلم أیهود أولمرت رئیس الوزراء الإسرائیلی.

وقال أحد المحللین فى اتصال هاتفى مع "العرب" إن هناک شخصیات موجودة الآن فى حکومة سلام فیاض أو على هامشها ممن یسیطرون على الأجهزة الأمنیة یتولون الاتصال بالأمریکیین والإسرائیلیین لخلق حالة من التفاوض الموازیة على الأرض تفرض نفسها، لیس فقط على الشعب الفلسطینی، بل حتى على الرئیس محمود عباس الذى ما یزال رافضا للضغوط وللقنوات الموازیة.

وکشفت المصادر أن الورقة المذکورة هى صیغة معدلة لمبادرة السلام العربیة فشلت دول عربیة فى تعدیلها عبر مؤتمرات القمة ودفعت هذه الدول بها بالاتفاق مع أمریکا لتقوم السلطة الفلسطینیة بطرحها وکأنها مبادرة وورقة فلسطینیة خلال زیارة الرئیس عباس إلى واشنطن.

وکان المتحدث باسم البیت الأبیض جوردون جوندرو قال إن الرئیس الأمریکى جورج بوش دعا الرئیس الفلسطینى محمود عباس لزیارة البیت الأبیض فى بدایة مایو/أیار المقبل بهدف البحث فى إعطاء دفع للمحادثات حول السلام فى الشرق الأوسط.

وقال المحلل، الذى رفض الکشف عن اسمه، فى اتصاله بـ"العرب" إن الرئیس الفلسطینى یتعرض لضغوط کثیرة بدأت تأخذ أبعادا خطیرة.

وتهدف هذه الضغوط إلى إضعاف عمقه الوطنى والعربى حتى لا یجد سبیلا للخروج من الحلقة المفرغة للتنازلات، ویشرح المحلل هذه الرؤیة، فیقول إن ضغوطا کبیرة مورست على عباس لمقاطعة قمة دمشق، لکنه حضر.

کما دفع عباس دفعا إلى التبرؤ من اتفاق صنعاء الذى أمضى علیه أحد القیادات المقربة منه، وهو عزام الأحمد، واضطر الرئیس الفلسطینى إلى خلق مجال للتأویل ودفع بمعاونیه إلى التبرؤ من الاتفاقیة ما أدخل حرکة فتح فى حالة تذبذب ونقاشات تمیزت بالحدیث عن وجود مؤامرة على الحرکة ترید إبعاد رموزها التاریخیة عن موقع القرار سواء فى الحکومة التى لا یرتبط رئیسها بأى نضالیة ولا عمق تنظیمى فى الحرکة، ویتقلد مواقع القرار فى وزارات أناس من نفس الخاصیة، فضلا عن صعود أشخاص عرفوا بعلاقاتهم المشبوهة بإسرائیل وخاصة تنسیقهم الأمنى حتى من خارج اللقاءات المشترکة.

ویضیف المحلل أن السبب الرئیس وراء الضغوط الهادفة لإفشال إعلان صنعاء، هو أولا منع ارتباط أى حل بالجهود العربیة، وثانیا منع عودة الحوار بین فتح وحماس، أى قطع صلة فتح ورئاسته بعمقها الوطنى والقومی. ویذهب أحد المحللین الآخرین إلى القول إن عباس واقع بین نارین، نار إدارة الظهر لبعده الوطنى وحواره مع حماس، والنار الثانیة هى المضى فى تنازلات یعرف مسبقا أنها لا تحقق له ولا لقضیته أى مکاسب.

ویتوقع هذا المحلل أن یحاول عباس إرجاء التنازلات إلى موعد آخر غیر لقائه بالرئیس بوش، قد یکون فى سیاق مبادرة شبیهة بمبادرة جنیف على أن یعلن عنها فیاض أو أبو ردینة أو عریقات.

ن/25