الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

عملیة الرضوان والبشارة الرابعة لانهیار إسرائیل

 

عملیة الرضوان والبشارة الرابعة لانهیار إسرائیل

 

بورکت السواعد التی عملت على إتمام عملیة الرضوان، والتی أدّت إلى إطلاق سراح الأسرى اللبنانیین ذوو الأحکام العسکریة المؤبدة للأبد ونقل رفات الشهداء اللبنانیون والفلسطینیون وغیرهم من العرب والمسلمین إلى الأراضی اللبنانیة. ومن هذا المنطلق نعود إلى ما سبق أن قاله وأکّده من قبل سید المقاومة العربیة والإسلامیة فی تاریخنا المعاصر سماحة الشیخ حسن نصر الله، بأن عهد الانتصارات الإسرائیلیة قد ولّى، وأن بدایة انهیار إسرائیل ککیان قد أوشک أوانه.

لقد کان دیفید بن جوریون - أول من أعلن قیام دولة إسرائیل – قد قال، إنه عند هزیمة إسرائیل فی أی معرکة لها مع العرب سیؤدی ذلک لبدایة انهیار هذه الدولة. وکان بدایة هذا التخوف مع حرب تشرین أول /أکتوبر 1973م، عندما حقق العرب أول نصرٍ لهم على هذه الدولة، بعد سلسلة من الهزائم المتلاحقة التی هزتهم ورفعت من رصید إسرائیل السیاسی والعسکری والمعنوی. صحیح أن النصر فی حرب تشرین لم یکن تاماً، لأن المعرکة کانت خارج الأراضی الفلسطینیة، إلاَّ أن مفاجأة المصریین والسوریین وسرعة مباغتهم للطرف الإسرائیلی أربکت القیادة الإسرائیلیة ودفعتها إلى الحائط، ولولا التدخل الأمریکی لکان للمعرکة حسابات أخرى، ونتائج وخیمة على مستقبل الدولة وسکانها الذین أتوا من کل فجٍ عمیق. 

وعندما قام الرئیس المصری أنور السادات، وهو رئیس أکبر دولة عربیة دیموغرافیاً وتأثیراً فی المنطقة بزیارته المفاجئة والتاریخیة لإسرائیل، متوسلاً السلام مع عدوه وهو المنتصر بلغة العسکریین، اعتقدت القیادة الإسرائیلیة، أن بقیة السبحة العربیة سوف ینفرط عقدها، ویأتی زعماؤها زرافات إلى دولتهم یبتغون ما طلبه کبیرهم من قبل، إلاَّ أن هذا لم یحدث بالسرعة التی توقعوها، غیر أن العرب أصبحوا بعدها أصبحوا عربان وانقسموا إلى معسکرین. معسکر معارض لِما قام به السادات ومعسکر متحفظ، لا هو بالمؤید ولا هو بالمعارض، وعمدت إسرائیل خلال هذه المرحلة إلى شن حربین على لبنان. الأولى فی عام 1978م والثانیة فی عام 1982م، بقصد القضاء على الوجود العسکری الفلسطینی فی لبنان، وتمکنت بالفعل من تحقیق هدفها هذا فی الحرب الأخیرة.

ومع نهایة حرب الکویت عام 1991م، وبسط الولایات المتحدة الأمریکیة نفوذها فی المنطقة العربیة، دعت لمؤتمر سلام دولی فی الشرق الأوسط، عُقد فی مدرید فی أواخر العام نفسه، وما تلاه من تعثر فی المفاوضات الثنائیة العلنیة، ونجاح فی المفاوضات السریة مع الجانب الفلسطینی، أدّى لإبرام اتفاق المبادئ الشهیر بأوسلو. وفی المقابل کان حزب الله یمارس مهماته العسکریة ضد الوجود الإسرائیلی على الأراضی اللبنانیة، وتمکن فی عام 2000م من طرد القوات الإسرائیلیة من کامل التراب اللبنانی عدا منطقة مزارع شبعا التی اُحتلت عام 1967م. وکان هذا هو النصر الثانی عربیاً على إسرائیل، على الرغم من أن حزب الله لا یُعد جیشاً کلاسیکیاً بالمعنى المعروف. لکن أهم نتائج هذا الانسحاب المذل، هو أن إسرائیل ولأول مرة تنسحب من أراضٍ عربیة دون أن تُجبر صاحبة الأرض على توقیع معاهدة سلام تُملی فیها شروطها. ولمَّا خطف جنود حزب الله جندیین إسرائیلیین من على خط الهدنة، شنت إسرائیل حرب شعواء على لبنان دمّرت فیه الأخضر والیابس، ولکن المفاجأة العظیمة التی ترتبت على هذه الحرب ولأول مرة فی تاریخ إسرائیل العسکری، أن لا یستطیع جنودها التقدم داخل أراضی الخصم، ووقوفهم عاجزین أمام جنود لا یملکون دبابة أو طائرة، بل وتمکن حزب الله من تحویل المعرکة إلى داخل العمق الإسرائیلی بإمطار المدن الإسرائیلیة حتى حیفا بالصواریخ التی هزت الدولة هزاً وقفت أمامه القیادة والشعب حائرین فی کیفیة منع وصول هذه الصواریخ التی کانت بمثابة طیور الأبابیل. بل وأکثر من ذلک ولأول مرة فی تاریخ إسرائیل یتم عزل قیادات عسکریة من مواقعها وصلت إلى رأس الهرم العسکری الإسرائیلی من رئیس الأرکان ثمَّ وزیر الدفاع نفسه. لا وبل لأول مرة فی تاریخ إسرائیل یتم تشکیل لجنة تحقیق فی نتیجة حرب، تعترف من خلالها بالهزیمة المُرة. وکان هذا النصر هو النصر الثالث عربیاً وقام به صاحب النصر الثانی.

وأخیراً، کان النصر الرابع الذی یبشر بعهد انتصارات فی قادم الأیام المقبلة، هو عملیة تبادل الأسرى بین حزب الله وإسرائیل عبر مفاوضات غیر مباشرة قامت بها جهات دولیة. وکانت مفاجأة التبادل التی تُظهر عمق انتصار المقاومة العربیة غیر الرسمیة، أن یتم استبدال جثتی الجندیین الإسرائیلیین اللذین تمَّ خطفهما عشیة حرب إسرائیل على لبنان فی تموز/ یولیه 2006م، ولیس الجندیین بلحمهما وشحمهما – أی غیر الأحیاء – مقابل کل الأسرى اللبنانیون ذوو الأحکام العسکریة المرتفعة، أو ما یُسمى فی القاموس الإسرائیلی بالذین أیدیهم ملطخة بالدم الإسرائیلی. والذین کانوا حتى تاریخ هذه الصفقة خط أحمر إسرائیلی محرم على أی زعیم إسرائیلی البحث فیه أو التفاوض بشأنه، لکن إرادة حزب الله وقیادته الحکیمة أجبرت إسرائیل ولأول مرة منذ إنشائها على لحس هذا الخط الأحمر، وبات بمقدور خاطفی الجندی شالیط أن یرفعوا سقف مطالبهم، بعدما مُرغ أنف إسرائیل فی الوحل. وإضافةً لهؤلاء الأسرى الأحیاء أُجبرت إسرائیل على تسلیم رفات 199 من الشهداء العرب والمسلمین ومن جنسیات مختلفة، وفی مقدمتهم رفات الشهیدة دلال المغربی. وما صورة الاستقبال المهیب الذی انعقد فی بیروت لاستقبال الأسرى المحررین إلاَّ دلیل ناصع على هذا النصر الذی تجلى، وأن مرحلة الهزائم قد ولت. وکان صاحب هذا النصر الرابع صاحب الانتصارین الثانی والثالث.

وإن کان تسلیم رفات هؤلاء الشهداء نصر کبیر للعرب والمقاومة، إلاَّ أننی لم أکن أُحبذ نقل رفات هؤلاء الشهداء من أرض فلسطین، وبصرف النظر عن الاعتبارات الدینیة الخاصة بدفن الموتى والشهداء، فدفنهم فی أرض فلسطین هو أطهر وأزکى لهم من دفنهم خارجها. ولنا فی التاریخ الإسلامی أسوةٌ حسنة، عندما استشهد الصحابی الجلیل أبا أیوب الأنصاری عند أبواب القسطنطینیة ودُفن حیث استشهد، فهذا الأمر لم یقلل من قیمة هذا الصحابی الجلیل.

إن هذا النصر الأخیر یُعد بدایة النهایة لوجود إسرائیل ککیان فی منطقتنا، فبعد هذه الصفقة الصفعة، لن یعود بإمکان إسرائیل أن تفرض أجندتها على من یقاومها، وإنما سیکون بمقدورها فعل ذلک مع من یفاوضها متوسلاً منها الحقوق، أیَّاً کانت الوسائل المستخدمة. وسیکون بوسع المقاومة فی لبنان وفلسطین فی الأیام المقبلة أن تفرض أجندتها على إسرائیل إن بقیت هذه المقاومة متمسکة بثوابتها التی تتشبث بها.

وبناءً على ما سبق، ألم یحن الوقت للاعتراف بالسید حسن نصر الله زعیماً للعالم العربی بعدما حققه من انتصارات عجزت عن تحقیقه جیوش العرب مجتمعة، وأن ما سواه ممن یسمون بالزعماء العرب ما هم إلاَّ أقزام ودُمى أمام سموه وترفعه عن مظاهر الفخامة والبهرجة. فهو الزعیم العربی الثانی بعد الرئیس الراحل جمال عبد الناصر، یصیر علیه إجماعاً شعبیاً عربیاً وإسلامیاً. ثمَّ ما هو موقف بعض مفتیینا الذین حرّموا علینا مجرد التعاطف مع حزب الله فی حربه عام 2006م، تحت مبرر واهٍ مفاده أن أعضاء حزب الله من الشیعة. فهل احتفالنا بنصره الیوم تنطبق علیه الفتوى نفسها التی قالوا بها عام 2006. أرجو من قومی أن یغیروا ما فی أنفسهم قبل أن یُفرض علیهم هذا التغیر من غیرهم، فساعة الحقیقة بدت واضحة لنا الآن اقرب من حبل الورید.      

(بقلم الدکتور أسامه أبو نحل )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 139587







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)