الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

مذبحة تختزل تاریخ إسرائیل

لم تکن المذبحة التی ارتکبتها إسرائیل على أحد مراکب أسطول الحریة قبالة سواحل فلسطین المحتلة جریمة مروعة فحسب، بل هی أفظع من ذلک وأشنع، إنها عمل إرهابی یوازی حجم ما یعانیه مئات آلاف الفلسطینیین فی قطاع غزة المحاصر.. یعانون بعدما تقطعت بهم السبل وأحکمت قوات الاحتلال والدول العربیة وعلى رأسها مصر غلق الحدود والمعابر علیهم، لیکون القطاع برمته مسرحا للإبادة الجماعیة وأرض محرقة مسورة من کل الجهات.

إسرائیل بعملیة "ریاح السماء" أضافت جدیدا لسجلها الأسود، وعملیة القرصنة التی اقترفت على غرار ما یفعله قراصنة القرون الوسطى، کانت غایة فی العنجهیة والاستهتار بالقوانین والأعراف الدولیة، وعملا إرهابیا لا تجرؤ حتى العصابات المحترفة على فعله، ولکنها مذبحة تلیق بتاریخ إسرائیل وتضیف إلیه.

المذبحة قربت صورة إسرائیل للرأی العام العالمی ککیان مجرم یتألف من عصابات قتل تنبع من إرث حاقد على الانسانیة کلها ولیس على الفلسطینیین والعرب فقط، وإذا لم یکن هذا هو الجوهر فما هو إذن مبرر هذا الهجوم الدموی على أسطول مدنی أعزل لا یحمل أی سلاح ولو کان شفرات حلاقة؟، وحتى المتضامنون الذین تقلهم تلک السفن، کانوا من نخب المجتمع الانسانی، مثقفون وسیاسیون وأطباء وبرلمانیون وإعلامیون، یمثلون نحو 30 جنسیة عربیة وإسلامیة وأوروبیة وأمریکیة.

ومما لا شک فیه أن هذه المذبحة قد صعقت العالم بأسره وتوالت ردود الفعل بصوت واحد تدین وتستنکر، وحتى الضمیر الألمانی المخدر منذ عقود صحا وأعرب عن صدمته فی موقف نادر من الجرائم الإسرائیلیة، وعلى المستوى الأوروبی اتفق الجمیع على التندید والمطالبة بالتحقیق، أما على المستوى العربی فالموقف الجاهز دوما هو الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ للجامعة العربیة، بینما تسابقت العواصم العربیة کعادتها إلى إصدار بیانات التندید والمطالبة بضرورة التحرک، أما المنکوبون فی قطاع غزة فقد کان موقفهم أشرف من الجمیع عندما أعلنوا أنهم لن یقبلوا مساعدات أسطول الحریة بعدما أصبحت تلک المساعدات مطحونة بدماء الشهداء الأتراک والجزائریین ومن جنسیات أخرى.

مرة أخرى یقدم المستضعفون فی غزة الدرس والعبرة والموقف الانسانی ومع ذلک فهم یستصرخون العالم کله لنجدتهم وإغاثتهم فورا بفک هذا الحصار الظالم الذی بلغ مداه فی التنکیل والإبادة وقطع أسباب الحیاة عن هذه الفئة المجاهدة.

وبعیدا عن التقاریر الإعلامیة التی تتحدث عن الصمود الأسطوری لأهالی غزة وصبرهم وقدرتهم على التأقلم مع الوضع الصعب، فإن ما یحل بهم أکبر من الطاقة الانسانیة، إذ کیف یعیش نحو الملیون ونصف الملیون کل هذه السنوات وسط الخراب ونقص الأدویة وانعدام الخدمات الصحیة الأساسیة ونقص الغذاء والمیاه الآسنة والتربة الملوثة بالیورانیوم؟، والمؤسف أن من یساهم فی تأبید هذا الواقع هو النظام العربی الرسمی نفسه وبالذات النظام المصری، الذی لا یرى فی غزة إلا حکومتها المقالة بقیادة حرکة حماس، والتی تراها أغلب الأنظمة "تهدیدا للأمن القومی" أکثر من إسرائیل ذاتها.

مصر التی یفترض أنها حامیة الفلسطینیین وقوة مرکزیة فی المنطقة تخلت عن دورها وعوض أن تساعد على رفع الحصار عن الفلسطینیین وتستقبل المساعدات الدولیة إلیهم، تساهم فی تشدید الحصار وتبنی الأسوار الحدیدیة وتهدم الأنفاق، ولا یکاد یمر یوم إلا وتحمل لنا الأخبار أنباء عن استشهاد فلسطینیین فرادى وجماعات داخل الأنفاق بعضهم بالغازات السامة المصریة وبعضهم إما صعقا بالکهرباء أو اختناقا، وکان یمکن لهؤلاء أن لا یدفنوا بهذه الطریقة لو کان مسموحا لهم أن یقتنوا متطلبات الحیاة من الجانب المصری من على سطح الأرض لا من تحتها.

المصدومون من الموقف المصری من حصار غزة مازالوا یؤکدون أن المصیر الذی آل إلیه أسطول الحریة على ید الاحتلال الإسرائیلی ربما لن یکون أفضل حالا لو ساقته الریاح إلى قبضة القوات المصریة، ویعللون موقفهم بما حصل لقافلة شریان الحیاة قبل أشهر عندما تعرض أفرادها للاعتداء فی میناء العریش وتم ترحیل بعضهم ومنعهم من دخول الأراضی المصریة.

ومع ذلک، وقبل أیام حصل تفاؤل عندما أعلنت القاهرة أنها مستعدة لاستقبال أسطول الحریة، وهذا التفاؤل تعزز أمس عندما استنکر الرئیس المصری الجریمة واستدعت وزارة خارجیته السفیر الإسرائیلی للاحتجاج، ونأمل أن تکون هذه المواقف نقطة تحول فی مواقف القاهرة، بعدما لمست بالبراهین عمق التآمر الإسرائیلی علیها فی دول حوض النیل فضلا عن إخراجها من دائرة القوة العربیة لتظل حامیة للکیان الغاصب عوض أن تکون الذائدة عن الفلسطینیین.

الدماء الزکیة التی سفکت فی أسطول الحریة یجب أن تکون قربانا لفک الحصار عن قطاع غزة، کما یجب على الجانب العربی أن یجعل من هذه المذبحة أداة لفضح إسرائیل وکشف کیانها المجرم أمام الرأی العام الدولی، مع أن الجمیع بات یعرف الیوم أن سمعة إسرائیل فی الحضیض ولم یعد ینفعها کالسابق التباکی والتظلم وطلب النصرة من الغرب الجاهل بما یجری.

بعد جریمة الأسطول یجب أن تفتح صفحة جدیدة فی التعامل الدولی مع کیان السفاحین فی تل أبیب، وعلى العالم أن یتحلى بشیء من الأخلاق ویقول کفى للاستهتار بالقانون الدولی، وأن لا یعید تشغیل اسطوانة تحقیق السلام فی الشرق الأوسط، لأن السلام المزعوم لا یتم إلا على أساس العدل والحق، وما یُطلب لإسرائیل فی ما نرى ونسمع لا یستند إلى أی حق، بل هو قائم على سیاسة الغطرسة والجریمة والبلطجة، وهذه طریق ستظل قصیرة مهما طالت ولن تدوم أکثر مما دامت.

( عن العرب اللندنیة )

ن/25


| رمز الموضوع: 139822







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)