الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الفلسطینیون والعرب: کالمستجیر من الرمضاء بالنار

نقولا ناصر

 

یجد الفلسطینی نفسه الیوم فی مواجهة دور عربی یقتصر على "التوسط" إما بینه وبین الاحتلال أو بینه وبین الراعی الأمیرکی للاحتلال.. المجلس "الثوری" لحرکة "فتح"، الذی لم یعد له علاقة ب"الثورة"، انعقد قبل أیام، والمجلس "المرکزی" لمنظمة التحریر الفلسطینیة، الذی تحول إلى غطاء لتآکل "مرکزیة" المنظمة فی صنع القرار الوطنی لصالح سلطة الحکم الذاتی، سوف ینعقد الشهر المقبل، والمجلس الأول حاول بلورة موقف یحمله إلى الاجتماع الوزاری للجنة متابعة مبادرة السلام العربیة التابعة لجامعة الدول العربیة فی التاسع والعشرین من الشهر الجاری، والثانی سینعقد لبلورة موقف یحمله إلى اجتماع وزراء الخارجیة العرب فی أواسط أیلول/ سبتمبر المقبل.

والموقف المطلوب بلورته فی المجلسین لا علاقة له طبعا حتى بوضع إستراتیجیة تفاوضیة أکثر جدوى وصدقیة، ناهیک عن وضع أی إستراتیجیة وطنیة بدیلة لإستراتیجیة التفاوض "فقط" التی انهارت، وکان الثمن المدفوع مسبقا لانطلاقها هو رأس "الثورة" والمقاومة الوطنیة، بینما الانقسام الوطنی الراهن هو ثمن الجهود الحثیثة الجاریة لإحیائها وعظامها رمیم، بل إن الموقف المطلوب بلورته له کل العلاقة باستمرار الحرث فی میاهها الآسنة، بمجادف "عربیة" محطمة، یحاول مفاوض منظمة التحریر وفتح أن یستقوی بها على خذلان راعیه الأمیرکی، کالمستجیر من الرمضاء بالنار، متعامیا عن حقیقة ساطعة کالشمس وهی أن الموقف العربی الذی یستجیر به لیس عملیا إلا مجرد امتداد للموقف الأمیرکی الذی یحاصره.

وإذا کانت فی التاریخ عبرة، فإن العبرة سلبیة جدا من مراجعة الدور العربی، "الحکومی" لا الشعبی، فی فلسطین منذ النکبة عام 1948، ففی تلک المرحلة الفاصلة فی تاریخ القضیة العربیة- الإسلامیة فی فلسطین اختارت الحکومات العربیة التی کانت ما زالت لم تتخلص بعد من نیر الاستعمار الغربی الأوروبی أن تکون بدیلة لعرب فلسطین فی نضالهم بدل أن تکون ظهیرة لهم، إن لم تکن شریکة، فألغت دورهم، وکان استشهاد عبد القادر الحسینی فی القسطل على أبواب القدس رمزا لطغیان القوة المحتلة القاهرة بقدر ما کان رمزا للیأس الفلسطینی من الدعم العربی.

وکانت النتیجة أن کادت فلسطین تمحى عن الخریطة السیاسیة. وعندما أعادتها الهزیمة العربیة الثانیة عام 1967 بقوة إلى هذه الخریطة، وجد الدور الوطنی الفلسطینی نفسه محاصرا بالعجز العربی الرسمی هذه المرة، بعد أن حاصره فی المرة الأولى قبل حوالی ربع قرن من الزمن وهم الحکومات العربیة بالقوة العسکریة، فوعد بالدعم إن نقل مقاومته من خارج الوطن الفلسطینی إلى داخله، وعندما رضی الدور الفلسطینی بسلطة حکم ذاتی محدود لکی یکون "فی الداخل"، قیل له إن المفاوضات هی التی أدخلته ولیس المقاومة فطولب بالتالی بالتخلی عن المقاومة بوعد عربی هذه المرة بدعم تفاوضه سیاسیا، لیجد هذا الدور الفلسطینی نفسه الیوم فی مواجهة دور عربی یقتصر على "التوسط" إما بینه وبین الاحتلال أو بینه وبین الراعی الأمیرکی للاحتلال، دون أی دعم، لا بل لیجد نفسه مطالبا حتى بالتخلی عن أی دعم غیر عربی یأتیه کشرط للتکرم العربی علیه حتى بهذه الوساطة!

فی الثامن عشر من الشهر الجاری استقبل الرئیس المصری حسنی مبارک الوسیط الرئاسی الأمیرکی جورج میتشل، ونظیره الفلسطینی محمود عباس، ورئیس وزراء دولة الاحتلال بنیامین نتنیاهو، ولیس للمرة الأولى منذ تولیه منصبه، الذی یحرض علنا من أجل ممارسة الضغط العربی والأمیرکی من أجل الانتقال من المباحثات غیر المباشرة إلى المفاوضات المباشرة دون شروط، وهؤلاء هم "اللاعبون" الرئیسیون فی "ملعب" التفاوض الحریصون على ما یسوقونه باعتباره "مکاسب" لإستراتیجیة التفاوض فقط یجب البناء علیها.

وقد ذهب نتنیاهو إلى القاهرة بهدف "الطلب من مبارک الضغط على عباس للموافقة على البدء فی مفاوضات مباشرة" مع دولة الاحتلال، کما قالت وسائل إعلامه، ومثله میتشل لم یخف خلال جولته الأخیرة أنه سیقوم بزیارة عدد من الدول العربیة للحصول "على دعمها لخطة السلام الأمیرکیة" وملخص هذه الخطة الآن هو استئناف المفاوضات المباشرة، والمعنى واحد: أی الطلب منها الضغط على مفاوض منظمة التحریر للقبول بذلک، ولم یکتف میتشل بطلب الضغط العربی، بل التقى مفوضة السیاسة الخارجیة للاتحاد الأوروبی کاثرین آشتون للغرض ذاته.

والسؤال هنا لا یتعلق بعباس الذی یخوض مفاوضات مباشرة وغیر مباشرة، سریة وعلنیة، منذ مدة طویلة ویلتزم ب"التفاوض فقط" کإستراتیجیة وحیدة، بل یتعلق بالأسباب التی تجعل دولة الاحتلال وراعیها الأمیرکی یتجرآن باستمرار على مطالبة قادة عرب بالضغط على أشقائهم الفلسطینیین. والسبب الرئیسی الواضح کالشمس طبعا هو أن کثیرا من أصحاب القرار العرب قد تخلوا عن دور الظهیر للنضال الوطنی الفلسطینی وتحولوا إلى دور "الوسیط" بین دولة الاحتلال وبین أشقائهم الرازحین تحت الاحتلال.

وإذا کانت مصر ملزمة بالقیام بدور الوسیط بنص معاهدة صلحها المنفردة مع دولة الاحتلال، ومثلها الأردن طبعا، فإن التفسیر الوحید لتطوع دول عربیة أخرى غیر موقعة على أی معاهدات مماثلة مع دولة الاحتلال للقیام بدور الوسیط هو کون سیاساتها تجاه الصراع مع دولة الاحتلال قد تحولت عملیا إلى امتداد للسیاسة الخارجیة الأمیرکیة تجاهه بحیث أصبحت تتعامل معه باعتباره لیس صراعا عربیا- إسرائیلیا شاملا بل مجرد صراع "ثنائی" فلسطینی مع دولة الاحتلال هی معنیة بالتوصل إلى "حل" له فقط بسبب مضاعفاته الإقلیمیة على استقرارها وأمنها وتنمیتها، ولهذا السبب تحدیدا فإنها تریده حلا سلمیا بالتفاوض لا غیره.

إن الحصة العربیة من تعهدات المانحین لسلطة الحکم الذاتی الفلسطینی فی مؤتمر باریس أواخر عام 2007 تعطی لهذه الدول العربیة وسیلة ضغط على السلطة لا تقل وزنا عن مثیلتها غیر العربیة، ولیس من المتوقع أن تقاوم السلطة الضغط العربی أو الضغط غیر العربی، فهذه التعهدات التی غالبا ما لا یلتزم أصحابها بمواعیدها هی فقط التی تبقی سلطة مفاوض منظمة التحریر عائمة، وإن کان صرفها بالقطارة.

ولا یتوقع أحد أن یقدم المانحون منحهم لوجه الله، دون شروط سیاسیة، وبالتالی لا یتوقع أن لا یستخدموا وسیلة ضغط فعالة بحوزتهم، ولا یتوقع أحد أن تخلع الحکومات العربیة جلدها "السلمی" أو الأمیرکی من تلقاء نفسها بین لیلة وضحاها لکی تنقلب على نمط تاریخی فی سلوکها تجاه الصراع العربی الإسرائیلی، فکل ذلک هو جزء لا یتجزأ من الوضع الإقلیمی السائد منذ النکبة قاد إلى الوضع الراهن المأساوی للقضیة العربیة والإسلامیة فی فلسطین.

لذلک فإن وزراء خارجیة المتابعة العربیة فی اجتماعهم أواخر الشهر الحالی ثم فی الاجتماع الذی یلم شملهم جمیعا أواسط ایلول/ سبتمبر المقبل سوف یکونوا منسجمین مع هذا الوضع إما لیضغطوا على مفاوض منظمة التحریر لکی یفاوض مباشرة إن کان جادا فی رفضه استئناف التفاوض المباشر أو لیوفروا له الغطاء العربی الذی یتدثر به فی مواجهة الرفض الوطنی والشعبی لاستئناف التفاوض، لیظل کل طرف منهما یحمل الآخر المسؤولیة عن استمرار الحرث فی الماء، ولیستمرا معا فی الدفاع عن موقف مرفوض سیاسیا ووطنیا وقومیا وإسلامیا وإنسانیا وأخلاقیا ومنطقیا ولا یمکن الدفاع عنه أمام شعوبهم جمیعا.

فی مداخلة له بواشنطن العاصمة فی الثامن من الشهر الجاری قال المفاوض وداعیة السلام الفلسطینی المخضرم والناطق المفوه باسم کل مسیرة التفاوض العقیمة وعضو المجلس الثوری فی فتح السفیر عفیف صافیة: "الیوم، علینا أن نعترف بأنه بعد مضی 19 سنة على مؤتمر مدرید و 17 سنة على أوسلو، فإن ما نراه ونشهده لیس انسحابا إسرائیلیا بل توسعا للاحتلال ولیس انحسارا له." ومع ذلک یصرون جمیعا على أن یلدغوا من الجحر ذاته مرات لا مرتین.

ن/25

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 139845







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)