الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الاحتلال والفخ الصهیونی

الاحتلال والفخ الصهیونی

 

فایز رشید

 

لعبة "إسرائیلیة" ذکیة عناوینها: فرض الأمر الواقع على الأرض، وجر الفلسطینیین إلى تغییر شعاراتهم وتقلیصها، وهکذا تکسب "إسرائیل" المزید من التنازلات. فقد مضى موعد ما یسمى بتجمید الاستیطان، التزم نتنیاهو وحکومته الصمت المطلق، ومثلما یقول المثل العربی: عدم الرد هو رد. بمعنى آخر، فإضافة إلى النشاط الاستیطانی المکثف الذی بدأه المستوطنون صباح السادس والعشرین من سبتمبر/ أیلول الماضی، وکأنهم کانوا یتحفزون لذلک منذ أسابیع وأشهر طویلة، فإن هذا النشاط لم یکن لیتم لولا رضا ومبارکة الحکومة "الإسرائیلیة" التی أعطت الضوء الأخضر لقادة مجلس المستوطنات لبناء ما یزید على 50 ألف وحدة سکنیة جدیدة فی مستوطنات الضفة الغربیة.

فی الخمسینات والستینات کان الشعار هو تحریر فلسطین کلها من النهر إلى البحر، ثم تقلص فیما بعد إلى إقامة الدولة الفلسطینیة على حدود عام 1967 ولا نعرف بعد فترة إلى ما "سینمسخ" إلیه هذا الشعار، کذلک الأمر بالنسبة للاستیطان، بدایة وقف کامل فی الضفة الغربیة والقدس، ثم تجمید مؤقت فیهما، ثم تجمید ولو لشهرین فی الضفة، بما یعنیه ذلک من موافقة ضمنیة فلسطینیة على استمراره فی القدس.

من جملة المهازل التی تعمل "إسرائیل" لإغراقنا فی بحرها: نسیان القضیة الأساسیة والتمسک بالفرعیات والجزئیات. فی المرحلة الراهنة ینطبق ذلک على المطالبة بتجمید الاستیطان وتناسی أو تغییب الهدف أو المطلب الرئیسی، وهو زوال الاحتلال وکل مخلفاته، ومن ضمنها بالطبع الاستیطان، فلا یمکن قیام تسویة فی ظل الاحتلال، ولا یمکن قیام "سلام" فی ظل بقاء القوات الصهیونیة فی الأراضی المحتلة، وبقاء الاستیطان ودوام اعتقال الأسرى ووجود الحواجز "الإسرائیلیة" وبناء الجدار العازل، وفی ظل الاغتیالات والاعتقالات الجدیدة.

منذ بدء المفاوضات المباشرة مع الفلسطینیین استغلتها "إسرائیل" فی المزید من الاعتقالات والتشدید على الأسرى، والإکثار من مصادرة الأراضی الفلسطینیة، وتکثیف بناء الحواجز فی الضفة الغربیة، وقبل کل شیء، بناء الآلاف من الوحدات السکنیة فی المستعمرات، بالتالی هل یمکن لهذه "الدولة" التی تجرى معها مفاوضات مباشرة أن تصنع سلاماً مع الفلسطینیین أو العرب؟

نتنیاهو یرید "سلاماً" مقابل سلام ولیس "سلاماً" مقابل الأرض، ولیبرمان یرید "سلاماً" مقابل تبادل سکان الخط الأخضر الفلسطینیین بترحیلهم إلى الضفة الغربیة، وإعطاء الأخیرین بعض الأراضی "من أرض "إسرائیل" التاریخیة"، فالسلام من وجهة نظره لن یتحقق حتى بعد 50 سنة، وهذا ما قاله فی أحد تصریحاته.

لعل من المفید أیضاً التذکیر بحقائق التاریخ وعلم ثورات الشعوب، قدیماً وحدیثاً، ولعل من أبرزها: أن المحتلین ومغتصبی إرادات الشعوب على مدى العصور لا یستجیبون للغة المنطق، ولا یجنحون للسلام، ولا یعترفون بحقوق الشعوب التی یحتلون أراضیها ویصادرون حریات الناس فیها، إلا فی ظل میزان القوى الذی یجبرهم على ذلک. نعم ألا وهی المقاومة المسلحة التی تکبد هؤلاء المغتصبین خسائر بشریة یومیة وتحول مشروعهم الاحتلالی إلى مشروع اقتصادی وسیاسی خاسر، ولا نقصد التکافؤ فی میزان القوى على الصعید العسکری.

لم تضطر الولایات المتحدة إلى الانسحاب من فیتنام الشمالیة إلا بقوة المقاومة، ولم یجنح النظام العنصری فی جنوب إفریقیا إلى السلام والتصالح مع سکان البلاد الأصلیین إلا بفعل الضغوطات التی شکلتها علیه المقاومة المسلحة للشعب الجنوب إفریقی، بقیادة حزب المؤتمر الوطنی الإفریقی، ویمکن تطبیق هذین النموذجین على کل حرکات التحرر الوطنی فی آسیا وإفریقیا وأمریکا اللاتینیة.

أما علم التفاوض فقد أثبتت حقائق تاریخیة کثیرة أبرزها: أن التقدم فی المفاوضات مع العدو لن یحصل إلاّ اعتماداً على ما یجری على الأرض، وعلى الحقائق التی تفرضها المقاومة. فی مرحلة قریبة ماضیة وصلت الفصائل الفلسطینیة إلى مستوى توازن الرعب مع العدو الصهیونی، ولو قُدّر لهذه المرحلة أن تستمر فترة أطول لتحول شعار الدولة الفلسطینیة المستقلة کاملة السیادة من إطاره النظری إلى إطاره الواقعی.

"إسرائیل" تشکل استثناءً فی تاریخ المستعمرِین "بکسر الراء" فهی عدو استعماری، اقتلاعی، بالتالی فهی من جهة تخضع إلى حقائق التاریخ الآنفة الذکر، ومن جهة ثانیة تحتاج إلى تکثیف المقاومة ومضاعفة وسائلها ضد مشروع احتلالها. فقط فی هذه الحالة، یمکن التفاوض معها. أما إجراء المفاوضات معها فی ظل کینونة أسلوب المفاوضات باعتباره خیاراً وحیداً ووسیلة منفردة فی التعامل معها، فسیزیدها ذلک تعنتاً وإصراراً على التنکر لحقوق الشعب الفلسطینی، وعملاً لکسب المزید من التنازلات الفلسطینیة والعربیة، وتجربة المقاومة الوطنیة اللبنانیة فی عام 2006 هی خیر دلیل على صحة ما نقول.

الذی یمنع "إسرائیل" حتى اللحظة من شن عدوان جدید على لبنان أو على المنشآت النوویة الإیرانیة خسائرها الحتمیة من ردود المقاومة الوطنیة اللبنانیة والرد الإیرانی على کل من العدوانیین.

فی الحالة الفلسطینیة حالیاً، فلیس لدى "إسرائیل" ما تخشاه، لا شیء یجبرها على الاعتراف بالحقوق الوطنیة الفلسطینیة، ولذلک تمارس کل موبقاتها فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة، وتمارس عهراً تفاوضیاً مع الفلسطینیین. أما قوة ضغط الرأی العام العالمی على المستعمرِین "بکسر الراء" فهی مسألة موضوعیة وإیجابیة، لکنها تتناسب طرداً مع قوة حرکة المقاومة والحقائق التی تصنعها على الأرض، بالمقاومة ولا شیء غیرها، فی هذه الحالة فقط یشکل هذا الرأی العام قوة ضاغطة ذات تأثیر کبیر.

یبقى القول: إن مقاومة الاحتلال هی الأساس، ولیتم التمسک بکافة الشعارات المتعلقة بالثوابت الفلسطینیة، وهی التی تعنی الحقوق الوطنیة الفلسطینیة کاملة غیر منقوصة، والحذر من المزید من الوقوع فی الفخ "الإسرائیلی".

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 139892







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)