ما الذی قدمته حماس لجیمی کارتر حتى یعود إلى إسرائیل؟
لا أعتقد بأن أحدا کان له أن یفکر بأن الرئیس الأمیرکی الأسبق جیمی کارتر سوف یتم استقباله بهذه الطریقة الفجة والبعیدة عن ابسط حدود اللیاقة و اللباقة أو الدبلوماسیة فی الدولة العبریة، خاصة وأن الرجل، وهو بالتحدید، وخلال وجوده على رأس السلطة فی الولایات المتحدة قدم ما لم یقدمه أی من الرؤساء الأمیرکیین لدولة الاحتلال وذلک حینما استطاع أن یحقق لها سلاما کانت تتمنى ما هو أقل منه بکثیر،ذلک السلام الذی اعتبره العرب سواء على المستوى الرسمی أو الشعبی أنه طعنة نجلاء فی ظهر الأمة، وهذا ما حدا بهم إلى مقاطعة "مصر السادات" فی حینه وإلى نقل مقر جامعة الدول العربیة إلى تونس.
حقیقة الأمر أن السید جیمی کارتر - وبرغم هذا الهجوم غیر المسبوق على شخصیة مرموقة تتمتع بمکانة دولیة بارزة ویحظى باحترام کبیر سواء فی الولایات المتحدة نفسها أو على المستوى الدولی وبرغم ما قیل أنه کان قد تعرض له من "توبیخ" من "العجوز" الذی یتم وصفه دوما بالفاشل فی وسائل الإعلام الإسرائیلیة شمعون بیریس وبرغم المقاطعة شبه الکاملة من کبار القادة والمسؤولین والرسمیین الإسرائیلیین- لم "یکل ولم یمل"، لا بل هو أظهر الکثیر من الإرادة التصمیم والالتزام بما هو آت من أجله، وبما هو مؤمن به خلال هذه الزیارة، حیث استمر فی برنامجه الذی رسمه بشکل محدد دونما أن یلتفت إلى کل المهاترات التی قامت بها الدولة العبریة وتلک الممارسة غیر المسؤولة من قبل الإدارة الأمیرکیة.
السید جیمی کارتر وبرغم الحملة علیه خاصة فیما یتعلق بالاجتماع مع القادة السوریین وکذلک مع قادة حماس، أصر على أن یلتقی بالرئیس السوری بشار الأسد، وکذلک بقادة حرکة حماس سواء فی القاهرة أو فی دمشق وعلى رأسهم السید خالد مشعل، وما أن انتهت اجتماعاته بهؤلاء القادة حتى توجه إلى السعودیة لیلتقی بخادم الحرمین الملک عبد الله بن عبد العزیز ولیضعه بصورة ما تم فی دمشق ومن ثم انتقل إلى العاصمة الأردنیة عمان للالتقاء بالعاهل الأردنی الملک عبد الله الثانی لیکون هو الآخر فی صورة ما تم التوصل إلیه فی العاصمة السوریة.
برغم ما یقال من أن السید جیمی کارتر قد یکون سمع فی دمشق ما یتم تکراره فی العادة من قبل القیادتین هناک- السوریین والحمساویین-، إلا أننا نعتقد بان فی جعبته ما هو أکثر من ذلک وإلا فلماذا یعود السید کارتر إلى إسرائیل إن لم یکن لدیه ما ینقله إلى الإسرائیلیین، وعلى أی حال فإن أقل ما یمکن أن یقال بأنه جدید فی ما یقوم به الرئیس الأمیرکی هو هذا الذی قیل عن استعداد حرکة حماس للاعتراف بأی اتفاق قد یتوصل إلیه الرئیس الفلسطینی مع الجانب الإسرائیلی من خلال المفاوضات المستمرة منذ زمن بین الطرفین شریطة أن یتم عرض هذا الاتفاق على الشعب الفلسطینی للاستفتاء، هذا الموقف الذی طالما ردده الرئیس محمود عباس والذی لم یکن لینال رضا القیادة الحمساویة فی الفترة الماضیة.
لا نعتقد بأن کارتر الذی واجه ما واجهه فی إسرائیل یمکن أن یفکر بالعودة إلى إسرائیل لو لم یسمع من قادة حماس وربما من القیادة السوریة ما یجعله یفکر بالعودة لیطرح ذلک على الطاولة أمام الإسرائیلیین الذین لن یعدموا الوسیلة فی الاستماع إلى الرجل حتى لو کان ذلک من خلال شخصیات لیس بالضرورة رفیعة المستوى. خاصة وأن من تابع ما جرى خلال الأیام الماضیة یستطیع أن یلمس بأن هنالک لهجة قد یبدو فیها الکثیر من "التفاؤل" خاصة فیما یتعلق بموضوع المعابر وبالتحدید معبر رفح وإمکانیة إعادة فتحه، وهذا ما لمح إلیه السید محمود الزهار -الذی یصنفه البعض على أنه من "صقور" حرکة حماس- بعد أن اجتمع مع السید جیمی کارتر فی القاهرة.
حدیث الزهار هذا کما وحدیث غیره من قادة حرکة حماس، أو من وزیر الخارجیة المصری السید أحمد أبو الغیط ( صاحب نظریة تکسیر أرجل الفلسطینیین) الذی بدا وکأن فی ذهنه خطة متکاملة حول هذین الموضوعین عندما کان یتحدث فی لقاء مع مجلس العلاقات الخارجیة یوم الجمعة عن التهدئة وضرورة عدم مشارکة حماس فی أی حکومة "وحدة وطنیة" فلسطینیة مستقبلیة، أقوال أبو الغیط لا یمکن أن یتم فهمها إلا فی سیاق موافقة حماس على ما جاء فی ما أعلنه الرجل- أبو الغیط-، حیث أن من غیر الممکن أن یقول الرجل ما قاله وکأنه اشتراط على حماس إذا ما أرید للمفاوضات أن تسیر بشکل جدی من أجل التوصل إلى تسویة مع دولة الاحتلال دون أن تکون حرکة حماس فی صورة ما سوف یعلنه ودون موافقتها.
أبو الغیط لم یتوقف عند ذلک بل أردف قائلا بأن مصر التی لا تمیل إلى "حکومة الوحدة الوطنیة بتشکیلها السابق" ترغب فی التوصل إلى تهدئة تتوقف فیها عملیات إطلاق "الصواریخ" من غزة ومعها تتوقف إسرائیل عن استهداف النشطاء الفلسطینیین وضرب غزة، کما قال بان الخطوة التالیة هی "مبادلة نحو 400 من الأسرى الفلسطینیین مقابل الإفراج عن الأسیر الإسرائیلی جلعاد شالیط" -لاحظوا تحدید الرقم الذی لا نعتقد بأنه کان عبثیا- ، کما قال بأن "العنصر الثالث" فیما أسماه خطة هو "فتح معبر رفح".
لا نعتقد بأن السید الوزیر أحمد أبو الغیط صار یعمل وزیرا لخارجیة لفلسطین، أو متحدثا باسم حرکة حماس، ولا یمکن الاعتقاد بأن الرجل کان یتکلم هکذا بدون أن یکون مستندا إلى موافقة من قیادة حرکة حماس بغض النظر عما یمکن أن تقوله الحرکة فی هذا الشأن- توافق أو تنفی-، فأبو الغیط لیس مراهقا سیاسیا ولا هو حدیث العهد بالعمل السیاسی والدبلوماسی ولا یمکن أن یصرح بما صرح به دون أن یکون أخذ موافقة ولو مبدئیة من قبل حماس والسلطة وربما إسرائیل، وهو فی غنى عن أی إحراج قد تسببه له تلک التصریحات إن لم یکن قد أخذ ضوءا أخضرا من جمیع الأطراف على ما قاله.
من هنا وبحسب ما نرى فإن السید جیمی کارتر الذی وإن کانت الولایات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائیلی أرادتا وضعه فی الزاویة بسبب الجرأة التی أبداها فی انتقاده لإسرائیل فی کتابه الذی أصبح معروفا للعالم حول عنصریة دولة الاحتلال، إنما یعود وفی جعبته الکثیر الذی یمکن أن یقوله أو أن یناقشه مع القادة الإسرائیلیین وهو بذلک وإذا ما ثبت فعلا بأن الرجل یحمل فی جعبته کل هذا الذی أشرنا إلیه أو حتى بعضا منه وهو لا شک یحمل، فإنما سیتسبب بإحراج لقادة هذه الدولة عدا عن قادة الولایات المتحدة إلا إذا أخذت القیادة الإسرائیلیة "العزة بالإثم" وهذا ما نستبعده خاصة فیما إذا تحقق ولو تقدم طفیف فی أی من القضایا التی تمت الإشارة إلیها.
( المقال للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم)
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS