السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

التهدئة مصلحة إسرائیلیة فلماذا ترفضها ؟

أسفرت نتائج لقاءات القاهرة بین الوزیر عمر سلیمان مدیر المخابرات العامة المصری والفصائل الفلسطینیة عن موافقة جماعیة من جانب هذه الفصائل على تهدئة فی قطاع غزة على أن یعقبها بعد فترة لم تحدد ذات الأمر فی الضفة الغربیة ، ومع تحفظات للجهاد الإسلامی والجبهة الشعبیة طالت أمر الرد فی حال خرقت اسرائیل التهدئة وربط هذه الموافقة برغبة فی عدم العرقلة على خلفیة فهم للشعبیة یقول برفض التهدئة من حیث المبدأ کونها مصلحة إسرائیلیة وأنه لا یجوز التهدئة مع الاحتلال .

وفی خلفیات الدعوة المصریة وسیاقات نشاطها لإنجاز التهدئة تدخل عدة اعتبارات کما بعض الاستنتاجات التی یمکن رؤیتها من خلال الحرکة السیاسیة لأمریکا من جهة والکیان الإسرائیلی من جهة أخرى . ولو بدأنا بخلفیة المبادرة المصریة التی شملت فی البدایة حرکتی حماس والجهاد ولقاءات العریش وامتدادها لتطال کل الفصائل والمجموعات المسلحة لوجدنا أن دوافع الحکومة المصریة لها جانبان الأول ینطلق من إحساس لدى الحکومة المصریة بتعاطف الشعب المصری مع غزة فی ظل العدوان الوحشی الذی تقوم به اسرائیل علیها وسقوط العشرات من القتلى بشکل یومی ، وحالة الاحتقان التی یولدها ذلک فی الشارع المصری مع صعوبة الوضع الاقتصادی والمعیشی للغالبیة العظمى من الجماهیر المصریة وبالتالی وجود خطر حقیقی فی اندفاعة جماهیریة قد یصعب ضبطها إن امتزج فیها العامل الوطنی الداخلی مع القومی فی بعده الفلسطینی.

والجانب الثانی الخشیة من وصول الأمور إلى خط اللاعودة بالنسبة للشارع الفلسطینی فی قطاع غزة وانفجار الحالة بالاتجاهین والذی سیکون أحدهما رفح والحدود المصریة بکل تأکید وما تداوله بعض مروجی الدعایة من أن هناک إمکانیة لاستیطان فلسطینی فی سیناء ... إلى آخر المعزوفة المعروفة . وبعد هذا یمکن أن تأتی عوامل من نوع استقرار الحدود مع اسرائیل وانتظام بیع النفط والغاز المصری لها ، والحاجة المصریة لضبط الوضع الأمنی بسیناء فی ظل الاشتراطات الإسرائیلیة القاسیة حول عدد الجنود والشرطة المصریین المسموح بتواجدهم فی سیناء ربطاً باتفاقیة کامب دیفید ، وبالتالی صعوبة ضبط الأمور بدون تهدئة تسمح بتنسیق أفضل مع الفلسطینیین وحمایة الأماکن السیاحیة فی سیناء والتی سبق استهدافها من مجموعات تصفها السلطات المصریة بالإرهابیة .

وفی ظل اللقاءات السابقة للسید عمر سلیمان مع طرفی الصراع وتصدی مصر للعب دور الوسیط بهذه الکیفیة وبغض النظر عن المصالح المصریة المرتبطة بالتهدئة فان الواضح أن مصر ما کانت لتتحرک لولا وجود طلبات أمریکیة إسرائیلیة بالخصوص ، ولعل توقیت المسألة یعزز الرغبة الإسرائیلیة الأمریکیة حیث تأتی التهدئة عشیة أعیاد صهیونیة دینیة وقومیة فی مقدمها ما یسمى عید الاستقلال وهو ذاته النکبة الفلسطینیة وأهمیة وجود جو یسمح لإسرائیل بتمریر هذه المناسبة وخصوصاً أنها الذکرى الستین لقیام دولة یهود فوق أرضنا . وفی الشق الأمریکی للرغبة المشار إلیها تأتی زیارة بوش الابن للمنطقة ولقاءاته المنتظرة خاصة قمة شرم الشیخ المزمع عقدها من أجل البحث عن صیغة عمل تمکن أطراف المفاوضات من الوصول إلى إعلان مبادیء حول الحل النهائی قبل نهایة العام ، وحبذا لو حدث ذلک فی هذه القمة ، کما الضغط الذی سیمارسه رئیس الإدارة الأمریکیة على العرب من أجل مزید من الاعتراف والتطبیع مع اسرائیل .

هذه هی باختصار خلفیات النشاط الکبیر الذی شهدته القاهرة والعریش من قبلها لهذا الغرض کما التحرکات الإسرائیلیة الأمریکیة التی تصب فی ذات الغرض . لکن ما هی مبررات السعی ومن ثم الموافقة والالتزام أمام المصریین قبل أن تبدی اسرائیل ذات الشیء ولا حتى وعدت به ، والملفت أن تصریحات المسئولین الصهاینة تنفی صفة الجدیة عن رغبة حماس فی التهدئة رغم تیقنها من عکس ذلک . إن رضوخ حماس للطلب المصری بالمبادرة إلى التهدئة من طرف واحد على أمل موافقة اسرائیل على ذلک ، ومجرد وعود مصریة ببذل جهود الوساطة مع العدو الصهیونی للحصول على موافقة إسرائیلیة لرفع الحصار وفتح المعابر له ما یبرره فی ظل الوضع الذی آل إلیه واقع الحیاة وصعوبتها فی قطاع غزة وکذلک حالة الحصار السیاسی المفروضة على حماس فی ظل سیطرتها الحصریة على مقالید السلطة فی غزة وتحملها مسؤولیة حیاة الناس التی طالها الکثیر من العنت فی ظل هذا الحصار الظالم ، کما أن العدوان المستمر على القطاع وسقوط الضحایا بهذه الکثافة وجلهم من المدنیین والأطفال فی ظل صمت عربی وعجز عن ردع العدوان أو حتى المساعدة فی رفع الحصار ، فقد وجدت حماس نفسها مرغمة على إبداء مرونة قد تعطی نتائج ایجابیة على أکثر من صعید رغم أن قبول حماس للتهدئة هو نکوص عن مفاهیمها السیاسیة والدینیة من حیث المبدأ ، لسبب یتعلق بتشخیص حالة العداء مع اسرائیل وکل وجودها فی فلسطین وتقییم الحرکة لهذا الوجود وکیفیة التعاطی معه ذلک أن التهدئة تختلف مع قصة الهدنة التی تؤمن بها حماس سیاسیاً ودینیاً وتجد لها ما یبررها .

فی ظل ما تقدم کیف یمکن تفسیر الرفض الصهیونی المعلن للتهدئة وعدم التجاوب مع المطالب الفلسطینیة حول وقف الاعتداءات وفتح المعابر وإنهاء حالة الحصار والعودة لتزوید غزة بالمحروقات إلى آخر مقومات الحیاة ؟ هناک تفسیر مباشر لذلک یرتبط بعدم اعتراف اسرائیل بحماس کجهة یمکن التفاهم معها أو تمثل الشعب فی غزة ولا ترید منح حماس اعترافاً ولو ضمنیاً بذلک إلا بشروط تضعها هی وأهمها اعتراف حماس بها ، وفی التفسیر غیر المباشر أو الهدف غیر المعلن للرفض الصهیونی الحالی یکمن تکتیک المساومة المعروف عند هؤلاء والرغبة فی ابتزاز أکبر قدر من المکاسب قبل تقدیم أی ضمانات بالتهدئة وربما فی انتظار السید بوش .

الأرجح أن تقوم اسرائیل أخیراً بالموافقة على التهدئة کونها تغطی هذه الفترة الحرجة وزیارة بوش من ضمنها ، کما والأرجح أن تختار اسرائیل الوقت الملائم وفی فترة قریبة لخرق الهدنة تمهیداً لعدوان واسع على قطاع غزة .

إن قضیة التهدئة ونجاحها یرتبط بعامل القدرة الفلسطینیة على الردع وهذا غیر متوفر حالیاً فی ظل الانقسام الفلسطینی ، وبتطورات المفاوضات على المسار الفلسطینی . ولعل التلویح الإسرائیلی بفتح المفاوضات على المسار السوری وما رافق ذلک من تصریحات یشیر إلى لعبة إسرائیلیة سبق لإسرائیل تجریبها علینا للضغط ، أو فی التمهید للعدوان إن کان هنا أو هناک . نتوقع من الإخوة فی فصائل المقاومة الفلسطینیة المزید من الحذر والتنبه فی الفترة القادمة ، ونتوقع أکثر ترکیز نشاطها على إنجاز تهدئة جدیة بین فتح وحماس تمهیداً لعودة الوحدة الوطنیة وبین غزة والضفة سیاسیاً وعلى کل الأصعدة ، والرفض الإسرائیلی العلنی هو مناورة لیس إلا .

( للباحث والکاتب زیاد ابوشاویش )

ن/25


| رمز الموضوع: 140984







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)