الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

التهدئة واستمرار الحصار

التهدئة واستمرار الحصار

أوقفت حرکة حماس مشارکتها فی المفاوضات حول إطلاق الجندی الإسرائیلی الأسیر جلعاد شلیط بسبب إقدام الحکومة الإسرائیلیة علی إغلاق المعابر مجددا تحت ذریعة سقوط صاروخ یوم أمس الأول فی منطقة النقب، ولکن هذه الخطوة لا تکفی، بل یجب أن تذهب الحرکة إلى ما هو أبعد من ذلک، أی تعطی إسرائیل والوسیط المصری مهلة لعدة أیام یتم خلالها إعادة فتح المعابر جمیعا دون أی إغلاق أو الانسحاب من اتفاق التهدئة کلیا.

المسألة الخطیرة التی تغیب حالیا عن أذهان قادة حماس الذین تفاوضوا على هذا الاتفاق، ووقعوا فی مصیدة الضغوط المصریة بحسن نیة، هی أن إسرائیل أصبحت تغلق المعابر کرد على إطلاق الصواریخ، بمعنی أنها تتهم الجانب الفلسطینی بعدم الالتزام بالاتفاق، بینما واقع الحال لیس کذلک علی الإطلاق. فالنوایا الإسرائیلیة کانت واضحة بتخریب هذا الاتفاق، وخلق الحجج والذرائع للتملص من أی التزام به.

مفاوضو حرکة حماس ارتکبوا خطأین أساسیین، الأول هو التنازل عن مطالبهم بربط التهدئة فی قطاع غزة بتهدئة موازیة فی الضفة الغربیة، والثانی هو عدم الإصرار على فتح معبر رفح بشکل دائم کشرط لوقف إطلاق الصواریخ.

ندرک جیدا حجم الضغوط الواقعة على حرکة حماس وحکومتها فی قطاع غزة جراء الحصار، وإغلاق المعابر، والنقص الکامل فی کل الاحتیاجات الضروریة لملیون ونصف الملیون فلسطینی، ولکن هذا لا یعنی تقدیم تهدئة شبه مجانیة، غیر مرتبطة بأی ضمانات أو مرجعیة صلبة توفر الحد الأدنى من الالتزام بشروطها.

فالوساطة المصریة لم تکن ضروریة على الإطلاق طالما أن التهدئة لم تؤد إلى فتح المعابر جمیعا دون استثناء. وکان یمکن أن تصل حرکة حماس إلی النتیجة الحالیة دون الحاجة إلى تدخل الحکومة المصریة من خلال إیقافها إطلاق الصواریخ من طرف واحد. فإسرائیل کانت تطالب بذلک، وتعرض استعدادها لتخفیف الحصار، واستئناف إرسال البضائع دون اتفاق، ودون وساطة مصریة أو غیرها.

لا نقبل أن تکون الحکومة المصریة وسیطا بین الفلسطینیین والإسرائیلیین، لأنها یجب أن تقف فی الخندق الفلسطینی، وتضغط على الإسرائیلیین لإنهاء الحصار وإعادة فتح المعابر، لأن قطاع غزة وقع تحت الاحتلال الإسرائیلی عندما کان خاضــــعا للإدارة المصـــریة. وطالما أنها قبــــلت أن تکون وســــیطا، فــــإن من أبرز مواصفات الوسیط أن یکون نزیها، ومن المؤسف أنها لم تکن کذلک على الإطلاق، فقد قامت بدور ساعی البرید لنقل الشروط الإسرائیلیة إلى الطرف الفلسطینی، وفرضها علیه فرضا، مستغلة ظروفه الصعبة تحت الحصار.

کان منظراً مؤسفا أن نری قوات الأمن المصریة تنهال بالضرب على المنتظرین على جانبی معبر رفح، وکان مؤسفا أکثر تصریحات السید أحمد أبو الغیط التی کرر فیها تهدیداته للفلسطینیین بعواقب خطیرة إذا ما أقدموا علی اقتحام المعبر مرة أخرى.

الحکومة المصریة تعهدت بفتح المعبر بصورة دائمة عندما تدفق مئات الآلاف من المحاصرین الفلسطینیین إلى الحدود المصریة قبل أربعة أشهر، ولکنها لم تلتزم بأی من هذه التعهدات. وحتى فتحها هذا المعبر لثلاثة أیام أمام المرضى وحملة الإقامات فی الدول العربیة لأسباب إنسانیة غیر کاف علی الإطلاق، لأن وضع أبناء القطاع جمیعا هو وضع غیر إنسانی على الإطلاق.

من الواضح أن التصریحات التی أدلی بها مسؤولون إسرائیلیون رافقوا إیهود أولمرت رئیس الوزراء الإسرائیلی أثناء زیارته الأخیرة لمصر، وقالوا فیها إن الرئیس مبارک تعهد بإبقاء المعبر مغلقا حتى الإفراج عن الجندی الأسیر شلیط هی تصریحات صحیحة رغم النفی المصری الرسمی لها. فالمعبر ما زال مغلقا، وکذلک المعابر الأخرى.

مصیر ملیون ونصف ملیون فلسطینی أصبح معلقا بمصیر هذا الجندی الإسرائیلی، وکأنه من أنبیاء بنی إسرائیل! إنه ابتزاز غیر مسبوق، ولا یجب الرضوخ له، والاستسلام لشروطه مهما کانت الضغوط والنتائج.

الفصائل الأخرى التی تطلق الصواریخ تفعل ما فعلته حرکة حماس وأجهزتها العسکریة أثناء خضوع قطاع غزة لسلطة رام الله، باعتبار المقاومة حقا مشروعا طالما أن هناک احتلالا وعدوانا إسرائیلیین، ولیس من حق سلطة حماس أن تخوّن مثل هذا الفعل، رغم وجود الکثیر من المنطق فی مطالبها بالالتزام بالتهدئة لتخفیف معاناة أبناء القطاع، وتوفیر فسحة من الوقت لالتقاط الأنفاس، والاستعداد لجولة جدیدة من المواجهات فی وقت لاحق.

وربما یفید التذکیر بأنه فی التهدئة الأولى التی انبثقت عن قمة شرم الشیخ الرباعیة، التزمت حماس بشروطها التزاما کلیا، وأوقفت إطلاق الصواریخ، ولکن حرکة الجهاد الإسلامی، ولجان المقاومة الشعبیة اعتبرت نفسها فی حل من هذا الاتفاق وواصلت إطلاق الصواریخ، ومع ذلک ظلت المعابر مفتوحة، وإن کانت عملیات الاغتیال الإسرائیلیة اقتصرت فقط على ناشطی الفصائل التی لم تلتزم بالتهدئة، ولم تستهدف أیا من عناصر الجناح العسکری لحرکة حماس إلا فی فترة لاحقة عندما قررت الحرکة عدم الالتزام بهذا الاتفاق.

حرکة حماس تعرضت لخدیعة کبرى فی تقدیرنا برضوخها للضغوط المصریة، و وجدت نفسها تتفاوض من أجل شحنة دقیق، أو حمولة مازوت، أو عبور بعض المرضى إلى مصر من أجل العلاج، وهی أمور هامشیة بالنسبة إلى أهدافها الکبرى کحرکة مقاومة نجحت باستراتیجیتها الجهادیة فی کسب قلوب غالبیة أبناء الشعب الفلسطینی، وانعکس ذلک بوضوح فی انتخابات المجلس التشریعی ونتائجها المفاجئة التی أکدت زعامتها بوضوح.

وفی غمرة انشغال حماس بالتهدئة والتفاوض على إعادة فتح المعابر، بادرت سلطة رام الله إلى إصدار فتوى بالتمدید للرئیس الفلسطینی محمود عباس لمدة عامین فی السلطة، وربط انتخابات الرئاسة المقبلة بانتخابات المجلس التشریعی.

الرئیس عباس والمجموعة المحیطة به ما کانوا لیقدموا على مثل هذه الخطوة لو کانت حرکة حماس تطلق صواریخها کالمعتاد وتضرب العمق الإسرائیلی، أو حتى لو أن اتفاق التهدئة الذی توصلت إلیه جرى الالتزام به وبما ینعکس إیجابیا على الظروف المعیشیة الیومیة لأبناء القطاع.

ندرک أن التعدیلات هذه لیست قانونیة، لأن السلطة کلها تحت الاحتلال غیر شرعیة وکل ما یتفرع عنها من وزارات ومؤسسات. فحکومة سلام فیاض تحولت من حکومة طوارئ مدتها شهر وفق النظام الأساسی للحکم إلى حکومة دائمة. ولکن وجود حرکة مقاومة موازیة وقویة ستمنع أی خطوات تهدف إلى خرق الدستور والنظام الأساسی.

حرکة حماس یجب أن تتخذ موقفا صلبا، وتضع الوسیط المصری أمام مسؤولیاته، فإما الالتزام الإسرائیلی بالتهدئة وفتح المعابر بشکل دائم، وإما العودة إلى مرحلة ما قبلها، خاصة أن أضرار التهدئة أصبحت أخطر بکثیر من فوائدها.

( المقال لعبد الباری عطوان فی القدس العربی اللندنیة )

ن/25


| رمز الموضوع: 141053







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)