عنصریة إسرائیل ونفاق العالم بین جرافة القدس وحافلة شفا عمرو
عنصریة إسرائیل ونفاق العالم بین جرافة القدس وحافلة شفا عمرو
لم تتردد أی من دول العالم ولا أی من قادة تلک الدول عن استخدام أقسى عبارات الإدانة والشجب والاستنکار للعملیة التی نفذها الشاب المقدسی حسام تیسیر دویات 30 عاما عندما قام باستخدام جرافة لیصدم بها الحافلات والسیارات الإسرائیلیة فی شارع یافا المکتظ وسط القدس والتی نتج عنها مقتل أربعة وجرح العشرات من الإسرائیلیین، وقد تسابق المسؤولین الأجانب على التندید بالعملیة ووصفوها بکل النعوت والأوصاف التی تنم عن الکثیر من الانحیاز لدولة الاحتلال لا بل وعن الکم الهائل من النفاق الذی یتمتع به هؤلاء ومدى التملق فی کل ما یتعلق بإسرائیل.
عملیة الجرافة إذا جاز لنا أن نسمیها کذلک أتت بشکل أذهل الساسة والقادة والمسؤولین الأمنیین الإسرائیلیین بشکل خاص، ذلک انه لم یکن لدى أی منهم أدنى فکرة عن أن حدثا مثل ذلک قد یحدث، وهی شکلت صدمة لا تقل قوة عن تلک التی تسببت بها عملیة قام بها شاب من عائلة أبو دهیم من جبل المکبر قبل نحو شهرین عندما قتل ثمانیة من غلاة المتطرفین فی احد المعاهد الدینیة فی القدس الغربیة.
"العملیة" التی یعتقد على نطاق واسع أنها "عملیة" مدبرة ومخططة إلا أنها غیر مرتبطة بتنظیم بعینه بغض النظر عن البیان الذی تم إصداره من قبل أحرار الجلیل وعلى أی حال وسواء کانت مرتبطة بهذا التنظیم أم لم تکن فهی تم تنفیذها وقتلت من قتلت وجرحت من جرحت، وعلى أی حال أیضا فلیس هذا ما أرید نقاشه هنا بقدر ما أرید أن أناقش الطریقة التی تم فیها الإجهاز على الشاب منفذ العملیة، تلک الطریقة التی کانت على مرأى ومشهد من العالم والتی کانت عملیة إعدام لا تقبل الشک أو النقاش، وهذا بحد ذاته یتنافى مع کل القوانین المعروفة إلا إذا کانت إسرائیل لا تخضع لما یخضع له العالم.
لقد أقدم مسلحین إسرائیلیین صعدا إلى الجرافة على قتل الشاب منفذ العملیة بطریقة رآها العالم ولا تحتاج إلى تعلیق، وقد أشاد الإعلام العبری ببطولة هؤلاء وقد حاول هذا الإعلام القول وعلى لسان الأجهزة الأمنیة الإسرائیلیة أن الشاب کان مسلحا بمسدس وهذا ما لا نعتقد بأنه صحیح، حیث انه لو کان فعلا کذلک فلا بد من انه کان سیستخدم ذلک المسدس المزعوم خاصة وانه مقدم على عمل یعلم انه لن یخرج من بعده حیا بحسب کل التجارب السابقة على مدى سنوات الصراع الفلسطینی الإسرائیلی.
سلطات الاحتلال لم تکتف بقتل الشاب دویات - بغض النظر عمن قتله سواء کان من رجال الأمن أو مدنی فکل مواطن إسرائیلی مسلح وجندی- بل سمحت الیوم الأحد للجماعات الیهودیة المتطرفة بتنظیم مسیرة إلى مشارف بلدة صور باهر للمطالبة بهدم منزله وهذا ما دفع بعشرات المتطرفین للزحف إلى محیط البلدة، وکذلک اتجه هؤلاء إلى حی جبل المکبر القریب للمطالبة بهدم منزل عائلة أبو دهیم.
من المعروف کذلک بان سلطات الاحتلال کانت قد سمحت لغلاة المتطرفین للهجوم على جبل المکبر على إثر عملیة ابو دهیم وسمحت لهم باستباحة الحی وقام هؤلاء بتحطیم السیارات والبیوت وکل ما وجدوه فی طریقهم بالإضافة إلى الاعتداءات على المواطنین فی حینه.
لم ینته الأمر عند هذا الحد فلقد تعالت الأصوات فی إسرائیل وعلى اعلى المستویات مطالبة بنسف بیت منفذ العملیة وأی عملیة " تخریبیة أو إرهابیة" یقوم بها أی فلسطینی.
قبل حوالی ثلاثة أعوام وفی الرابع من آب 2005 قام احد المتطرفین الإسرائیلیین بالصعود إلى حافلة فی مدینة شفا عمرو حیث بدا یطلق النار فی کل اتجاه داخل الحافلة وخارجها وقتل سبعة من الفلسطینیین من بینهم طفلان وثلاثة فتیات ورجلین وجرح حوالی عشرة، وقد استطاع الفلسطینیین بعد ذلک من الصعود إلى الحافلة وقتل الجانی فماذا فعلت إسرائیل.
بدایة فلقد کان هذا المأفون معروفا لدى أجهزة الأمن الإسرائیلی ومعلوم لدیها بأنه من الممکن أن یقدم على عمل کهذا ولم تقم بعمل أی شیء لمنعه ولم تحل دون قیامه بجریمته، هذه واحدة وأما الثانیة فهی أن إسرائیل لاحقت الذین قاموا بقتل المجرم ولا زالت قضیتهم أمام القضاء على اعتبار أنهم قتلة وأنهم لا یجوز لهم أن یأخذوا القانون بأیدیهم ولا نعتقد بأنهم سوف تتم تبرئتهم أمام القضاء الإسرائیلی. وأما الثالثة فان أحدا من قادة الکیان طالب بان یتم نسف بیت القاتل، کما ولن یتم منح أوسمة أو نیاشین لمن قاموا بقتله کما هو مرجح لقتلة الشاب دویات، ولم یتم تنظیم مظاهرات أو حشود ضد المنطقة التی یسکنها هذا القاتل، وحتى لو طالب الفلسطینیین بذلک فلا نعتقد بأنه کان یمکن لهکذا مظاهرة احتجاجیة أن تمر بدون وقوع قتلى وجرحى فی صفوف الفلسطینیین الذین قد یشارکون فیها.
وأما الرابعة والتی تکشف زیف وتملق ونفاق قادة العالم وکیلهم بمکیالین فی التعامل مع الصراع الفلسطینی الإسرائیلی فهی أن أحدا لم یسمع ولو کلمة إدانة واحدة ولم یسمع تندیدا ولا بأی شکل من قبل هؤلاء القادة، ترى هل لا زال یعتقد هؤلاء بان إسرائیل هی الدیمقراطیة الوحیدة فی المنطقة، إنها الدیمقراطیة العرجاء التی تقیس بأکثر من مکیال والتی لا تتعامل مع الفلسطینی إلا على أساس انه قاتل ومجرم وان الدم الیهودی غال وما تبقى فبلا قیمة أبدا فعن أیة دیمقراطیة یتحدثون؟
( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS