وداعًا لمصرَ والسعودیةِ
وداعًا لمصرَ والسعودیةِ
بعد مشارکةِ ساسةِ مصرَ والسعودیة فى الحربِ الجائرةِ على العراق بطریقة مکشوفة، خرجت الدولتان "العُظْمَیَانِ" منها عاریتَیْ الرأسِ: فمصرُ خَسِرت بُعْدَها القومیَّ العربیَّ والسعودیةُ خَسِرت بُعَدَها الاقتصادیَّ السیاسیَّ. ولم تقف خسارةُ الدولتیْن عند هذیْن البُعدَیْن، بل طالتْ مجالاتٍ حیویّةً وسیاسیّةً واجتماعیةً داخل کلٍّ منهما.
ففى الوقت الذى انهالت فیه أطماعُ الشرکات الغربیة العملاقة على خیراتِ العراق تمتصُّها بنهمِ قوانینَ غیرِ آدمیةٍ وبموافقة أزلامٍ انتحلوا الجنسیّة العراقیّة وجلسوا على کراسٍ من جُثَثِ الأبریاء العراقیین، تعاظمتْ مصائبُ الدّولتَیْن: فظهرتْ أزمة الرّغیفِ فى مصر واشتدّتْ حتى تجاوزتْ مطالبُ الناسِ فیها حرّیةَ التعبیر وحقَّ الاختلافِ فى الرأیِ إلى المُطالبةِ بحقِّهم فى البقاء ولو على شاکلةِ الحیوانِ، وان وجدتْ الحکومة "بل هى التى أوجدتْ نفسَها" مضطرّةً إلى بیعِ غازِ شعبِها واسْمَنْتِهِ إلى إسرائیل للحصول على رِضَى إدارة بوش حتى لا تُسجِّلَها بقائمة منتهکى حقوق الإنسان ولا تقْطَعَ عنها المَعُونةَ، وتضمنَ "للریِّسْ" توریثَ عَرْشِه على طریقة الفراعنة مع التنصیصِ على الفارقِ فى الحِکْمةِ.
وأمّا بالنسبة إلى السعودیة، فقد تجلّت فیها مظاهرُ مفارقةٌ عجائبیّةٌ کبیرةٌ قد لا یُصدِقُها العقلُ الدیکارتیّ، إذْ انقطعتْ المعونةُ التى کانت تُقدَّمُ إلى سکّان المناطق الحدودیّة لإبلاغ المؤسسة الأمنیّة المترهِّلةِ بکلّ حرکةٍ مشکوکٍ فیها، مَا ساهم فى ظهور موجةِ تفجیراتٍ وسطَ المُدنِ وفى تناسُلِ تجارة تهریبِ الأسلحةِ والمخدِّراتِ، إضافةً إلى وقوع أهل الحلِّ والعَقْدِ أمامَ کمٍّ من المشاغل السیاسیّة الدولیة منها بخاصّةٍ عجزُهم عن صدِّ المطامع فى الهیمنة على منطقة الخلیجِ، وکذلک ظهورُ نَقْصٍ حادٍّ فى الموادِّ الأوّلیة کالحُبوبِ، إضافة إلى ضُمورِ دورِها فى السیاسة الخلیجیّة وظهور منافِسٍ لها قویٍّ متمثِّلٍ فى دولة قطر التى راحَ ساستُها یشدّون حبلَ السیاسة العربیة من طرفَیْه، فأنهوا أزمةَ لبنانٍ وساعدوا على قیامِ الحکومة فیه، وکوّنوا أحلافًا جدیدةً تقومُ على المصلحة المتبادَلة، إذْ هم الآن منشغلون بتجوید علاقة سوریا بالعالَمِ الغربیِّ ویُدیرون من وراءِ سِتارٍ بعض المداولات بین الأفرقاء الفلسطینیّین وبینهم وبین إسرائیل.
وبهذا یکون دورُ مصرَ والسعودیةِ التاریخیِ فى "زعامة" العالَمِ العربیّ وفى حلِّ مشاکله قد انتهى بالفعل، ودخلت الدولتان فى فترة نقاهة "سیاسیّة" یبدو أنّهما لن تنعما فیها بالهدوء طالما ثمّة معارَضةٌ سیاسیّةٌ متأسلمةٌ وطالما ثمّة سجونٌ لأصحابِ الرأیِ الآخَرِ، وطالما ثمّةَ معارکُ ضاریّة داخل القُصور لا نسمع عنها ویُنْبِئُنا بها حَدْسُنا.
( المقال نشر فی موقع "العرب ان لاین " وهو یعبر عن رأی الکاتب ولیس تعبیراً عن رأی وکالة قدسنا )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS