الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أموال الدول المانحة أهداف مشبوهة وأغراض خبیثة(1)

أموال الدول المانحة أهداف مشبوهة وأغراض خبیثة(1)

 

ما أن تتم الدعوة إلى عقد اجتماع یتعلق بالقضیة الفلسطینیة وخاصة تلک التی صارت تسمى المؤتمرات الاقتصادیة حتى تنهال التوقعات بأحجام المبالغ المالیة التی سیتم رصدها وکیف سیکون تأثیر هذه المبالغ على الوضع العام فی فلسطین من حیث التطویر والتنمیة والرفاهیة وانتهاء الأزمة الاقتصادیة الخانقة، ووضع حد لحالة البطالة المستشریة فی الأراضی المحتلة، وقد بالغ البعض بالتوقعات إلى الدرجة التی صار یعتقد معها بان الأراضی الفلسطینیة ستصبح سویسرا المنطقة، ناسیا أو متناسیا بان هذه الأراضی لا زالت ترزح تحت احتلال بغیض منذ ما یزید على الأربعة عقود، وان لا إمکانیة لیس فقط لاقتصاد ناجح لا بل لا إمکانیة لنجاح أو تقدم لأی شیء فی ظل احتلال بمثل "قباحة وفاشیة" الاحتلال الإسرائیلی.

هذا الحدیث عن الأرقام وتحسین أو تحسن الأوضاع ینسحب على معظم إن لم یکن کل الزوار الرسمیین الذین یأتون لزیارة الأراضی الفلسطینیة المحتلة، فهم خلال وقبل وبعد وصولهم واجتماعاتهم مع المسؤولین الفلسطینیین "یهرونا وعود" بأموال لا حصر لها، وان الأوضاع الاقتصادیة فی هذه الأراضی لا بد لها من تغییر وتطویر وتنمیة، ولا بد من تشغیل آلاف العمال الذین یعانون من البطالة سواء الحقیقیة أو تلک المقنعة، وقد کان من بین من شرف إلى المنطقة ووعد بتقدیم مثل هذه المساعدات السید رئیس الوزراء البریطانی غوردن براون الذی وعد بتقدیم 60 ملیون دولار للسلطة الفلسطینیة. والمثیر أن موضوع تقدیم منح للشعب الفلسطینی صار محل تَبارٍ أو تَباهٍ حتى لا نقول دجل وکذب – فی باریس وصل الرقم إلى ما یزید على سبعة ملیارات دولار، لکن کم وصل وکم سیصل منها إن وصل وکم سیبقى مما سیصل بدون لهف وسوء استخدام وهدر وسرقة- بین هؤلاء الزوار وکأن المشروع الفلسطینی أصبح موضوعا غیر مرتبط بقضیة ووطن وطموحات سیاسیة وحقوق لا یمکن التنازل عنها – أو هکذا یتم التردید على مدى سنوات المسالة الفلسطینیة- وشعب مشتت فی أصقاع الدنیا، وانه تحول إلى مشروع "للشحدة" وانه إذا ما حلت المسالة الاقتصادیة فهذا یعنی أن الإشکال الفلسطینی أصبح قاب قوسین أو أدنى من الحل الکامل والشامل أو الجذری.

لقد صار هناک ما یشبه الإجماع – على الأقل فی الدول الغربیة- بان الإشکال الفلسطینی فی جزء کبیر ومهم منه لیس صراعا على وطن أو قضیة بقدر ما هو إشکال اقتصادی، وأنه وإذا ما  تدخل العالم لحل هذا الإشکال فان باقی المسائل تصبح فی غایة السهولة وتحت السیطرة، ویمکن التعامل معها بشکل یسیر، لکن هل هذه هی الحقیقة أو هل هذا هو الواقع؟، وهل إذا ما تم حل الإشکال الاقتصادی فان بقیة المواضیع فی متناول الید وقابلة للتداول والحل؟، نعتقد بان الإجابة معروفة ولا داع للفذلکة فی هذا الموضوع، فهی لن تحل حتى ولو تم ضخ أموال العالم فی فلسطین لان القضیة کما نفهمها مرتبطة بحقوق "أوادم وأناس تشردوا منذ ستة عقود وعانوا الأمرین على أیدی قوات الاحتلال وهناک مجازر وألم ومعاناة لحقت بالشعب الفلسطینی على أیدی قادة الکیان العبری ویجب ملاحقتهم" ووطن وطموحات سیاسیة وهناک دول کبرى وغیر کبرى غربیة وعربیة متورطة بکل ما حدث، هذا عدا عن أن هذا الإشکال إذا جاز لنا أن نسمیه کذلک مرتبط بخطط وأهداف إستراتیجیة غربیة ومن اجلها تمت إقامة دولة الاحتلال على الأرض الفلسطینیة، فهل إذا ما حل المشکل الاقتصادی تنتهی کل المسائل ویتصالح الناس وکأن شیئا لم یکن.

فی الأوضاع العادیة أو الطبیعیة لا اعتقد بان عاقلا یمکن أن یفکر أو أن یقول لمن یرغب فی تقدیم مساعدة للشعب الفلسطینی أن هذا الشعب لا یرید أو لا یستحق أو لا یرغب فی مثل هکذا مساعدة، لکن هل الأوضاع فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة هی فعلا طبیعیة ولا تختلف عن الأوضاع فی الدول المجاورة أو حتى فی الدول البعیدة والتی هی فعلا بحاجة إلى ضخ المساعدات وتقدیم المنح المالیة وغیر المالیة؟ ونحن هنا لا ندعو أو نطلب من احد أن یتوقف عن تقدیم المساعدة للشعب الفلسطینی، إلا أننا نحاول أن ننبه إلى أن هذه المنح والهبات أو المساعدات یجب أن تکون بدون مقابل أو ثمن وخاصة سیاسی، وإلا فإنها کلها وکما نراها تبقى أموالا أو مساعدات مشبوهة غیر نظیفة ومغرضة ولا تنم عن مشاعر ود تجاه الشعب الفلسطینی بقدر ما هی جزء من مؤامرة کبرى تحاک فی عز الظهیرة وبموافقة کافة الأطراف الغربیة والعربیة والفلسطینیة وخاصة تلک المستفیدة من مثل هذه الأموال والمساعدات.

المثیر فی موضوع المساعدات للفلسطینیین أنها صارت جزءا من العقاب للشعب الفلسطینی بدلا من أن تکون جزءا من معالجة الوضع والوصول به إلى نهایة أو حل عادل للمشکلة الفلسطینیة، ونحن هنا لا یغامرنا شک بان کل الأموال التی تصل لا یمکن إن تساعد على حل المسالة الفلسطینیة إذا ما بقیت تقدم بنفس الطریقة وبنفس الشروط، وهی بتقدیرنا أموال یتم دفعها بالنیابة عن دولة الاحتلال هذا الاحتلال الذی أراد البعض أن یصوره على انه انتهى بمجرد دخول السلطة وتشکلها فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة بعد اتفاقیات اوسلو البغیضة والتی ظن الکثیر من الناس فی العالم وحتى من بین أبناء فلسطین أنها المقدمة للحریة علما بأنها کانت البدایة لمرحلة من الخداع والکذب والتضلیل غیر المسبوق فی تاریخ الصراع ولا زالت.

لا یمکن بأی حال من الأحوال أن یقوم اقتصاد جید أو استثمارات آمنة فی ظل وجود احتلال فکیف إذا کان هذا الاحتلال من قبل دولة إسرائیل التی تعتبر نفسها فوق کل الأعراف والقوانین والاتفاقات الدولیة. فعندما عقد ما سمی بمؤتمر بیت لحم الاقتصادی تم الترویج له بشکل غیر مسبوق فی الإعلام الفلسطینی، وخرج السید رئیس الوزراء وغیره - ممن أراد لهذا المؤتمر الانعقاد بهذه الطریقة أو لتحقیق صفقات معینة تحقق أغراضا وطموحات شخصیة أو شرکات بعینها- بتقدیرات غیر عادیة وبمشاریع سوف تکون هی الرافعة التی ستکون سندا للاقتصاد الفلسطینی، لکن من سمع بعض رجال الأعمال الذین شارکوا فی المؤتمر وکیف ینظرون إلى قضیة الاستثمار فی ظل الاحتلال، أدرک أن هؤلاء لیس لدیهم الاستعداد للمغامرة بأموالهم فی ظروف کهذه التی تعیشها الأراضی المحتلة، وأشار بعضهم إلى أن إسرائیل لم تتردد فی تدمیر الکثیر من المشاریع التی تم بناؤها من قبل الاتحاد الأوروبی، فکیف لهم أن یشعروا بالأمان فی ظل دولة تمارس البلطجة لیل نهار، وعلى هذا الأساس فقد قال بعضهم بان فلسطین بحاجة إلى استثمارات وقد تکون ضخمة لکن لیس ما دام الاحتلال قائما وإنما بعد زوال الاحتلال.

واقع الحال یقول بان إسرائیل لم تتردد بتدمیر الکثیر من المشاریع الاقتصادیة التی تم تأسیسها بعد دخول السلطة بأموال الدول المانحة، علما بان إسرائیل هی الدولة المسؤولة عن هذه المناطق ما دمت تحت احتلالها وهی وبدلا من أن تقوم بتطویر المشاریع والبنى التحتیة قامت بتخریبها وتدمیرها والعمل على ربط الاقتصاد الفلسطینی بالاقتصاد الإسرائیلی، بحیث أصبح هذا الاقتصاد یتبع بشکل کامل اقتصاد دولة الاحتلال، ونعتقد بأنه ومن اجل الخلاص من ذلک فقد یلزمنا سنوات بمثل عدد سنوات الاحتلال إن لم یکن أطول من اجل التخلص من هذه التبعیة، هذا فیما لو افترضنا حسن النیة بدولة الاحتلال ومن أنها لن تقوم بخطوات معاکسة لما قد یتخذه الفلسطینی أی فیما لو لم تقم بأی عمل  مضاد ووقفت "تتفرج ولم تحرک ساکنا" على ما یقوم به الفلسطینی من اجل التخلص من تلک التبعیة!!

نحن نعلم بان التجارب الاحتلالیة کثیرة فی هذا العالم، ونعلم کذلک بان التجربة الفلسطینیة مع الاحتلال لیست الأولى ولو أنها من التجارب الاحتلالیة الأخیرة فی هذا العالم، لکننا نعتقد بأنها تجربة مختلفة ومتمیزة من حیث طول فترة الاحتلال والمؤامرات التی امتدت إلى عشرات السنین قبل احتلال الضفة والقطاع، عدا عن کونها تجربة مختلفة من خلال أن هذا الاحتلال هو احتلال استیطانی إحلالی یهدف إلى اقتلاع أبناء فلسطین من أرضهم التاریخیة وإحلال عصابات قادمة من مختلف بقاع العالم مکانهم، ومن هنا تکمن ربما الإشکالیة الأکثر تعقیدا فی الوضع الفلسطینی.

کذلک نحن ندرک بان العدید من الدول لم تنل استقلالها هکذا بشکل کامل وعلى دفعة واحدة بل تم ذلک بالتدرج من خلال اتفاقیات کانت تربط الدول الواقعة تحت الاحتلال بالدول الاستعماریة، إلا أننا نعتقد بأنه حتى فی تلک الحالات فقد کانت الدول الاستعماریة تکون مسؤولة بشکل مباشر عن الدولة الواقعة تحت احتلالها ولم تکن ترفع یدها أو تتخل عن مسؤولیاتها کدول استعماریة بغض النظر عن الکم أو الکیف، فهی کانت تظل مسؤولة وهذه عملیا کانت القاعدة المتبعة وهذا هو الواقع الذی کان سائدا حتى هنا فی فلسطین إلى أن اختلفت الصورة مع دخول السلطة الفلسطینیة أو تشکل هذه السلطة فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة.

إن وجود السلطة الفلسطینیة فی الأراضی المحتلة لا یعنی أن هذه الأراضی قد حصلت على استقلالها، بغض النظر عما یمکن أن یقوله رجال السلطة أو التابعین والمؤیدین لها، وبغض النظر عما یقال عن هذه الایجابیات أو تلک السلبیات، فالأراضی الفلسطینیة لا زالت وبحسب کل القوانین والأعراف الدولیة أراض محتلة ولا زالت تحت مسؤولیة دولة الاحتلال، وهذا ینطبق على قطاع غزة وذلک حتى لا ینخدع من یمکن أن یتم خداعه فی هذا الإطار، وهو أن قطاع غزة فی الحقیقة لیس سوى سجن کبیر تتحکم به دولة الاحتلال الإسرائیلی من الخارج أو عن بعد، وهی عندما خرجت منه فی خطوة أحادیة الجانب لا یعنی انه صار إقلیما مستقلا  بقدر ما یمکن أن نسمیه احتلال من بعید وبالسیطرة عن بعد علیه، فهو محاصر من کل الجهات ومن السماء والبحر من قبل إسرائیل ویجب على احد ألا یحاول الخداع من خلال الترویج بان قطاع غزة أصبح أراض محررة وانه یتمتع بالسیادة کما "الأقالیم أو الدول المستقلة وذات السیادة" لأنه بذلک إنما یرفع المسؤولیة عن إسرائیل.

لکن ما الذی یجری فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة منذ أن قامت أو تأسست السلطة الفلسطینیة فی العام 1994، الواقع یقول بان إسرائیل ومنذ ذلک الحین رفعت یدها ومسؤولیاتها عن الأراضی المحتلة وکان ذلک بمساعدة السلطة سواء کان ذلک بحسن أو بسوء نیة، تحت ذرائع وأسباب واهیة لا تستند إلى أی أسس متینة أو مقنعة وتحت مقولة أو عنوان السیادة الفارغة، وکذلک بمساعدة دول العالم وفی مقدمتها أمیرکا التی لا نعتقد بأنها لدیها أی حسن نوایا تجاه الشعب الفلسطینی أو الأمة العربیة أو حتى دول العالم الثالث أو المتخلفة بشکل عام فهی – أمیرکا تحدیدا- ترید السیطرة على العالم وتبقیه فی حالة من التبعیة لیس إلا.

( للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )

 ن/25

 


| رمز الموضوع: 141118







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)