ماذا تبقى لکم؟!
ماذا تبقى لکم؟!
أن یکون الفلسطینی المقیم فی الضفة الغربیة وقطاع غزة منتمیاً سیاسیاً لحزب سیاسی غیر حرکتی "فتح" و"حماس"، فذلک ممنوع، وعلیه أن یحسم أمره، وان یصطف الى جانب أحدهما ضد الأخر، أما أن یکون فی الوسط ویدافع عن القضیة والمشروع الوطنی مما لحق بهما والشعب الفلسطینی من أذى وتشویه جراء الانقسام السیاسی والجغرافی والاقتتال الیومی بین الحرکتین فهذا یعنی أنه ضد الحرکتین.
على الفلسطینی أن یقف على حد السیف ویراقب ذاته وسلوکه، ممنوع أن ینتقد أی من طرفی الصراع، فقط مسموح له أن یمتدحهما أو یکون مع احدهما ضد الأخر، فما یجری بین الفلسطینیین یثیر فی النفس الاشمئزاز من تدهور القیم والأخلاق والعادات والتقالید، التی تربى علیها الفلسطینیون أجیالاً متعاقبة.
الأحداث متسارعة ومتشابکة ومقیتة، ویخجل الفلسطینی من الاستماع إلیها أو مشاهدة مناظر مسیئة، أصبحت مألوفة، من مصادرة مؤسسات المجتمع المدنی واعتقالات وتعذیب، فی ضفتی الوطن، وهروب جماعی إلى الاحتلال.
على أرض فلسطین الضحیة هی الجلاد: "فتح" الضحیة فی قطاع غزة هی الجلاد فی الضفة الغربیة، و"حماس" الضحیة فی الضفة الغربیة هی الجلاد فی القطاع.
منذ عام ونصف العام والساحة الفلسطینیة تشهد انقساماً خطیراً ویتعرض الطرفان لحرب شرسة یقودها أحدهما ضد الأخر، ولم یذق الفلسطینیون منذ ذلک الوقت إلا المرارة والحسرة على الحال التی وصلوا إلیها جراء الإجراءات القمعیة، التی یقوم بها طرفا الصراع، وارتکاب الاجهزة الأمنیة للحکومتین انتهاکات خطیرة لحقوق الإنسان فی شطری الوطن.
ففی قطاع غزة نفذت الاجهزة الأمنیة والمسلحین التابعین لحرکة "حماس" حملات اعتقال سیاسی غیر قانونیة طالت المئات، وقامت بحجز وتعذیب المعتقلین، والاعتداء بالضرب الشدید والمبرح على بعضهم، ومنهم قیادات، والاعتداء على مؤسسات المجتمع المدنی، ومصادرتها ومحتویاتها، وکذلک المقرات الحزبیة التابعة لحرکة "فتح".
ما جرى على شاطئ مدینة غزة من تفجیر إجرامی راح ضحیته خمسة من کتائب القسام وطفلة ما یزال یثیر الرعب فی صفوف الفلسطینیین، وما تلاه من عملیات قمعیة لحرکة "فتح" أثار الخوف والقلق على الحقوق والحریات العامة.
الصورة لم تکتمل بعد، بل یجب أن یکون المشهد مکتملاً ومعبراً عن الحال السیئة للفلسطینیین، حرکة "فتح" والأجهزة الأمنیة التابعة لها فی الضفة الغربیة یجب أن تکمل الصورة، فتشن حملة اعتقالات واسعة فی الضفة الغربیة طالت عدداً کبیراً من قیادة حرکة "حماس" وأنصارها، وبعض أساتذة الجامعات والکتاب والصحافیین، وما یزال عدد منهم قید الاعتقال من دون أی إجراءات قانونیة، وقام بعض المسلحین باختطاف القیادی فی "حماس" د. محمد غزال، والتهدید بقتله إن لم تفرج الاجهزة الأمنیة التابعة فی غزة عن القیادة السیاسیة لحرکة "فتح".
ما یجری على الأرض الفلسطینیة خطیر لیس على المستوى السیاسی، بل على المستوى الأخلاقی والاجتماعی، وعملیة الفرز والاصطفاف الواضح فی صفوف الفلسطینیین کل خلف الحزب أو الانتماء الفصائلی والعشائری على حساب القضیة الوطنیة والمهنیة والأخلاقیة تجری بوتیرة عالیة.
بإسم التنظیم یختبئ بعض المشتبه بهم والمطلوبین للعدالة، وباسم العدالة وتطبیق القانون یُقتل الإنسان فی بیته.
قتل 13 فلسطینیاً فی ساعات قلیلة لا یحرک مشاعر الفلسطینیین، الذین أصابهم الاستسلام والدهشة مما یجری، لا حراک سوى التحریض وتبریر القتل والتشرید والهروب الجماعی فی عملیات مفتعلة یدفع کل طرف الأخر لارتکاب الأخطاء والخطایا.
المشهد لم ینته بعد، یصر أولئک أن یکون الوطن مقسماً، ویریدون إدارة معارکهم بغیرهم من الفلسطینیین الأبریاء، ویطالبون غیرهم بان یکونوا فی المقدمة للدفاع عنهم، لیس حباً فی إعادة غزة إلى حضن "الشرعیة"، کما یدعون بل لهزیمة "حماس".
لم یترکوا شیئاً إلا وهاجموه، فصائل العمل الوطنی والإسلامی لم تسلم من انتقادهم وتشویههم، ترکوا المجال لبعض المواقع الصحافیة الالکترونیة الصفراء لتشوه الکل الفلسطینی، هاجموا مؤسسات المجتمع المدنی التی تدفع الثمن یومیا للدفاع عن الحقوق والحریات العامة، لم تسلم منهم مؤسسات حقوق الإنسان والعاملون فیها والمسؤولون عنها، ووجهوا الشتائم والسب لها من دون معرفة طبیعة عملها والدور الذی تقوم به فی الدفاع عن الحقوق والحریات العامة أولاً وعناصر "فتح" ثانیاً.
وأطلقوا العنان لبعض المواقع الالکترونیة الصفراء لمهاجمة الشرفاء العاملین فی مجال حقوق الإنسان فی قطاع غزة فی طریقة من الإسفاف والسخافة، والانحطاط الخلقی فی دلیل على تفکیر فاسد ومشوه الغرض منه تشویه کل شیء لدى الفلسطینیین.
العاملون فی مؤسسات حقوق الإنسان لیسوا أنبیاء، هم بشر یخطئون، لکن لیست لدیهم حسابات سیاسیة، أو أجندات، أو أغراض شخصیة، ما جرى وما یزال یجری فی قطاع غزة یثیر الخوف والقلق والرعب، لکن مؤسسات حقوق الإنسان، ومعها مؤسسات المجتمع المدنی التی بقیت على قید الحیاة، لم تتوقف لحظة فی التعبیر عن مواقفها ورفع الصوت عالیاً، فی فضح الانتهاکات من اعتقال تعسفی وتعذیب، وباقی أشکال الاعتداء على حقوق الفلسطینیین، خصوصاً ما جرى لحرکة "فتح" وأعضائها، فهو مقیت ویثیر الغضب والحزن، ویعمل على هدم الأسس والمقومات الاجتماعیة والوطنیة والأخلاقیة لدى الفلسطینیین.
ما یجری فی ضفتی الوطن یضرب ما تبقى من مقومات الأخلاق و الصمود لدى لفلسطینیین، فی غزة یتم تکرار الاعتداءات على "فتح" بذریعة تفجیر الشاطئ، وفی رام الله یعمل بعضهم على العودة إلى غزة بأی ثمن، من دون الأخذ فی الاعتبار عدم المس بسمعة الفلسطینیین الشرفاء، الذین یدفعون الثمن کباقی أبناء شعبهم، فماذا تبقى لهؤلاء کی یفعلوا ما لم یفعلوه بعد؟!.
( بقلم الکاتب و الباحث الفلسطینی مصطفى ابراهیم )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS