الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

مصداقیة أوباما العربیة تغرق فی بحر غزة

یوم السابع من یونیو/ حزیران یکون قد مر عام وبضعة أیام على الخطاب الذی ألقاه الرئیس الأمیرکی باراک أوباما فی القاهرة الذی استهله بالتحیة الإسلامیة المعروفة: "السلام علیکم"، وباللغة العربیة، فی رمزیة أراد منها أن تکون رسالة أمیرکیة مفادها أن صفحة جدیدة فی العلاقات بین بلاده وبین العرب والمسلمین قد انفتحت، أو کان یریدها أن تنفتح، مما أشاع فی الأوساط العربیة الرسمیة بخاصة تفاؤلا بحدوث "تغییر" مرتقب کرر أوباما الوعد به فی السیاسة الخارجیة الأمیرکیة التقلیدیة فی الوطن العربی ومحیطه الإسلامی.
غیر أن موقف إدارته من القرصنة العسکریة الإسرائیلیة فی المیاه الدولیة للبحر الأبیض المتوسط ضد سفن مدنیة تقل مدنیین یقومون بمهمة إنسانیة لکسر الحصار غیر الإنسانی المفروض على قطاع غزة قد حول أیة آمال عربیة "رسمیة" فی وعده بـ"السلام" الذی استهل به خطابه ذاک إلى مجرد سراب خادع، وهی على کل حال آمال لم تلامس للحظة نبض الشارع العربی الذی لم یقتنع بأن الدولة الأمیرکیة التی تحتل العراق وتفرض عقوبات على غیره من الأقطار الشقیقة یمکنها أن تکون مؤهلة لإحلال سلام عادل ینهی احتلال دولة هی الحلیف الإقلیمی الأول لأمیرکا، مما أغرق أی مصداقیة متبقیة لأوباما فی بحر غزة.
فقد أکد هذا الموقف أن أوباما لا یختلف عن أسلافه فی إصراره على إزدواجیة المعاییر والانحیاز الأعمى إلى الاحتلال ودولته لکی تظل دولة فوق القانون تعوم فوق المیاه الدولیة والإقلیمیة للمنطقة وتحوم فی أجوائها وتعربد فی برها دون رادع بفضل دعم القوة العظمى الأمیرکیة لها فقط، بحیث یکاد یکون من المستحیل على الرأی العام العربی منح واشنطن حتى میزة الشک فی أن الولایات المتحدة لیست شریکا کاملا لدولة الاحتلال الإسرائیلی فی کل ما تفعله، مما یعطی صدقیة فی المقابل لما قاله القائد اللیبی معمر القذافی لأوباما فی برقیته له الاثنین قبل الماضی من أن "وزر هذه الجریمة البشعة لا یتحملها الإسرائیلیون بل تتحملها أمیرکا ودافعو الضرائب فیها".
لذلک لم یجد دوری غولد، سفیر دولة الاحتلال الإسرائیلی الأسبق لدى الأمم المتحدة والمستشار السیاسی لرئیس وزرائها الحالی بنیامین نتنیاهو والأسبق آرییل شارون أی حرج فی أن یسوغ جریمة أسطول الحریة لغزة بقوله: "إن ما فعلناه هو ما تفعله الولایات المتحدة"، مستشهدا بالحصار الأمیرکی المتواصل على کوبا وبالتصنیف الأمیرکی لحرکة المقاومة الفلسطینیة "حماس" کمنظمة "إرهابیة".
ومثل غولد فعلت وزارة خارجیة دولة الاحتلال التی وزعت بیانا آخر الشهر الماضی اعتبرت فیه فرض الحصار البحری أمرا "مشروعا" وإجراء واردا فی کتیبات سلاح البحریة الأمیرکی مثل "دلیل القائد الأمیرکی حول قانون العملیت البحریة" "US Commander's Handbook " الذی یسمح باعتراض أی مرکب معاد "منذ إقلاع المرکب من مینائه"، وذلک فی معرض تسویغ الوزارة للمجزرة من الناحیة القانونیة، استنادا إلى أن دولة الاحتلال قد أعلنت قطاع غزة "کیانا معادیا" وأنها أعلنت أنها فی "صراع مسلح" معه، وأنها نتیجة لذلک أعلنت ایضا فرض الحصار علیه.
ومع أن المجال لا یتسع هنا لدحض هذه "الادعاءات القانونیة" فإنه یمکن الاکتفاء باقتباس من البروفسور فی کلیة هاستینغز للحقوق بجامعة کالیفورنیا جورج بشارات: "لا یمکن لدولة أن تکون فی صراع مسلح مع حکومة فی منطقة تکون هذه الدولة قائمة بالاحتلال فیها".
إن استشهاد دولة الاحتلال الإسرائیلی بالسوابق والتعلیمات العسکریة الأمیرکیة لتسویغ قرصنتها یسلط الأضواء على سبب آخر یفسر الموقف الأمیرکی المعلن من هذه القرصنة تحاول واشنطن أن تخفیه، وهو أن واشنطن التی تستنکف حتى الآن عن إدانة القرصنة الإسرائیلیة لا تستطیع إدانة انتهاک للقانون الدولی والإنسانی ترتکبه دولة أخرى وهی نفسها متورطة حالیا وتاریخیا فی انتهاکات مماثلة.
ومما لا شک فیه أن هذا الموقف الأمیرکی یشجع دولة الاحتلال على تکرار قرصنتها وانتهاکاتها القانونیة حد أن تتجرأ حتى على حقوق المواطنین الأمیرکیین المدنیة داخل الولایات المتحدة نفسها. فعلى سبیل المثال، کتب "مرکز إسرائیل للقانون" "Israel Law Center" للمدعی العام الأمیرکی فی ولایة کالیفورنیا یتهم "حرکة التضامن الدولیة" مع الشعب الفلسطینی "ISM"، التی کانت المواطنة الأمیرکیة التی داستها جرافة إسرائیلیة حتى الموت فی غزة راشیل کوری إحدى ناشطاتها، بانها "تتآمر" لانتهاک القانون الأمیرکی فی الولایة وطالب بمقاضاتها لأنها تجمع الأموال لشراء سفینتین للمساعدة فی کسر الحصار على قطاع غزة، مع أن "مرکز کارتر" الذی یرأسه الرئیس الأمیرکی الأسبق جیمی کارتر یساعد فی هذا الجهد.
وسوف یظل الرأی العام العربی یتساءل عن السر الذی یجعل الحکومات الأمیرکیة المتعاقبة تحابی دولة الاحتلال الإسرائیلی حتى على حساب مواطنیها أنفسهم، فقد أثبتت حالات من التاریخ القریب منذ الإنذار الذی وجهه الرئیس الأمیرکی الأسبق دوایت أیزنهاور لقوات الاحتلال الإسرائیلی بالانسحاب من شبه جزیرة سیناء المصریة أواسط الخمسینات من القرن الماضی أن قوة جماعات الضغط الیهودیة والصهیونیة الأمیرکیة لها حدود فی صنع القرار الأمیرکی، وبالتالی فإن هذا السبب لم یعد مقنعا لوحده لتفسیر الانحیاز الأمیرکی ضد العرب، ولا بد أن هناک أسبابا أمیرکیة خالصة لاستمرار واشنطن فی الاعتماد على دولة الاحتلال الإسرائیلی کقاعدة أمیرکیة متقدمة لحمایة الأطماع الامبریالیة للولایات المتحدة فی الوطن العربی.
وفی هذا السیاق لا بد من استذکار حدث هام وقع فی الثامن من مثل هذا الشهر عام 1967 فی الیوم الرابع للعدوان الإسرائیلی على الدول العربیة المجاورة لما لهذا من دلالات تاریخیة وسیاسیة تفسر الموقف الأمیرکی الحالی من القرصنة الإسرائیلیة الجدیدة، فالإدارة الأمیرکیة التی لا تهتم بمواطنیها أنفسهم إذا کان الأمر یتعلق بدولة الاحتلال الإسرائیلی لا یمکنها أن تهتم بضحایاهذه الدولة من العرب أو المسلمین. فالمصالح الحیویة الأمیرکیة التی تخدمها هذه القاعدة مسوغ کاف لضمان أمنها و"دمجها" سلما أم حربا فی المنطقة حتى لو کان الثمن الأرواح الأمیرکیة نفسها.
ففی ذلک الیوم هاجمت قوات جویة وبحریة إسرائیلیة سفینة التجسس الأمیرکیة "یو إس إس لیبرتی" فی المیاه الدولیة للبحر الأبیض المتوسط التی کانت تراقب مجریات الحرب الإسرائیلیة على العرب منها، فقتلت أکثر من نصف "294" من المارینز على متنها، وما زال الناجون حتى الآن یبحثون عن العدل وقد ألفوا فی ما بینهم "جمعیة الناجین من لیبرتی" التی قدمت فی التاریخ نفسه عام 2005 تقریرا إلى الحکومة الأمیرکیة عن الحادث طالبها بالتحقیق. وکانت لجنة مستقلة فی سنة 2003 قد خلصت إلى القول فی تقریرها إن "إسرائیل شنت هجوما جویا وبحریا لمدة ساعتین على یو إس إس لیبرتی... وعادت زوارق الطوربید الإسرائیلی بعد ذلک لتهاجم بالرشاشات من مسافة قریبة ثلاثة من طوافات النجاة التی أنزلها الناجون من لیبرتی إلى الماء لانقاذ المصابین بالجراح الأخطر... وکان الهجوم الإسرائیلی محاولة مدروسة لتدمیر سفینة امیرکیة وقتل کل طاقمها".
وقال جو میدورز أحد الناجین: "کان أکثر شیء محبط هو غیاب ای رد فعل من الحکومة الأمیرکیة". وعلق رای ماکفرن احد کبار محللی السی آی إیه فی عهود سبع رؤساء أمیرکیین کان آخرهم جورج دبلیو. بوش قائلا إن حقیقة أن البحریة الأمیرکیة والکونغرس والسلطة التنفیذیة لم یکتفوا فقط بمنع الناجین من التحدث علنا بل قاموا أیضا بتحقیقات صوریة من "أجل عدم إحراج صدیقننا إسرائیل" مما یثبت ما هو الخطأ فی علاقات الولایات المتحدة معها.
قال أوباما فی خطاب تسلمه لجائزة نوبل للسلام "إن أفعالنا لها أهمیة، ویمکنها أن تطوع التاریخ فی اتجاه العدالة". لکن الموقف الأمیرکی الذی یرفض إدانة القرصنة والمجزرة الإسرائیلیة ضد اسطول الحریة لغزة، لأن أوباما یعتبره إجراء تسوغه "مخاوف أمنیة مشروعه" ولأن نائبه جو بایدن یعتبر أن لدولة الاحتلال "الحق المطلق" فیه، ویرفض قیام الأمم المتحدة بالتحقیق فیها، ویمنع مجلس الأمن الدولی حتى من إصدار بیان رئاسی غیر ملزم بذلک، ویعارض قرار مجلس حقوق الإنسان بجنیف لإرسال لجنة لتقصی الحقائق، وهو ما فعلته کل دول العالم باستثناء دولة الاحتلال والحکومتان الأمیرکیة و"العراقیة" فی المنطقة الخضراء ببغداد. وقبل ذلک منعت إدارته "تقریر غولدستون" حول العدوان الإسرائیلی على غزة العام الماضی من الوصول إلى مجلس الأمن الدولی أو محکمة العدل الدولیة أو المحکمة الجنائیة الدولیة.
ومن یتابع بیانات الخارجیة الأمیرکیة والبیت البیض ونائب الرئیس جو بایدن وما قالته المندوبة الأمیرکیة فی مجلس الأمن الدولی قبل صدور البیان الرئاسی یکاد یجدها نسخة کربونیة من المسوغات الإسرائیلیة الرسمیة للمجزرة. وهذه أفعال تطوع التاریخ باتجاه الظلم والعدوان لیکون تاریخا أمیرکیا یفتقد العدالة، ومع ذلک یستمر الأمیرکیون فی التساؤل عن السبب فی العداء المتزاید لأمیرکا بین العرب والمسلمین.
وکما قال جیم سکویتو مذیع شبکة إیه بی سی الاثنین الماضی صبیحة المجزرة فإن الغضب الذی تفجر بینهم "یعرض للخطر علاقات أمیرکا مع العالم الإسلامی، والفکرة الشعبیة عن أمیرکا لها نتائج واقعیة على الجنود الأمیرکیین یزعزع التأیید الضعیف أصلا للعمل العسکری الأمیرکی فی أفغانستان وباکستان والعراق". أما تصریحات وزیرة الخارجیة هیلاری کلینتون فإن الرأی العام العربی لا یستطیع إلا مقارنتها بحملتها الدبلوماسیة الدولیة للتحریض على کوریا الشمالیة بعد إغراق سفینة حربیة کوریة جنوبیة لم تتأکد مسؤولیة بیونغیانغ عن إغراقها.
فی الأول من الشهر الجاری کتبت النیویورک تایمز فی افتتاحیة لها: "إن أوباما بحاجة إلى أن یعلن بوضوح بأن الهجوم الإسرائیلی کان غیر مقبول، وبحاجة لأن یدعم إجراء تحقیق دولی غیر منحاز. کما یجب على الولایات المتحدة أن تنضم إلى الأعضاء الدائمین الآخرین فی مجلس أمن الأمم المتحدة- بریطانیا وفرنسا وروسیا والصین- فی حث إسرائیل على رفع الحصار بصفة دائمة". ف"الولایات المتحدة لا یمکنها أن تستمر فی دعم إسرائیل عندما تکون قد ارتکبت جریمة لأنها فقط حلیفتها" کما قال رئیس الوزراء المالیزی السابق مهاتیر محمد.
لکن هذه النداءات ومثیلاتها لا تلقى سوى آذانا أمیرکیة صماء لسبب بسیط واحد هو ما فعلته وتفعله وستفعله دولة الاحتلال الإسرائیلی اقتداء بما تفعله الولایات المتحدة نفسها "لن یکون له أی تأثیر کبیر" على العلاقات الأمیرکیة- العربیة والإسلامیة کما قال السکرتیر الصحفی للبیت الأبیض روبرت جیبس تعلیقا على الهجوم الإسرائیلی على أسطول الحریة لغزة، وبالتالی فإن الرسالة التی نقلتها الإدارة الأمیرکیة "عبر قنوات متعددة" قبل الهجوم کانت تحذر فقط بضرورة توخی إسرائیل "الحذر وضبط النفس" فی هجومها العسکری على الأسطول المدنی، أما بعد الهجوم فقد انصب اهتمام إدارة أوباما على کیفیة "احتواء المضاعفات الدبلوماسیة" للهجوم فی الیوم التالی لوقوعه فی اجتماعات استغرقت أکثر من أربع ساعات فی البیت البیض نفسه مع مستشار الأمن الوطنی الإسرائیلی عوزی آراد وسفیر دولة الاحتلال فی واشنطن مایکل أورین على ذمة الواشنطن بوست.
إن تبنی واشنطن للمسوغات الإسرائیلیة لفرض الحصار على غزة لأن فی القطاع "کیانا معادیا فی حالة حرب" مع دولة الاحتلال الإسرائیلی هو موقف یمکن أن ینسحب على معظم الدول العربیة التی یعتبرها الحلیفان کیانات معادیة فی حالة حرب مع دولة الاحتلال، من الناحیة النظریة فی الأقل، وربما هنا فقط یکمن السبب فی عدم فرض الحصار علیها بدورها حتى الآن.
*بقلم نقولا ناصر
ن/25


| رمز الموضوع: 141378







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)