الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الحدیث عن المفاوضات والعراق .. والحدث مع إیران!

 

 

الحدیث عن المفاوضات والعراق .. والحدث مع إیران!

 

کتب صبحی غندور مدیر مرکز الحوار العربی فی واشنطن فی تعلیق إستلمته وکالة قدسنا :

 

 حدثان مهمان للإدارة الأمیرکیة ولمنطقة الشرق الأوسط تزامنا معاً. الحدث الأوّل هو إعلان واشنطن عن انتهاء العملیات القتالیة لقواتها فی العراق وتخفیض عدد القوات هناک. والثانی، هو استضافة واشنطن لقمّة خاصة ترعى استئناف المفاوضات الفلسطینیة/الإسرائیلیة. الرئیس باراک أوباما یعتبر الأمرین بمثابة تنفیذ لوعوده بشأن العراق وعملیة السلام فی الشرق الأوسط، وسیسعى طبعاً لتوظیف الحدثین فی الانتخابات الأمیرکیة النصفیة القادمة مطلع شهر نوفمبر. لکن هل یمکن فعلاً اعتبار الحدثین نصراً للسیاسة الأمیرکیة أو تصحیحاً، فی الحدّ الأدنى، لمسار هذه السیاسة بعد سنواتٍ عجاف من الإدارة البوشیة السابقة؟!

إدارة أوباما تدرک أنّ استئناف المفاوضات الفلسطینیة/الإسرائیلیة لیس هو إلاّ مضیعة للوقت حالیاً فی ظلّ حکومة إسرائیلیة قائمة على رفض الاتفاقات السابقة مع الفلسطینیین، وعلى الإصرار على مواصلة الاستیطان، ولا ترید أصلاً حلّ القضایا الکبرى مع الطرف الفلسطینی رغم التنازلات الکبیرة التی قدّمتها قیادة "منظمة التحریر" منذ اتفاق أوسلو وحتّى الآن. وکم کان مخزیاً هذا الموقف الأمیرکی الذی أعطى للسلطة الفلسطینیة حلاوة بیان "اللجنة الرباعیة" بینما کانت الدعوة لقمّة واشنطن مبنیّة فقط على صیغةٍ إسرائیلیة أعلنتها الوزیرة هیلاری کلینتون، بحیث تقول "السلطة" أنّها شارکت على أساس بیان "الرباعیة" لحفظ ماء وجهها أمام الشعب الفلسطینی.

فلماذا إذن هذا الإصرار الأمیرکی على بدء المفاوضات الآن رغم عدم نضوج ظروفها بعد؟!

وما هو الجدید لدى إدارة أوباما بشأن مشاریع التسویة السلمیة فی "الشرق الأوسط" إذا کانت مضامین الموقف الأمیرکی للإدارات السابقة تتکرّر مع الإدارة الحالیة والتی تراجعت عن شرطها بوقف الاستیطان أولاً ولا تمارس أیَّ ضغطٍ فعّال على إسرائیل؟!

لیس فی الأفق الزمنی، الذی أعلنته الوزیرة کلینتون لهذه المفاوضات (سنة من الآن)، من إمکانیة للاتفاق حول القضایا النهائیة المرتبطة بحدود الدولة الفلسطینیة، وبالقدس وبمصیر اللاجئین والمستوطنات. وقد تجمدّت أیضاً المفاوضات غیر المباشرة بین إسرائیل وسوریا. فهل المراهنة الأمیرکیة هی على فکرة المؤتمر الدولی؟!. 

هناک مدخل واحد لولوج باب فکرة المؤتمر الدولی، هو مدخل ترتیب "البیت الفلسطینی" وتأمین "شرعیة فلسطینیة" لأی وفد فلسطینی مفاوض. وسیکون تحقیق هذا الهدف مقترناً لاحقاً (من خلال المؤتمر) بخطواتٍ سیاسیة واقتصادیة وتأمین مساعدات عاجلة للفلسطینیین، وإنهاء حصار غزّة، بحیث تکون هذه "المکاسب الفلسطینیة" سبباً أیضاً لمطالبة کلّ العرب وغیر العرب بإنهاء أیّ دعمٍ سیاسی أو مالی لمن یرغبون باستمرار المقاومة المسلّحة ضدَّ إسرائیل.

لکن ترتیب "البیت الفلسطینی" لم یعد مسألة "فلسطینیة داخلیة" فقط، بل أصبح الأمر مرتبطاً بمدى التسویات الإقلیمیة عموماً، إن کان لجهة الجبهتین السوریة واللبنانیة مع إسرائیل، أو تسویة "الملف الإیرانی" مع واشنطن من جهةٍ أخرى. أیضاً لا یمکن فصل "الوضع الفلسطینی الداخلی" عن الخلاف المصری/السوری والمصری/الإیرانی، وعن الموقف الأمیرکی الرافض حتّى الآن التعامل مع "حرکة حماس" التی تقود حکومتها قطاع غزّة والتی هی رمزٌ الآن للمقاومة الفلسطینیة المسلّحة.

إذن، هل یمکن تحقیق أی تقدّم فی المفاوضات الفلسطینیة/الإسرائیلیة قبل ترتیب "البیت الإقلیمی" وشؤونه وشجونه مع واشنطن؟! أشکّ بذلک، بل أعتقد أنَّ إدارة أوباما ترید حالیاً توظیف إعلان بدء التفاوض على المسار الفلسطینی/الإسرائیلی وإظهار "حسن العلاقات مع إسرائیل" وتبنّی "الشروط الإسرائیلیة"، لیس فقط فی الانتخابات الأمیرکیة القادمة بل أیضاً لمفاوضاتها القادمة مع إیران. فالرأی العام الأمیرکی المشحون أصلاً من "الجمهوریین" ومن الیمین الأمیرکی المتطرّف ضدَّ الرئیس أوباما وأصوله الأفریقیة والإسلامیة، لا یمکن أن یقبل حواراً إیجابیاً مع إیران فی ظلّ خلافٍ أمیرکی مع إسرائیل!!

وأعتقد أنّ ظروف التفاهم الأمیرکی/الغربی مع إیران قد نضجت الآن بشأن "الملف النووی الإیرانی" حیث کان بدء العمل فی محطة بوشهر، وردود الفعل الغربیة الإیجابیة، هو دلالة على ذلک. وستظهر مؤشّرات ودلالات أخرى إیجابیة فی شهر سبتمبر من خلال محادثات جنیف المرتقبة وما سیحدث من لقاءات على هامش اجتماعات دورة الأمم المتحدة فی نیویورک.

أمَّا الشأن العراقی، فلا یختلف کثیراً عن ظروف "البیت الفلسطینی" وارتباط مصیر الحکومة العراقیة المرتقبة بالتفاهمات الإقلیمیة/الدولیة. وهنا أیضاً تظهر حاجة إدارة أوباما لتحقیق "تسویة" مع طهران تُسهّل "تسویات وحکومات" فی المنطقة، وتکون هی فعلاً "انتصارات سیاسیة خارجیة" للرئیس أوباما وإدارته قبل العام 2012، موعد الانتخابات الرئاسیة القادمة، کما تکون تنفیذاً عملیاً لما طالب به عدد کبیر من الخبراء والسیاسیین الأمیرکیین فی توصیات "بیکر-هاملتون" عام 2006 حیث جرى الفرز آنذاک بین "المصالح الأمیرکیة" التی عبّرت عنها التوصیات وبین "أجندة المحافظین الجدد" فی حکم إدارة بوش.

إنّ إدارة أوباما خضعت لضغوط داخلیة أمیرکیة کبیرة من أجل سیاسةٍ أکثر تصلّباً مع إیران، ومن أجل التراجع عن هدف التفاوض معها. وهذه الضغوط مصدرها مزیج من قوى الحزب الجمهوری المعارض، ومن التیّار الدینی المحافظ فی أمیرکا، ومن تأثیرات اللوبی الإسرائیلی المؤیّد لتوجّهات الحکومة الإسرائیلیة. وترافقت هذه الضغوط مع حملة إسرائیلیة لجعل الملف الإیرانی هو "الصراع البدیل" عن "الصراع العربی/الإسرائیلی"، ومع جهود "مخابراتیة إسرائیلیة" لإشعال فتن طائفیة ومذهبیة فی أکثر من بلدٍ عربی، فی ظلّ ضعف المناعة السائد فی الجسد العربی والذی یجعل هذا الجسم قابلاً لاستقبال حالات الأوبئة المتعددة المصادر، وأخطرها وباء الانقسام الطائفی والمذهبی.

إنّ التطورات القادمة فی المنطقة، والمراهنات الإسرائیلیة المستمرّة فیها على الصراعات الداخلیة العربیة ومع الجوار الإیرانی، تتطلّب کلها من الدول العربیة ومن إیران نزع کلّ الألغام السیاسیة والأمنیة التی زُرِعت بین الطرفین فی السنوات الماضیة وأوجدت حالةً من الحذر والخوف لدى الدول الصغیرة المجاورة لإیران، خاصّةً فی ظلّ تصریحات غیر مسؤولة أحیاناً، أو إصرار على عدم حلّ قضایا عالقة منذ حکم الشاه، کقضیة الجزر الإماراتیة المحتلة.

إنّ إیران ساهمت بلا أیّ شک فی تعزیز عناصر الصمود العربی المقاوم للاحتلال خلال السنوات الماضیة وفی إسقاط مشاریع "شرق أوسطی جدید"، وهی مطالبةٌ الآن بالمساهمة فی تعزیز علاقاتها الإیجابیة مع جوارها العربی، ففی ذلک مصلحةٌ عربیة وإیرانیة مشترکة، وتعزیزٌ للموقف الإیرانی المفاوض مع العالم کلّه.

ن/25


| رمز الموضوع: 141431







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)