الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

یهودیّة الدولة.. لماذا؟!

یهودیّة الدولة.. لماذا؟!

رشاد أبوشاور

 

لیست للفلسطینیین دولة ذات حدود، معترف بها فی الأمم المتحدة، ویبدو أن هذا الأمر لن یتحقق فی المدى المنظور، کدولة حقیقیّة..قابلة للحیاة، ولیس دولة فی غرفة الإنعاش، أشبه ما تکون بالأطفال الخدّج، الذین یولدون فی الشهر الثامن، فلا هم سبیعیّة أبناء سبعة أشهر، ولا هم أبناء تسعة أشهر کاملی الأعضاء والتکوین.

هناک من یرهق الأم الفلسطینیّة، یضربها على ظهرها وبطنها، بحجّة مساعدتها، ودعمها، بینما یخفی الرغبة فی تطریحها، بحیث یموت حلمها بجنین کامل الخلقة، قابل للنمو والحیاة، یکبر طبیعـــــیّا، من الرضــاعة إلى الفطام، إلى الحبو، إلى أوّل المشی على ساقین مرتعشین..إلى الثبات فی المشی من الطفولة إلى الفتوّة والشباب..والحیاة الغنیّة الآمنة الطبیعیّة.

لسنا دولة، وما أحوجنا لدعم ومساندة کل صاحب ضمیر نزیه لنبنی دولة من تراب وسیادة وعلم ونشید.

ولکن هذا لن یتحقق، کما أثبت ذلک مسار التسویة منذ بدأ فی مدرید علنا، فی احتفالات خطابیة، وسرّا فی أوسلو، ومن بعد فی حدیقة البیت الأبیض.

عندما تبادل الکیان الصهیونی ومن یمثّلون منظمة التحریر الفلسطینیّة الاعتراف الذی وقعه اسحق رابین وعرفات، کان اعتراف المنظمة بدولة الکیان الصهیونی.. مقابل الاعتراف بالمنظمة!

ومع مسیرة التسویة، وتفاقم فشلها فلسطینیّا، حیث لم تحقق للفلسطینیین سوى الخسائر، وضیاع الأرض، والقدس، وألوف الأسرى، والمیاه، وجفاف الحیاة اقتصادیا...تراجع وهم انتزاع دولة بالمفاوضات، وتکشّف کذب الراعی الأمریکی.

من الجانب الآخر، ازدادت شهیّة الکیان الصهیونی شراهةً، فحثّ الخطى فی تهوید القدس، وتشرید أهلها، وتغییر ملامحها، حتى بلغ به الأمر أن یکتسح بجرّافاته المقابر، وأضرحة الصحابة، ومن حرروا القدس منذ أیام الغزوات الصلیبیّة الأولى، حتى شهداء فلسطین زمن الانتداب، وفی الحرب مع العصابات الصهیونیّة.

هنا نتوقف لنسأل: من لا یحمون کرامة الأحیاء، هل یمکن أن یحموا کرامة موتاهم؟!

لعلّ السؤال الذی یلّح على عقول العرب والفلسطینیین: لماذا یلّح نتنیاهو على الفلسطینیین للاعتراف بالکیان الصهیونی (دولة) یهودیّة؟!

هل الکیان الصهیونی قلق على شرعیته ما دام الفلسطینیون لا یعترفون بیهودیة دولته؟!

هذا الکیان اعترف به الاتحاد السوفییتی، وأمریکا، وبریطانیا، وفرنسا، وتقیم معه دول عربیّة معاهدات سلام معلنة، وعلاقات غیر معلنة مفضوحة، ومع ذلک یضع بند الاعتراف به دولة للیهود فی أولویات مطالبه، وفی مواجهة مطالبة المفاوض الفلسطینی بإیقاف، أو حتى تمدید، فترة توقف الاستیطان مؤقتا، لثلاثة أشهر أُخرى، کما تقترح السیدة کلینتون وزیرة الخارجیة لأمریکیّة التی یبدو أنها منهمکة فی إحاطة المفاوضات بسطوتها على الطرف الفلسطینی لیعتدل أکثر ـ أی لینحنی أکثر ـ بحیث یکّف عن المطالبة بوقف الاستیطان، رغم أن الاستیطان لم یبق أرضا لدولة فلسطینیّة قابلة للحیاة، حتى ولو فی غرفة الإنعاش، اللهم سوى دوام عیش السلطة التی باتت بدیلاً لدولة باتت سرابا یتضح یومیا أنه لیس ماءً، وأن الموت الزؤام هو نهایة الرکض وراءه!

مطلب نتنیاهو من المفاوض الفلسطینی، رغم معرفته بأنه لا یمثّل الشعب الفلسطینی، یدلل على أنه یرى الفـــرصة سانحة تمـــــاما، ولم تتح من قبل، لتثبیت استسلام (فلسطینی) نهائی مع قیادة ضعیفة معزولة!

الاعتراف الفلسطینی بدولة یهودیة یعنی ما یلی:

أولاً: أن قیام دولة الصهاینة شرعی، وأنه حق تاریخی ودینی فی فلسطین. وأن الحرکة الصهیونیّة حرکة تحرر وطنی، وحربها عام 48 عادلة ضد العرب الفلسطینیین، وأن طرد العرب الفلسطینیین شرعی ومبرر، وأنه دفاع عن النفس، ولیس تطهیرا عرقیّا!

ثانیا: أن حق العودة لم یعد واردا، فالدولة هی دولة الیهود، وهکذا سیتم شطب القرار الدولی 194بمبارکة فلسطینیّة.

ثالثا: وجود الفلسطینیین فی فلسطین، تقرره دولة الیهود التی ستتضاعف الهجرة لها بعد هذا الاعتراف المُطمئن، و..لذا فالتضییق على الفلسطینیین والشروع فی التخلّص منهم على دفعات لن یکون محرجا، کونهم سینتقلون إلى (دولة) فلسطینیّة وهمیة ستکون بمثابة أمکنة استیعاب، ومحطة ترانسفیر، کونها لا حیاة لها، و..کونها تقوم على أرض هی (یهودیّة)، متنازل عنها مؤقتا، فدولة الیهود تقوم على أرض الیهود، بینما دولة الفلسطینیین تقام على أرض تمنح لهم کرما، وتنازلاً عن حقوق تاریخیّة ودینیّة یهودیة.

رابعا: هذا الاعتراف الفلسطینی سیریح کثیرا من الحکّام العرب، ویسهّل علیهم إقامة علاقات طبیعیّة مع دولة الیهود، فالعداء انتهى، وحالة الحرب انتهت، ودولة الیهود دولة جارة وصدیقة، والعداء سینتقل إلى حیث تلتقی المصالح مع مصلحة أمریکا والیهود!

خامسا: هذا الاعتراف سیبرئ بلفور صاحب الوعد، وبریطانیا المجرمة التی یجب أن تلاحقها التهمة الثابتة بتضییع فلسطین، وتشرید شعبها، وتهیئة الفرصة لنشوء هذا الکیان الإجرامی العنصری الاستعماری مع وظیفته التخریبیّة فی الوطن العربی.

سادسا: هذا الاعتراف، فی حال حصوله، یعنی أن المقاومة ستدان وتلاحق کعمل إرهابی یستهدف دولة معترف بها، ذات شرعیة، وهنا ستلتقی مصلحة دول عربیّة مع دولة الیهود الصدیقة المسالمة..فی مطاردة (الإرهاب)!.

بهذا الاعتراف یرید نتنیاهو أن ینهی القضیّة الفلسطینیّة تماما، ویحجز الفلسطینیین فی معازل ـ دولة وهمیة ـ ستضیق علیهم، وتضطرّهم للهجرة، ویدمر فلسطینیی الـ48، الذین رغم العزل والعزلة تحولوا إلى شوکة فی حلق کیان الاغتصاب، ویعیشونه فی قلق دائم بثباتهم، وتطوّر فعلهم السیاسی، ونموهم السکانی على أرض آبائهم وأجدادهم.

قد یسأل سائل: ولکن المفاوض الفلسطینی یرفض حتى الآن الاعتراف بیهودیة الدولة!

یرفض حتى الآن..ولکن: من یضمن؟!

یقول المثل: المقروص یخاف من جرّة الحبل!..ومن جماعة خیار التفاوض انقرصنا کثیرا!

أمریکا تضغط وتغری، والموقف الأمریکی فی افتتاح شرم الشیخ بلسان میتشل أشار بوضوح إلى یهودیة الدولة، وهو ما تکرر على لسان الوزیرة کلینتون.

المعارضة الفلسطینیّة حتى الآن (بعبعة) وشجب وإدانة وتحذیر وانتظار، ورهانات على الفشل، وبعض الرهانات تتمنّى أن یأتی الیوم الذی لا یبقى فیه بدیل سواها للتفاوض معه، ولیس بدیلاً مقاوما، والمقاومة لا تؤجّل، ولا تتوقّف مهما کانت المعوقات، ولأنه لا یمکن لربع مقاومة أن تحقق انتصارا!

نحن الفلسطینیین لا یجب أن نرکن إلى حتمیة فشل هذه المفاوضات، و..عدم اعتراف المفاوض الفلسطینی بیهودیة الدولة، فنتنیاهو، والطرف الأمریکی المنحاز دائما، وفی کل إدارة منذ ترومان حتى أوباما، لن تخذل الحلیف الصهیونی لمصلحة المفاوض الفلسطینی المهزوز الموقف، والخائف من ترکه فی العراء بعد أن اعتاد على إسعافه لیبقى على قید التفاوض!

رّد الفعل الفلسطینی حتى الآن ضعیف، لیس لأن الشعب الفلسطینی مستکین، ولکن لأنه بلا قیادة صادقة، تضع أمامه برنامج عمل، على الأرض، یجمع الداخل والشتات، لینتقل من بعد إلى فضاء الأمة العربیّة بملایینها التی ما عادت تحترم قیادات تتصارع على الوهم، بینما فلسطین تضیع!

فی هذا الصراع لا خیار سوى عروبة فلسطین، قلب الوطن العربی، وجسره الواصل بین جناحیه، وامتحان روح الأمّة، وقدرتها على نفض الخنوع، والمقاومة والنهوض لتجاوز کل أسباب الهزیمة والتخاذل.

فلسطین لا تحتمل ولا تقبل أن تکون ربع عربیّة، بحسب المساحة المقترحة. فلسطین واحدة، ومن یُقدم على الاعتراف بدولة یهودیة سیضع نفسه مع العدو فی موقع واحد.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141442







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)