الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل دولة جمیع فاشییها

 

إسرائیل دولة جمیع فاشییها

زهیر أندراوس

 

منذ إقامتها فی العام 1948 لم تکن إسرائیل دیمقراطیة، لقد کانت وما زالت دیمقرا طیة الأکثریة الیهودیة، أو الأکثریة الأوتوماتیکیة، کانت وما زالت الأداة الرئیسة لنهب الأراضی العربیّة فی فلسطین، لفرض الحقائق على أرض الواقع بهدف منع عودة اللاجئین الفلسطینیین، لممارسة القمع بجمیع أشکاله وأصنافه ضدّ عرب الـ48، ضدّ الفلسطینیین فی الأراضی المحتلة عام 1967، حیث أقامت هناک نظام عزلٍ عنصری، شوارع معبدة للیهود، وشوارع ترابیة للعرب، وبالتالی فإنّ طوفان القوانین العنصریة، الذی یعصف بالکنیست هو تحصیل حاصل، لمجتمعٍ عنصری یُقاد من قبل مجموعة یمینیة متطرفة تؤمن قولاً وفعلاً بأنّ الوصول إلى العزل العنصری، على کل ما یحمل فی طیاتّه من سلبیات، على الساحة الدولیة، یُحتّم التخلص من الدیمقراطیة البرلمانیة، أی إفراغ البرلمان الصهیونی من مهامه، وهذه الخطوة هی تأکید على أنّ الدیمقراطیة البرلمانیة المزعومة فی طریقها للاندثار.

الدیمقراطیة على المقاسات الصهیونیة، هی دیمقراطیة 'الأسیاد'، أی الأکثریة، الأکثریة الیهودیة داخل ما یُسمى بالخط الأخضر ودیکتاتوریة 'العبید'، أی العرب الذین یُشّکلون 20 بالمئة من سکانها، دیمقراطیة 'الشعب المختار' ودیکتاتوریة 'الأقلیة الدونیة'. وفی هذه العجالة، لا ضیر بالتذکیر بأنّ البیض فی أمریکا یزعمون بأنّهم الأکثریة، وبأنّ القرارات تتخذ بالأغلبیة. صحیح، أنّ البیض هم الأکثریة، ولکن هل هذه الحقیقة لا تُحتّم على دوائر صنع القرار تطویر هذا المفهوم بهدف منح الأقلیة حیزا معینا لأخذ دور فعّال فی صناعة القرار وتحدید طبیعة النظام، وبالتالی یمکن القول إنّه باسم الدیمقراطیة اللیبرالیة یتم سحق الحقوق الأساسیة لشرائح إثنیة معینة، وتُستغل الدیمقراطیة من أجل تکریس سیطرة الصهاینة فی إسرائیل على الأقلیة، کما هو حال أمریکا مع السود، الذین یتم التعامل معهم بحسب ذهنیة الکیان الاستعماری: تفوق العرق الأبیض على الآخرین.

اعتمادا على ما ذُکر، یجب قراءة قانون الولاء الذی بادر إلیه رئیس الوزراء الإسرائیلی بنیامین نتنیاهو، سالبا من الکنیست مهمته التشریعیة، 22 وزیرا من أصل ثلاثین، أیّدوا مشروع القانون الموجه أولاً ضدّ عرب الـ48، وبموجبه فإنّ کل إنسان غیر یهودی، یجب علیه تصریح الولاء لدولة إسرائیل کدولة یهودیة دیمقراطیة، أی أنّ المطلوب من کل إنسان یطالب بالجنسیة الإسرائیلیة أن یصرح بالولاء لیهودیة الدولة بدلاً من التصریح کما هو متعارف علیه فی معظم دول العالم، باحترام قوانین الدولة؛ والمعنى من هذا الأمر هو تصریح ولاء ایدیولوجی لیهودیة الدولة. وبرأینا فثمة تناقض صارخ فی النص (دولة إسرائیل یهودیة ودیمقراطیة)، فدولة یهودیة خالصة، أسست على أنقاض شعب آخر، وتتجلى العنصریة حتى فی تسمیتها بصفتها دولة الیهود؛ کیف تکون دولة دیمقراطیة یتمتع سکانها بالمساواة والعدالة؟

فالدولة التی تفرض ایدیولوجیة معینة على مواطنیها، رغم وجود مواطنین لیسوا یهودا ولا یحملون الفکر الیهودی، إنّما تمارس التطرف فکراً وواقعا، وهی أبعد ما تکون عن الدیمقراطیة الحقیقیة المبنیة على مبدأ المساواة الکاملة بین جمیع المواطنین، فالرموز الدینیة الیهودیة مثلا، لا یمکن بأی حال أن تمثل أبناء الأقلیات من غیر الیهود، ونرى أنّه من الأهمیة بمکان الإشارة إلى أنّه بعد مرور یومٍ واحدٍ على قرار الحکومة، أطّل وزیر الخارجیة أفیغدور لیبرمان، وصرح بأنّ کل شاب یبلغ سن 16 سنة علیه أن یصرح بالولاء للدولة الیهودیة، کشرط للحصول على الهویة الإسرائیلیة، وبالتالی فإنّه حتى الجولة القادمة من تعدیل هذا القانون العنصری، فإن أول المتضررین من القانون الیوم هم أبناء شعبنا الفلسطینی، الذین یطالبون بلمّ الشمل مع عائلاتهم فی الداخل الفلسطینی، وحسب القانون الجدید فإن من شروط لمّ الشمل الیوم هو تصریح الزوج أو الزوجة الفلسطینیین بالولاء لیهودیة الدولة، وفی حالة الرفض فسیکون المصیر تفریق شمل العائلة الواحدة.

علاوة على ذلک، تقول مؤسسة میزان لحقوق الإنسان فی فلسطین، إذا قام إنسان بالتصریح مرغما وتحت الضغط بالولاء لیهودیة الدولة فما مصیره المستقبلی؟ هل علیه أن (یلزم الراحة) یوم السبت (عطلة الیهود الرسمیة) وإن لم یلتزم فإنه معرض للمساءلة القانونیة، التی قد تصل حد سحب الجنسیة منه؟ کذلک الأمر بالنسبة لمن یرید الزواج بأجنبیة حتى لو لم تکن مسلمة، فإن من شروط تکوین أسرة والحصول على الجنسیة، أن تصرح الأجنبیة بولائها لیهودیة الدولة.

بناءً على ما تقدّم، ولأنّ القانون من أخطر القوانین، یتحتم على لجنة المتابعة العلیا لشؤون الجماهیر الفلسطینیة، وهی أعلى هیئة تمثیلیة للمجتمع الفلسطینی فی الداخل، الدعوة لاجتماع طارئ لاتخاذ قرارٍ یُلزم الجمیع، ویکون تاریخیا ومفصلیا، یُلزمنا، قبل أن یُلزم قادة إسرائیل ومن یقولون إنّهم قادة شعب فلسطین، ولا غضاضة بصیاغة وثیقة إعلان مبادئ تضع النقاط على الحروف وتًعلن بشکلٍ غیر قابل للتأویل أنّ أیّ اتفاق بین سلطة رام الله، أو سلطة، بفتح السین واللام، سلطة الإصرار على العار، والدولة العبریة، یتم فیه التنازل عن الثوابت الفلسطینیة، مرفوض جملة وتفصیلاً. فالعرب فی الداخل هم لیس سلعة للتفاوض بین سلطة تعتبرهم 'عرب إسرائیل' وبین إسرائیل، التی ترى فیهم قنبلة دیمغرافیة موقوتة.

خلاصة الکلام: عندما نرى إعلانا تجاریا على مواقع الإنترنت العبریة یقول بأنّ بائعات الهوى یرفضن استقبال غیر الیهود، فهذا یعنی أنّ الدعارة الوطنیة، إذا جاز التعبیر، هی الخطوة ما قبل الأخیرة التی تؤسس جدار الکره، وتُقیم سور الکراهیة، الکراهیة المتفشیة فی المجتمع الإسرائیلی، على معظم روافده، ضدّ کل ناطق بالضاد، وضدّ کل من یقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله. وحتى إذا سلّمنا بنقاط نیلسون الشهیرة بعد الحرب العالمیة الأولى، التی أُطلق علیها اسم الإمبریالیة التقدمیة، ونصت على تبنی الدبلوماسیة المفتوحة، الحریة الإعلامیة، حریة التجارة، خفض التسلح، تقریر المصیر وإنشاء عصبة الأمم، وما إلى ذلک، وحتى إذا وافقنا على تصریح أول رئیس للدولة العبریة حاییم فایتسمان، الذی قال إنّ امتحان إسرائیل المفصلی أمام العالم هو کیفیة تعاملها مع الأقلیات داخلها، حتى لو قبلنا کل ذلک، فلا یُمکن بأیّ حال من الأحوال اعتبار إسرائیل صنیعة الصهیونیة، دیمقراطیة، بل هی کیان استعماری، لأنّ الصهیونیة بصفتها حرکة استعماریة، لم تعمل ولا تقدر أن تعمل على تأسیس دیمقراطیة على أرضٍ مغتصبة. وبالتالی من المستحیل أن تصبح إسرائیل یوما ما دیمقراطیة، لأنّ ما سُمیت بالدیمقراطیة وُلدت میتة، ودأب حاکم تل أبیب منذ 62 عاما على تدمیر أی رمز یشیر إلى الدیمقراطیة، إنّها خرجت إلى النور میتة، وکائنا من کان على هذه البسیطة، لا یُمکنه إعادتها للحیاة، فکم بالحری عندما یکون أصحابها على قاب قوسین أو أدنى من الفاشیة. إسرائیل هی دولة جمیع مستوطنیها الیهود، جمیع عساکرها المجرمین، جمیع سیاسییها المتطرفین، وعندما ینتخب الإسرائیلیون بصورةٍ دیمقراطیة برلمانا أشد تطرفا منهم، وتنبثق عن هذا البرلمان حکومة تغالی فی تطرفها وعدوانیتها وعنصریتها، أی أنّ الشعب بات متطرفا أکثر من حکومته، والعکس صحیح، فإنّ الطریق باتت معبدة للإعلان عن إسرائیل بأنّها دولة جمیع فاشییها.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 141469







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)