الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

السلاح قبل الخبز أحیانا!!

  السلاح قبل الخبز أحیانا!!

 

زکریا شاهین

 

فی الوقت الذی یتسارع الرکود الاقتصادی فی الولایات المتحدة الأمریکیة وأوروبا بشکل عام، وتتفاقم المشاکل المجتمعیة مع ازدیاد الفقر والفقراء، وفی الوقت الذی ترتفع أرقام عدد الفقراء فی العالم، وتتداعى الدول الغنیة فی نفاق واضح لبحث مشکلة الفقر والفقراء، وفی الوقت الذی تعلن دول عدة اقترابها من حافة الإفلاس، وتبدأ بالاقتراض لسد فجوة الرمق الأخیر لاقتصادها؛ تعقد صفقات لشراء السلاح بملیارات الدولارات، خاصة فی المنطقة الأشد سخونة والتهابا فی العالم، ویتعالى الجدل، وتتعدد الأسئلة، لمن، ولماذا، ومتى یمکن استخدام هذا الکم الهائل من السلاح؟!

أرقام الفقر والفقراء فی الوطن العربی الکبیر، کبیرة ومرعبة، وأرقام البطالة کذلک أیضا، ورغم أن أسعار النفط فی تزاید، إلا أن هذه الأسعار لا تستخدم عادة فی تنمیة حقیقیة، وإنما یتم تدویرها لتعود بقدرة سیاسات اقتصادیة قاصرة إلى مصدرها الأصلی، فی أشکال متعددة تحت بند الاستثمار.

یقول الخبراء إن ما ینفق على شراء الأسلحة التی عادة لا تستخدم حتى بشروط، تکفی لأکثر من عشر میزانیات لتأسیس صناعة أسلحة حقیقیة تغنی عن طلب الأسلحة من الآخرین، لکن ذلک یبدو أنه ممنوع على العرب، والأسباب غیاب الإرادة لیس إلا!!

العرب والسلاح الأمریکی

من المعروف أن أضخم الصفقات عادة تتم مع شرکات السلاح فی الولایات المتحدة الأمریکیة، وقد کان آخرها الصفقة التی أثارت الضجة، وهی صفقة السلاح للعربیة السعودیة، التی لم تنجز إلا بعد أن اجتمع الکونغرس، وبعد وفود أمریکیة على أعلى المستویات، وصلت إلى تل أبیب لطمأنة الجانب الإسرائیلی، والأهم من ذلک بعد الموافقة على تزوید أسلحة هجومیة لإسرائیل، تتکون من أحدث طائرات "الشبح" الحربیة "إف- 35" وهی الأحدث فی الترسانة الأمریکیة، لا بل إن الإدارة الأمریکیة منحت الصناعات العسکریة الإسرائیلیة عقودا بأربعة ملیارات دولار لتزوید هذه الطائرة بقطع غیار، لیتجدد السباق التسلحی العربی غیر المجدی، ولتنتعش شرکات الصناعات العسکریة الأمریکیة ومن خلفها الصناعة العسکریة الإسرائیلیة.

الولایات المتحدة لم تمنح إسرائیل میزة التفوق الدائم والنوعی فی السلاح، وإنما تقوم بطمأنتها عادة بأن هذا السلاح مسیطر على استخدامه تماما، وأنه لن یستخدم ضد إسرائیل بالمطلق، وأن ضرورة إیصاله إلى المنطقة هو لمواجهة إیران على سبیل المثال، فیما سیستخدم السلاح الخفیف لحروب العرب الداخلیة التی أصبحت معلما یتکرر فی أکثر من دولة عربیة.

وإذا کان السلاح الذی یعتبر خفیفا قیاسا بتکنولوجیا السلاح الحدیثة یستخدم بالفعل داخلیا، فإن السلاح الأکثر تعقیدا، یتم التحکم به عبر الخبراء الذین یکونون عادة جزءا من صفقات السلاح، یتحکمون فی عمل السلاح وتقنیاته وصیانته، بل یقال إنهم یستطیعون تعطیله بواسطة أجهزة التحکم المرتبطة بالحواسیب التی تدیر هذا السلاح، والمرتبطة بدورها بغرف عملیات خاصة تتبع قواعد عسکریة فی المنطقة، هی حکرا على استخدام القوات الأمریکیة وخبرائها العسکریین.

التسلح والأمن الغذائی العربی

صفقات السلاح تسابق البحث عن حلول لتأمین ما یسمى بالأمن الغذائی للمواطن، وذلک بتأمین الدعم للغذاء والدواء والتعلیم وغیر ذلک من حاجات غیر متوفرة لدى المواطن الذی أصبح همه البحث عن الخبز، فیما تنفق الملیارات على السلاح، وأی سلاح، سلاح یمنع استخدامه إلا بشروط!! والمثال اللبنانی حاضر وقریب، إذ بعد المعرکة التی سمیت بمعرکة الشجرة فی جنوب لبنان، والتی تصدى فیها الجیش اللبنانی لقوات إسرائیلیة حاولت التوغل وقطع شجرة فی الأراضی اللبنانیة، أوقفت الولایات المتحدة تزوید الجیش اللبنانی بسلاح کانت قد وعدت به بعد انسحاب القوات السوریة من لبنان، رغم أنها أرسلت أسلحة إلى الجیش اللبنانی بقیمة 700 ملیون دولار على مدى عامین.

یکتب الأستاذ نقولا ناصر موضحا الطریقة التی تمت بها الموافقة على بیع الأسلحة للعربیة السعودیة بعد الاعتراض الإسرائیلی، فیقول:"الیوم یکرر التاریخ نفسه فی "أکبر صفقة لبیع أسلحة أمریکیة خارجیة" للعربیة السعودیة، فقد حرصت واشنطن على "طمأنة" تل أبیب بأن الصفقة الجدیدة لا تهدد أمن دولة الاحتلال بثلاث طرق رئیسیة، الأولى أوضحتها الوول ستریت جورنال فی الثامن من الشهر الجاری: فواشنطن قدمت لتل أبیب "توضیحات" عن الصفقة، لأن "المشارکة فی المعلومات مع إسرائیل هی جزء من التزام الإدارات الأمریکیة المتعاقبة منذ مدة طویلة بالحفاظ على تفوقها العسکری فی المنطقة"؛ أی أن تفاصیل التسلیح الأمریکی للعرب یتبرع بها البائع الأمریکی إلى عدوهم الرئیسی قبل تسلیم السلاح لهم، بینما هذه التفاصیل تعتبر من الأسرار العسکریة والوطنیة لأیة دولة.

الصحیفة نفسها أوضحت الطریقة الثانیة التی "طمأنت" واشنطن تل أبیب بوساطتها: فـ"فی تنازل لإسرائیل" کی توافق على صفقة طائرات أف- 15 التی تصنعها شرکة بوینغ الأمریکیة للسعودیة "لن یتم تجهیزها بأحدث أنظمة التسلح والطیران" المتاحة لسلاحی الطیران الأمریکی والإسرائیلی، أی أن التسلیح الأمریکی للعرب مشروط بالموافقة الإسرائیلیة علیه کمّا ونوعا.

أما الطریقة الأمریکیة الثالثة لـ"طمأنة" إسرائیل والحصول على موافقتها على صفقة أمریکیة مع طرف ثالث فی المنطقة فهی الرضوخ للابتزاز الإسرائیلی بتعویض دولة الاحتلال بسلاح جدید مقابل ما سیحصل علیه العرب یحافظ على تفوقها النوعی علیهم مجتمعین، وهکذا وافقت إدارة باراک أوباما على تزوید إسرائیل بأحدث ما فی الترسانة العسکریة الأمریکیة من سلاح".

على کل حال، لبنان لم یخضع للابتزاز الأمریکی، وأعلن أنه سیتسلح من عدید الجهات الجاهزة لتزوید جیشه بالسلاح، وهذا بحد ذاته، أی التنویع فی مصادر التسلح ، یحمی الدولة وسیاساتها من السقوط فی فخ التبعیة.

العرب یساهمون فی إنعاش الاقتصاد الأمریکی

ولمَ لا؟! فصفقات السلاح ضروریة للاقتصاد المتردی، ولشرکات السلاح التی عادة ما تفرض سیاساتها على الإدارة الحاکمة للذهاب إلى حروب هی المستفیدة منها اقتصادیا.

لقد بات ارتفاع نسبة مبیعات الولایات المتحدة الأمریکیة من الأسلحة مؤخراً إلى مختلف الدول العربیة، لا سیما دول الخلیج، موضع تحلیلات وجدل بهدف معرفة الأسباب التی تدفع بالقوة العسکریة الأولى فی العالم فی هذا الإتجاه.

تذکر صحیفة "فاینانشل تایمز" البریطانیة أن دول الخلیج العربیة تنوی شراء أسلحة أمریکیة تقدر قیمتها بـ123 ملیار دولار، وستکون حصة السعودیة منها 67 ملیارا. وکان موقع الأمن والدفاع العربی نشر، فی 18 آب/ أغسطس، أن الصفقة بین السعودیة وأمریکا تنص على تورید مقاتلات جدیدة من طراز "F- 15" مع محطات رادار رقمیة جدیدة، بالإضافة إلى صیانة الطائرات التی تستخدمها السعودیة، کما قد تشمل 130 مروحیة وقطع غیار إضافیة للطائرات الحربیة.

أما صحیفة "فویینو برومیشلینی کورییر" الروسیة، فلفتت الأنظار إلى الجوانب الاقتصادیة لصفقات الأسلحة الأمریکیة، معتبرة أن أکثر ما یحثّ الولایات المتحدة على بیع السلع العسکریة إلى الدول الأخرى، وبالأخص الدول العربیة الغنیة بالنفط، هو أن الولایات المتحدة تستورد من هذه الدول أکثر مما تصدره إلیها، لذا تسعى إلى سد الفجوة من خلال بیع المزید من السلع العسکریة. فعلى سبیل المثال، تستورد الولایات المتحدة کمیات ضخمة من النفط من السعودیة، فی حین لا یرید السعودیون ولا یستطیعون شراء سلع أمریکیة بهذه القیمة.

کما تسعى الولایات المتحدة إلى بیع الأسلحة إلى العراق مقابل النفط العراقی، والمطلوب توفیر مبررات لبیع أسلحة تقدر قیمتها بعشرات ملیارات الدولارات. کما توفر إیران الذریعة المطلوبة لصفقات الأسلحة الأمریکیة لبلدان الخلیج العربیة، أو بالأحرى توفرها الولایات المتحدة بنفسها من خلال تضخیم "الخطر الإیرانی".

والسلاح لیس لدول الخلیج الفارسی فقط!!

فقد بلغ رقم المعاملات العسکریة المغربیة الإسبانیة نحو 360 ملیارا، حیث یحافظ المغرب للسنة الثالثة على التوالی على مکانته کأهم مستورد للأسلحة الإسبانیة التی تتکون فی أغلب الأحیان من أنظمة دفاع ومدرعات.

وتؤکد الإحصاءات الرسمیة على مبیعات الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج وفق أحدث البیانات المنشورة رسمیا من قبل وزارة الصناعة والتجارة، أن إسبانیا قامت بتصدیر معدات دفاعیة إلى المغرب وصل مبلغها الإجمالی خلال السنوات الثلاث الماضیة إلى ما لا یقل عن 364 ملیار دولار، أغلبها قنابل یدویة ودبابات وشاحنات عسکریة ووسائل اتصال.

على کل حال، سبق وأن أصدر معهد استوکهولم الدولی لأبحاث السلام "سیبرى" تقریرا مهما أکد فیه على عدة حقائق على مستوى بیع وشراء الأسلحة، جاء فیه:

- الدول النامیة والفقیرة هی المستورد الأکبر للسلاح فی العالم.

- الدول الصناعیة الکبرى هی المورد الأکبر للسلاح فی العالم.

- الدول الدائمة العضویة فی مجلس الأمن الدولی الذی یفترض فیه أن یکون شرطی العالم وحافظ أمنه وسلامته هی فی الحقیقة المورد الأکبر للسلاح فی العالم!

- تجارة السلاح العالمیة لا تزال السبب الأکبر للفقر فی العالم لأن المبالغ التی تنفق على شراء السلاح عالمیا تستطیع القضاء على الفقر عالمیا فی غضون سنوات قلیلة.

- الدول المستوردة للسلاح تدفع ثمن مشتریاتها من الأسلحة من الأموال المتأتیة من تصدیر وبیع واستغلال ثرواتها الخام من بترول وغاز ومعادن وثروات طبیعیة أخرى.

یضیف التقریر: تواصل بعض الشرکات تسجیل زیادات هائلة فی مبیعات الأسلحة، ففی حین کانت توجد فی عام 1995 شرکة واحدة فقط تعدت مبیعاتها السنویة الملیار دولار، و11 شرکة أخرى تخطت مبیعاتها نسبة الـ3 بالمئة کان هناک فى سنة 2005، 6 شرکات فی الفئة الأولى و19 شرکة فی الفئة الثانیة، وکان معظم هذه الزیادات العالیة نتیجة حیازات جرت بین تلک الشرکات أکثر مما کانت نتیجة نمو عضوی لکل شرکة على حدة، أما الآن فتجارة السلاح بید مئات الشرکات ومنها شرکات للسمسرة، والتی عادة ما تتکون من مسؤولین فی الدول التی تشتری السلاح.

حقائق عربیة وإسرائیلیة!!

ثمة تعداد فارق بین العرب وإسرائیل وهو ما یؤکد بوضوح أن العرب یملکون جیوشا وأسلحة أکثر مما تملکه إسرائیل، لکن على الرغم من ذلک فقد اختار أغلب العرب منذ قمة القاهرة عام 1996 السلام کخیار إستراتیجی وحید لاسترجاع الحقوق العربیة من إسرائیل!، کذلک لم یخض العرب أی حرب جماعیة مع إسرائیل سوى مرتین الأولى فی عام 1948 والثانیة فی حرب أکتوبر عام 1973، لکن ذلک على أی حال لم یمنع الطرفین من مواصلة بناء ترساناتهم العسکریة.

تذکر الإحصاءات أیضا أن العالم العربی مجتمعا ینفق نحو 52 ملیار دولار سنویا على التسلح، فیما تذکر الإحصاءات أن إسرائیل تنفق وحدها نحو 9.5 ملیار دولار سنویا على التسلح. کما أن هنالک اختلافا جوهریا بین العرب وإسرائیل فی مسألة العتاد، وهو أن إسرائیل تصنع بنفسها أنواعا عدیدة من ترسانتها العسکریة، وتقوم أیضا ببیع السلاح، إذ تنتج سلسلة متنوعة من الأسلحة الخفیفة والثقیلة والأنظمة الإلکترونیة الدقیقة، ویوجد بها ما یقرب من 150 شرکة صناعة عسکریة تملک الحکومة أهمها، ومن بینها شرکة "IMI" التی تصنع الدبابة میرکافا، وشرکة "IAI" التی کانت تشرف على صناعات الطائرات ثم تحولت بعد توقف مشروع الطائرة "لیفی" إلى أنظمة الطائرات الإلکترونیة، وشرکة "رفاییل" لتطویر السلاح، ویوجد أکثر من 50 ألف عامل فی تلک الصناعة، کما بلغت مبیعاتها 3.6 ملیارات دولار أمریکی عام 2004. فیما لا توجد صناعات عسکریة عربیة حقیق ، أضف إلى ذلک أن الولایات المتحدة الأمریکیة تقوم بتخزین کمیات کبیرة من أسلحتها الخاصة داخل إسرائیل مع إعطائها الحق فی استخدامها فی ظروف محددة، کما حصلت إسرائیل على مساعدات عسکریة فی مجال الطیران والصواریخ البالستیة المضادة لصواریخ أرض أرض، وعلى قروض وضمانات عسکریة واقتصادیة.

الخلاصة:

لیست المسألة فی اقتناء السلاح وإنما فی استخدامه، وهذا ما هو ممنوع على العرب فیما لو ظلوا یتسلحون بشروط المصدر، دون التفکیر بتنویع مصادر السلاح أو التفکیر جدیا بالتصنیع العسکری الحقیقی. وإذا کان السلاح قد أصبح الأولویة قبل الخبز لیس أحیانا وإنما دوما، فماذا عن المواطن والوطن؟.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141471







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)