الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

حقیقة العدو الصهیونی

  حقیقة العدو الصهیونی

 

فایز رشید

 

منذ زمن هانیبال الذی قال الجملة الشهیرة: "اعرف عدوک"، مروراً بالقائد العسکری الصینی سان تزو الذی عبّر عن هذه الجملة بأخرى تشبهها مضموناً: "لا یمکنک کسب معرکة من دون معرفة حقیقة عدوک"، وصولاً إلى زمننا الراهن، فإن الصراع مع العدو یستلزم بالضرورة معرفة کافة مناحی حیاته ووجوده.

فهذه المعرفة هی الخطوة الأولى فی مجابهته، وهی اللازمة لرسم التکتیکات والاستراتیجیة السیاسیة من أجل الانتصار علیه، فما بالک فی المعارک العسکریة معه؟. إن کثیرین منا، ولا سیما من مسؤولینا فی الأمة العربیة، وعلى الأخص فی السلطة الفلسطینیة، لا یعرفون حقیقة "إسرائیل" باعتبارها امتداداً للحرکة الصهیونیة وتعبیراً مادیاً عنها. لا یعرفون أو هم یعرفون ویتناسون هذه الحقیقة، ولو عرفوا حقیقة "إسرائیل" وأدرکوا جوهر الصهیونیة لما جرى طرح ما تسمى بـ"مبادرة السلام العربیة"، ولا جرى توقیع اتفاقیات أوسلو ولا أجریت المفاوضات مع "إسرائیل".

مناسبة القول هذا الاستغراب الکبیر فی العالم العربی من الهدف الصهیونی بتحویل "إسرائیل" إلى "دولة یهودیة" وقد اشترط نتنیاهو اعترافاً فلسطینیاً بذلک من أجل تمدید ما یسمى بـ"تجمید الاستیطان" فترة 60 یوماً فقط، بالطبع ذلک لا یشمل القدس وأجوارها، مع أن الفترة الأولى من التجمید التی امتدّت عشرة أشهر کانت کذبة کبرى، فوفقاً لمنظمة "بیتسیلیم" فإن الاستیطان کان یجری على قدم وساق أثناء العشرة شهور، ولدى المنظمة کافة الأرقام والمعلومات عن البناء وتوسیع المستوطنات فی تلک الفترة.

نستغرب إصرار "إسرائیل" على یهودیة الدولة، رغم أن قرار المؤتمر الصهیونی الأول فی بازل "سویسرا عام 1897" قرّر إنشاء دولة یهودیة فی فلسطین، ومع أن وعد بلفور الذی تحل ذکراه بعد أقل من شهر نص على إنشاء دولة للیهود "أی دولة یهودیة فی فلسطین". کذلک، نستغرب اقتراح لیبرمان إجراء تبادل سکانی مع الضفة الغربیة، فی الوقت الذی سوّغت وسوّقت فیه الحرکة الصهیونیة إحدى أهم مقولاتها، وهی: أن فلسطین أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ونتناسى أن "إسرائیل" قامت قبل إنشائها وفی بدایته بأکبر عملیة تطهیر عرقی جرت فی التاریخ، وأوسع عملیة اقتلاع لشعبٍ من أرضه وتهجیره إلى الخارج، بهدف یهودیة "إسرائیل" النقیّة.

بعض المسؤولین استطاعوا تسویق أطروحاتهم للسلام مع "إسرائیل"، بین قطاعات جماهیریة فلسطینیة وعربیة، أصبحت تؤمن فی صمیمها بإمکانیة قیام سلام مع "إسرائیل". هذه لا تدرک جوهر العدو، کما أنها تتجاهل حقائق التاریخ. جوهر العدو فی أنه عدو اقتلاعی، عنصری، شوفینی، عدوانی، توراتی یستند إلى الأساطیر التضلیلیة، وکل هذه تشکل سمات رئیسیة فیه. وحقائق التاریخ، أنه وکما أثبتت الوقائع القدیمة والحدیثة فی تجارب حرکات التحرر الوطنی فی آسیا وإفریقیا وأمریکا اللاتینیة، أنه ما من مغتصِب، مستعمر، محتل لإرادة شعب عاد عن اغتصابه وفک استعماره لشعب آخر من دون تحقیق موازین قوى بین الطرفین تُجبره على الاعتراف بحقوق الشعب المحتلة أرضه والمصادرة حریة شعبه، وهذه لن تتأتى إلا بالکفاح الشعبی المسلح، وبالمقاومة بکافة أشکالها ووسائلها وسبلها، وتحویل عملیة الاحتلال برمتها إلى مشروع خاسر دیموغرافیاً واقتصادیاً للطرف المعتدی.

أما المفاوضات مع العدو فهی جائزة بالطبع فی مرحلة متقدمة من مرحلة التحرر الوطنی قبیل الانتصار، شریطة استنادها إلى ما یجری على الأرض من وقائع عملیة لصالح حرکة التحرر الوطنی المعنیة، والتی تسهم فی قطف انتصارات المعارک العسکریة لصالح المفاوضات السیاسیة التی تجریها مع العدو.

ما قلناه یصلح فی حالة الاستعمار بشکله المعروف، من قبل دولة لدولة أخرى بالطبع، فکیف به فی الحالة الفلسطینیة والعربیة أیضاً فی الصراع مع "إسرائیل"؟ إن الکفاح والحالة هذه بحاجة إلى مضاعفته مراراً من أجل فرض نتائجه.

من حقائق الصراع أیضاً أن القبول بتنازل حتى لو کان صغیراً، یقود إلى القبول بتنازلات أخرى أکبر، وهذا التکتیک السیاسی اتبعته "إسرائیل" منذ إنشائها وحتى اللحظة مع الفلسطینیین والعرب، وحققت نتائج کثیرة فیه، وهی أکبر من أن تغطى بغربال.

الفلسطینیون ومعهم العرب لیسوا أقلّ صلابة من الفیتنامیین ولا الجنوب إفریقیین، وقد أثبتت تجارب کثیرة ذلک، والفلسطینیون یخوضون نضالاً طویلا یقارب المئة عام، الفرق بیننا وبین التجربتین المشار إلیهما: أن شعبی البلدین وفّقا بقیادات عرفت أعداءها والتزمت بحقائق التاریخ، بینما قادتنا لا یعرفون أو یعرفون ویتجاهلون جوهر العدو، وحقائق الصراع والتاریخ.

ن/25


| رمز الموضوع: 141476







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)