الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

حلٌّ من طریق "تجمید" خیار المفاوضات!

حلٌّ من طریق "تجمید" خیار المفاوضات!

 

جواد البشیتی

 

المشکلة فی الظاهر هی مشکلة الاستیطان، التی هی تعریفاً الآن مشکلة رفض رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس الجلوس إلى طاولة المفاوضات "المباشرة" مع رئیس الحکومة الإسرائیلیة بنیامین نتنیاهو مع استمرار "وتنامی" النشاط الاستیطانی الإسرائیلی فی أجزاء واسعة من الضفة الغربیة، وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص؛ أمَّا فی الباطن فهی مشکلة الحدود "بین الدولتین" والتی حَلَّها "أو حَلَّ الجزء الأهم منها" نتنیاهو من طرف واحد إذ أوضح للفلسطینیین، وأکَّد، بالأفعال لا بالأقوال، أنَّ إسرائیل مستمرة، وسوف تستمر، فی نشاطها الاستیطانی فی کل جزء من الأراضی الفلسطینیة التی لن یشملها أبداً إقلیم الدولة الفلسطینیة؛ لأنَّها "أصبحت" جزءاً لا یتجزأ من إقلیم دولة إسرائیل التی لم تقرِّر، أو لم تُعْلِن، بعد حجم ونوعیة الأراضی "الإسرائیلیة" التی یمکن أن تتنازل للفلسطینیین عنها "مستقبلاً" تعویضاً لهم عمَّا أخذته منهم من أراضٍ، فالحدود الجغرافیة للنشاط الاستیطانی هی أساس الحدود بین الدولتین!

والمشکلة فی بُعْدِها الفلسطینی تکمن فی کون المفاوض الفلسطینی لا یستطیع قبول کل هذا الاقتطاع الإسرائیلی "الاستیطانی فی المقام الأوَّل" من أراضی الضفة الغربیة والقدس الشرقیة؛ کما تکمن فی کونه لا یَجِد فی "التعویض الإقلیمی الإسرائیلی" ما یمکن أن یغریه بتحویل رفضه إلى قبول ولو من حیث المبدأ.

ولو قَبِل، على استعصاء ذلک، لَمَا حصل إلاَّ على دولة تملک من السیادة ما یفیض عن "الحاجات الأمنیة الإسرائیلیة"، التی إنْ لُبِّیت على خیر وجه لن تملک الدولة الفلسطینیة المقبلة من السیادة إلاَّ ما یجعلها الدولة الأولى فی العالم لجهة اجتماع وجودها مع هذا الافتقار شبه التام للسیادة القومیة للدول.

کل ما نراه حتى الآن، فی المشهد الظاهری للجهود والمساعی التی تبذلها إدارة الرئیس أوباما لإعادة الطرفین إلى طاولة المفاوضات "المباشرة" ولإنقاذ خیار "الحل عبر التفاوض" من الانهیار التام، من ثمَّ، لا یَصْلُح إلاَّ دلیلاً على أنَّ هذه الجهود والمساعی یمکن أن تتمخَّض، أخیراً، عن "تجمید" العمل بخیار "الحل عبر التفاوض"، ولیس عن "تجمید" النشاط الاستیطانی؛ وإنِّی لأفهم هذا الإصرار لنتنیاهو على المضی قُدُماً فی النشاط الاستیطانی، وهذا التشدُّد لعباس فی رفضه الذهاب إلى المفاوضات المباشرة قبل وقف النشاط الاستیطانی فی الضفة الغربیة، وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص، وهذا العجز الذی یبدیه أوباما فی مساعیه "الظاهرة والمُعْلَنة" لحل مشکلة الاستیطان "مؤقتاً" بما یسمح للطرفین باستئناف المفاوضات المباشرة، والذی "أی هذا العجز" یتسربل بمبدأ أنَّ الولایات المتحدة لا یمکنها، ولا یحق لها، أن تفرض الحل على الطرفین، على أنَّها ظواهر ثلاث لاتِّفاق ثلاثی غیر مُعْلَن على أنْ یأتی "الحل" من خلال "تجمید" العمل بخیار "الحل عبر التفاوض"، ولیس من خلال "تفعیل" هذا الخیار؛ وکأنَّ الاستنتاج المنطقی والواقعی الذی قادت إلیه تجربة هذا الخیار "خیار الحل عبر المفاوضات" هو أنَّ إطلاق ید "الأمر الواقع" فی رسم معالم "الحل النهائی" هو الطریق الأقصر إلى هذا "الحل".

عباس، فی المشهد الظاهری، ما زال ینتظر تسلُّم ردٍّ رسمیٍّ نهائیٍّ من إدارة الرئیس أوباما على مطلبه أن یتوقَّف النشاط الاستیطانی "وفی القدس الشرقیة على وجه الخصوص" قبل، ومن أجل، أنْ یعود إلى طاولة المفاوضات؛ ولقد هدَّد، هذه المرَّة، بحلِّ السلطة الفلسطینیة إذا ما تأکَّد لدیه أنَّ إسرائیل قد حسمت أمرها، مفضِّلة المضی قُدُماً فی الاستیطان على المفاوضات والسلام.

ما أدهشنی أوَّلاً هو التهدید نفسه؛ أمَّا ما أدهشنی أکثر فهو تزامن تهدید عباس مع إعلان وزیرة الخارجیة الأمریکیة هیلاری کلینتون، فی المنامة، أنَّ "السلطة الفلسطینیة تحاول "الآن" إعداد نفسها للتحوُّل إلى حکومة، فهم "أی الفلسطینیون" یبنون المؤسسات الضروریة لقیام دولة فلسطینیة تتمتَّع بمقوِّمات البقاء، ویمکنها أن توفِّر الأمن والقانون والنظام والخدمات الضروریة للشعب الفلسطینی".

وعلیه، حثَّت کلینتون الدول العربیة على زیادة وتعزیز "دعمها المالی" للسلطة الفلسطینیة، فالدعم المالی العربی ما زال یقل کثیراً عن غیره، وعن ذاک الذی تتلقاه السلطة من الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی على وجه الخصوص.

أمَّا المتحدِّث باسم وزارة الخارجیة الأمریکیة فیلیب کراولی فکشف، فی الوقت نفسه، أنَّ الولایات المتحدة مستمرة "فی محادثات هادئة مع الطرفین، مدارها المضمون "ولیس الشکل" من عملیة السلام".

لقد اقترن وتزامن کلام عباس عن "الحلِّ "للسلطة الفلسطینیة"" مع کلام کلینتون عن "التحوُّل "لهذه السلطة إلى حکومة""؛ وغنیٌّ عن البیان أنَّ "التحوُّل" یتضمَّن، حتماً، "الحل".

والاقتران والتزامن نراهما، أیضاً، فی الأفعال، ففی مناخ تعثُّر وتعسُّر استئناف المفاوضات المباشرة نرى رئیس الحکومة الإسرائیلیة نتنیاهو یمضی قدُما فی "البناء الاستیطانی"، ونرى رئیس الحکومة الفلسطینیة فیاض یمضی هو الآخر قُدُماً فی "بناء مؤسسات الدولة"، فإذا اکتمل بناؤها "فی کنف الاحتلال، أو رغماً عنه" أصبح ممکناً حل السلطة الفلسطینیة "من خلال تحوُّلها إلى حکومة" وإعلان الفلسطینیین من طرف واحد قیام دولتهم؛ وعندئذٍ، قد یبدأ العمل بـ"الخیار الثانی" من "الخیارات السبعة" التی حدَّدتها السلطة الفلسطینیة، ألا وهو اعتراف الولایات المتحدة بهذه الدولة، وقبول عضویتها الکاملة فی الأمم المتحدة.

من الوجهة العملیة والواقعیة، لن تکون هذه الدولة إلاَّ "النسخة الفلسطینیة" من الدولة ذات الحدود المؤقتة، وذات العاصمة المؤقتة، والتی بإعلان قیامها، واعتراف الولایات المتحدة "والمجتمع الدولی" بها، تکون قد حلَّت التناقض بین استمرار النشاط الاستیطانی وبین استئناف المفاوضات المباشرة من خلال التخلِّی عن خیار "الحل عبر التفاوض"، ومواجهة "الأحادیة الإسرائیلیة" بـ"أحادیة فلسطینیة".

من قبل، عندما کان خیار "الحل عبر التفاوض" قید التجربة والاختبار، نُظِرَ إلى "الدولة الفلسطینیة" على أنَّها النتیجة النهائیة لمفاوضات الحل النهائی؛ أمَّا الآن، أو من الآن وصاعداً، فیبدو أنَّ "الدولة" ستکون نقطة الانطلاق فی اتِّجاه "الحل النهائی"، الذی سیسیرون إلیه، هذه المرَّة، بأقل قدر من الاستعجال، فـ"الأمر الواقع الجدید" یمکن ویجب أن تکون له الید الطولى فی رسم معالمه وخطوطه الأساسیة.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 141510







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)