الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

«إسرائیل» تسطو على ذاکرة العراق!

«إسرائیل» تسطو على ذاکرة العراق!

 

محمد صالح مجیّد

 

للنّهب الدّولی المُقنّن والمُنظّم فنون وأصول وقواعد یتوارثها الأقویاء أفرادا وجماعات. وهذه القواعد ثابتة صامدة عبر التاریخ، ولا تتغیّر إلّا الوسائل والأشکال التی تتفاعل مع ما تعرفه البشریّة من تطوّر یُجبر الفاعل، فی کلّ مرحلة تاریخیّة، على أن یُحیّن أسالیبه لیتأهّل إلى إحکام فعل النهب، والارتقاء به إلى مرتبة الإتقان..

وقد أَمْسى نَهْب الدّول الضعیفة والمستضعفة، وفَصْل النّاس عن أوطانهم عُنوةً، وضَرْب التاریخ بالجغرافیا عملیّة منظّمة ومحکمة تتمّ فی وَضَح النهار بغطاء أُممیّ مثقوب، وتُمارَس فی أکثر مِنْ مکان فی العالم.

وما یحدث فی عراق الیوم هو، بلا أدنى شک، بَیْع بالمزاد العلنی وَقودُه الناس والحجارة والذاکرة.

"بول بریمر" فتح هذا المزاد على مصراعیه. والمیلیشیات التی قدمت على ظهر الدبابات الأمریکیة الزاحفة تنادت له لتُجهز، بما تسلّحت به من حقد طائفی مغمّس فی عباءة إیرانیّة متوثّبة للثأر، على الجسد المکفّن بالدماء.

ورغم الحرص على التکتّم، وتعویل المحتلّ وباعة الأوطان على سقوط الحقّ بالتقادم، یصدر من حین إلى آخر عن النّاهب ما یکشف عن دناءة أفعاله وبشاعتها، ویُؤکّد عظم المصیبة التی حلّت بهذا البلد العربیّ المنهوب.

ففی جریدة "هآریتس" کشف النائب العمالی "موردخای بن بورات" الیهودی المنحدر من أصول عراقیّة، والباحث فی مرکز "إرث یهود بابل" أنّ مسؤولین أمنیین وسیاسیین عراقیین تکرّموا على دولة إسرائیل بإهدائها نفائس من المخطوطات الأثریة العراقیة التی لا تُقدّر بثمن!!!. وردّد بافتخار أنّ إسرائیل تمکّنت من الظفر بتعلیق نادر لسفر أیوب یعود تاریخ نشره إلى سنة 1487 عُثِرَ علیه فی مخازن محصّنة لأجهزة الأمن العراقیّة زمن صدّام.

وأشار إلى أنّ الإسرائیلیین تمکّنوا، بتواطؤ من المیلیشیات التی تناسلت فی أعقاب الاحتلال، من دخول أرض العراق، لتسهیل مهمّة فریق متخصص من الموساد قام بعد أیام من سقوط النظام العراقی السابق، بالتعاون مع ضباط من وکالة الاستخبارات الأمریکیة بالاستیلاء على المکتبة الیهودیة القدیمة فی بغداد، التی کانت تخضع لإشراف المخابرات العراقیة.

وتضم هذه المکتبة کتب التوراة "والتلمود" المکتوبة على لفائف البردی وجلد الغزال، ویعود تاریخها إلى أکثر من 2500 سنة. وأضاف، إبعادا للتهمة، أنّ إسرائیل لم تحصل على کلّ ثروات العراق الأثریّة مجّانا بل عمدت إلى شراء عدد من المخطوطات الأثریة الثمینة من المیلیشیات المنتشرة فی أرض العراق بعد أن تقاسمت الأدوار مع المحتلّ!!.

ومن المعلوم أنّ فرقا تتبع "أحمد الجلبی" وأخرى من البشمرکة استولت على مستودع الأشیاء الثمینة فی المخابرات العراقیّة ومدیریّة الأمن. ولم یتسنّى لإدارة المخطوطات أن تعرف طریق هذه النفائس التی ظلّ مکانها مجهولا إلى أن ظهر بعضها فی إسرائیل، وبعضها الآخر فی دول الخلیج کما أشار إلى ذلک "النقشبندی" الذی شغل منصب مدیر عام المخطوطات العراقیّة من سنة 1988 إلى سنة 2002.

إنّ ما رشح عن بؤرة التوتّر فی العراق یکشف بجلاء أنّ الجرائم المرتکبة على أرضه متنوّعة ومتعدّدة بتعدّد الأطیاف العرقیّة والسیاسیّة التی مزّقته من شماله إلى جنوبه. ولیس غریبا فی ولیمة تدعو إلیها "أمریکا" أن تکون "إسرائیل" هی الضّیف المبجّل والمقدَّم دائما. وفی غیاب قانون دولی عادل لا یمکن محاسبة الجانی على أفعاله.

وها هو العراق یشهد بعد حرق الإنسان فیما سمّی "الصدمة والرعب" اغتیال الذاکرة، وتمزیق أوصال البلاد التاریخیّة. لکن رغم انکشاف الحقائق، یظلّ قانون المحافظة على الآثار الإنسانیّة وحمایتها، الذی تسهر "الیونسکو" وعدید المنظمات الدولیّة على تطبیقه، معلّقا لا ینطبق على "العراق" الحزین الذی أصبح أرضا مباحة لإسرائیل تمارس فیه عملیاتها الاستخباراتیة.

لقد أقدمت الولایات المتحدة الأمریکیّة بغزوها العراق على خرق القانون الدولی الذی تتبجح بالسهر على تطبیقه فی العالم. وارتکبت على أراضیه جرائم حرب وتصفیة عرقیّة یشهد علیها کلّ بیت عراقی، وتحکیها دموع الأطفال المروّعین والمرتجفین خوفا من "فرق الموت" التی تتسلل إلى بیوتهم مع الفجر لتحرمهم من آبائهم وأمهاتهم. واختارت "إسرائیل" أن تُجهز على الجسد المیّت، وأن تنقضّ على الذاکرة والتاریخ لتمحو قرونا من حضارة الإنسان فی بلاد الرافدین.

العراق یُسْلَب من بتروله، ومن تاریخه، ومن حاضره على ید أمریکا وإسرائیل، ویُمزّق عرقیّا وطائفیّا بتحریض فارسیّ حاقد تلفّه عمامة المراجع الدینیّة. أمّا العرب فقد استهواهم دور المتفرّج ولم یجدوا من طریقة لتضمید الجراح إلا أن یعقدوا قمتهم القادمة فوق جماجم الموتى وعلى ضفّة الفرات الملوّث بالدماء وهم یردّدون فی عجز "خایف أقول إلّی فی قلبی".

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 143048







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)