السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

دلال المغربی ، أول إستشهادیة فلسطینیة

ولدت دلال فی بیروت سنة 1958م فی مخیم صبرا وشاتیلا وهو أحد مخیمات الشتات التی امتلأت بها العاصمة اللبنانیة منذ أن هاجرت أسرتها من مدینة یافا عقب نکبة عام 1948م فنشأت بین أحضان الحنین وتجرعت من مرارة الحرمان تسأل أباها دوما.

تلقت دلال المغربی تعلیمها فی مدارس غوث للاجئین الفلسطینیین حتى أکملت المرحلة الإعدادیة تشربت خلال دراستها أحداث النکسة التی حدثت سنة 1967م وذاقت مرارة سقوط القدس فی ید الغزاة یدوسون بأقدامهم أرض المسجد الأقصى الطاهر لا یردهم عن بغیهم عرف ولا ملة ، الأمر الذی أضرم نیران الجهاد فی صدرها واشتاقت روحها للفداء فالتحقت بمعسکرات الشبیبة التابعة لحرکة التحریر الوطنی الفلسطینی (فتح).

واستمرت تغرف من لهیب حب الوطن تحلم بیوم اللقاء وعناق ثراه الغالی حتى کان عام 1973م

کان الشهید أبو جهاد قد وضع خطة لعملیة فدائیة هدفها الأول الوصول إلى مبنى الکنیست الیهودی (مقر البرلمان) فی تل أبیب لإشعار العدو الجاثم على قلب فلسطین بأن الحق لن یموت ما دام فینا طفل یرضع !!!

أما الهدف الثانی فهو احتجاز عدد من الیهود کرهائن بهدف مطالبة حکومة الکیان استبدالهم بعدد من المعتقلین الفدائیین من فلسطینیین أو عرب داخل السجون الإسرائیلیة.

استلزم الأمر لنجاح الخطة تدریب الشبیبة من کوارد فتح على استخدام کافة أنواع الأسلحة الیدویة الممکنة فی آن واحد ما دام السلاح الیدوی هو المتاح فی تلک المرحلة ، وقد تطلب الأمر البحث عن النخبة من المجموعات المدربة للقیام بتلک المهمة ، اقتضت الخطة التی وضعها الشهید أبو جهاد بأن یتم إنزال الفدائیین على مقربة من الشواطئ المقابلة لمدینة تل أبیب عبر زوارق مطاطیة ولم یکن هذا الأمر سهل المنال فإن اختیار الشباب القادر على مثل هذه المهمة اقتضى العمل ضمن إطار الخطة لسنوات عدیدة.

فکانت دلال المغربی الوحیدة بین الفتیات اللاتی تجاوزن کافة الصعوبات بجسارة وقوة عندها قرر الشهید أبو جهاد أن تکون دلال المغرب قائدا للعملیة التی ضمت ثلاثة عشر کادرا بینهم لبنانی وآخر یمنی کان یحلم بالصلاة فی المسجد الأقصى !!

وهنا یطرح السؤال نفسه لماذا اختار القائد أبو جهاد دلال المغربی لتولی قیادة العملیة ؟

یرى البعض أن دلال کانت الفتاة الوحیدة المشارکة فی العملیة وقد أراد أن یدعم وجودها بین مجموعة الشباب فأوکل إلیها أمر القیادة، بینما یرى البعض الأخر أنه أراد بهذا الاختیار لفت نظر العالم بأسره إلى القدرات الهائلة التی تمتلکها المرأة الفلسطینیة المجاهدة والتی لا تقل وطنیة أو کفاءة عن الرجل ویبدو أنه رأى – رحمه الله ، فی روح دلال المغربی رغبة جهادیة عالیة ستصنع معها المعجزات على أرض الجهاد ، یضاف إلى ذلک قدرات عسکریة أهلتها لتحمل لواء القیادة فی عملیة خطرة وصعبة ولا تحتمل أیة مجاملات للمرأة أو للرجل على حد سواء.

بعد أن اکتملت التجهیزات تقرر أن یکون اسم المجموعة هو مجموعة دیر یاسین استرجاعا لذکرى مجزرة کان مجرمها السفاح بیجن حین حصد فی قریة صغیرة ما یقرب عن خمسمائة فلسطینی من الأطفال والنساء والرجال من سکان القریة، کما تقرر أن یکون اسم العملیة هو عملیة کمال عدوانتخلیدا لذکرى مناضل بطل سطر نضاله على صفحات الجهاد من أجل فلسطین.

 فی یوم 11/4/1978م رکبت مجموعة دیر یاسین سفینة نقل تجاریة تقرر أن توصلهم إلى مسافة 12 میل عن الشاطئ الفلسطینی ثم استقلت المجموعة زوارق مطاطیة تصل بهم إلى شاطئ مدینة یافا القریبة من تل أبیب حیث مقر برلمان الکیان الصهیونی الهدف الأول للعملیة غیر أن ریاح البحر المتوسط کانت قویة فی ذلک الیوم فحالت دون وصول الزوارق إلى الشاطئ فی الوقت المحدد لها الأمر الذی دفع بالزورقین المطاطیین إلى البقاء فی عرض البحر لیلة کاملة تتقاذفها الأمواج حتى لاحت أضواء تل أبیب والکوادر ینهکها التعب لکن الفرحة برؤیة أنوار الساحل شحذت الهمم وتعالت معها أصوات الفرح والتکبیر وهکذا وصلت دلال المغربی أرض الوطن لحظات اختلط فیها الحلم بالأمل بالتعب الذی صاحب الرحلة الشاقة عانقت خلالها دلال المغربی التراب عناق الشوق تستلهم منه رائحة الأجداد فترقرقت منها دموع الحب للوطن للأرض الثکلى لوجع السنین وشتات البعد.

لکن صوت القائد أبی جهاد اخترق الحزن المنفطر بداخلها بکلماته التی طالما رددها على مسامعها ستکونین یا دلال نبراسا لفتیات الوطن وبدرا یضیء عتمة القهر وضیاء مجاهدا یعلن للعالم أن شعب فلسطین لن یموت سیحتضنک الثرى وترفرف روحک فوق سماء فلسطین بلا حواجز بلا حدود بلا جنود ستجعلین یا دلال مناحیم بیجن یبکی کما أبکانا فی دیر یاسین وهدفنا هو الکنیست !!!

و تجاوزت دلال مع مجموعتها الشاطئ إلى الطریق العام قرب مستعمرة (معجان میخائیل) حیث تمکنت دلال المغربی ومجموعتها من إیقاف سیارة باص کبیرة بلغ عدد رکابها ثلاثین راکبا وأجبروها على التوجه نحو تل أبیب .. فی أثناء الطریق استطاعت المجموعة السیطرة على باص ثانی ونقل رکابه إلى الباص الأول وتم احتجازهم کرهائن لیصل العدد إلى 68 رهینة.

کان الوجوم یخیم على وجوه الرهائن إذ لم یخطر ببالهم رؤیة فدائیین على أرض فلسطین ، لقد ساد اعتقاد بین الصهاینة أنهم ملکوا أرض فلسطین لکن دلال کسرت حاجز الصمت لتوضح لهؤلاء الرهائن الموقف کما یراه الفلسطینیون قائلة : نحن لا نرید قتلکم نحن نحتجزکم فقط کرهائن لنخلص إخواننا المعتقلین فی سجون دولتکم المزعومة من براثن الأسر، وأردفت بصوت خطابی نحن شعب یطالب بحقه بوطنه الذی سرقتموه ما الذی جاء بکم إلى أرضنا ؟ وحین رأت دلال ملامح الاستغراب فی وجوه الرهائن الیهود سألتهم : هل تفهمون لغتی أم أنکم غرباء عن اللغة والوطن !!! هنا ظهر صوت یرتجف من بین الرهائن لفتاة قالت إنها یهودیة من المغرب تعرف العربیة ، فطلبت دلال من الفتاة أن تترجم ما تقوله للرهائن ثم أردفت دلال تستکمل خطابها بنبرات یعلوها القهر: لتعلموا جمیعا أن أرض فلسطین عربیة وستظل کذلک مهما علت أصواتکم وبنیانکم على أرضها. ثم أخرجت دلال من حقیبتها علم فلسطین وقبلته بکل خشوع ثم علقته داخل الباص وهی تردد ….

ثم صاحت فی وجه الرهائن بنبرة مذهلة … وها أنا أعود وسیعود الآلاف مثلی من أبناء فلسطین وعشاق فلسطین من أحرار المسلمین لیخلصوا المساجد من دنس حکومتکم وعلیکم أن تعودوا من حیث جئتم.

عند هذه المرحلة اکتشفت قوات الکیان الصهیونی العملیة فجندت قطع کبیرة من الجیش وحرس الحدود لمواجهة الفدائیین وسعت لوضع الحواجز فی جمیع الطرق المؤدیة إلى تل أبیب لکن الفدائیین تمکنوا من تجاوز الحاجز الأول ومواجهة عربة من الجنود وقتلهم جمیعا الأمر الذی دفع بقوات الاحتلال إلى المزید من تکثیف الحواجز حول الطرق المؤدیة إلى تل أبیب غیر أن الفدائیین استطاعوا تجاوز حاجز ثان وثالث حتى أطلوا على مشارف تل أبیب فارتفعت روحهم المعنویة أملا فی تحقیق الهدف لکن قوات الاحتلال صعدت من إمکاناتها العسکریة بمزید من الحشود لمواجهة ثلاثة عشر فدائیا تقودهم فتاة أطلوا من خلف الشتات بأسلحة خفیفة صمدت فی وجه دبابات الظلم ووحشیة المواجهة فتمرکزت الآلیات الصهیونیة المدرعة قرب ناد ریفی اسمه (کانتری کلوب) وأصدر إیهود باراک قائد الجیش الصهیونی المواجه للعملیة آنذاک ، أوامره بإیقاف الباص بأی ثمن.

فعملت قوات الاحتلال على تعطیل إطارات الباص ومواجهته بمدرعة عسکریة لإجباره على الوقوف ..

حاولت المجموعة الفدائیة مخاطبة جیش الاحتلال بهدف التفاوض وأملا فی ألا یصاب أحد من الرهائن بأذى لکن جیش الاحتلال رفض أن یصغی لصوت الفتاة الیهودیة المغربیة التی حاولت محادثتهم من نافذة الباص بل إن الجیش الاحتلال أعلن عبر مکبرات الصوت أن لا تفاوض مع جماعة (المخربین) وأن علیهم الاستسلام فقط.

لم تکن هذه اللحظات بالأمر الهین على فتاة لم تتجاوز العشرین من العمر لکن دلال واجهتها بکل قوة وبسالة فنظرت فی وجه الرهائن مخاطبة إیاهم بقولها : ها أنتم تسمعون ما یقوله جیشکم إنه لا یأبه بالحفاظ على أرواحکم إنما یرید قتلکم وقتلنا بأی ثمن !!!

ثم أصدرت دلال أوامرها للمجموعة بمواجهة قوى الاحتلال وجرت معرکة عنیفة ضربت خلالها دلال المغربی ومجموعتها أروع نماذج الصمود والجرأة فی الأوقات الصعبة عندما نجحت فی اختراق جیش العدو ومقاتلته بأسلحتها البسیطة التی استخدمتها فی آن واحد مدعمة بسالتها بصیحات التکبیر لیعلو الصوت الفلسطینی فی وجه الغطرسة التی تدعی أنها أقوى دولة عسکریة فی الشرق الأوسط وتداعى جنود الاحتلال أمام کلاشنکوف دلال المغربی ما بین قتیل وجریح وصریع وهارب من وجه فتاة أحبت وطنها لله وفی الله.. أصیبت دلال واستشهد ستة من أبطال المجموعة وبدأ الوضع ینقلب لمصلحة العدو خاصة وأن ذخیرة المجموعة بدأت فی النفاذ غیر أن واجب الصمود والتحدی أجبر المجموعة المتبقیة ومعها دلال إلى مواصلة القتال .. کانت قوات الاحتلال خلال هذا المشهد تطلق قذائفها غیر مبالیة بالیهود الرهائن المحتجزین بالباص ، فانبرى أولئک بین قتیل وجریح وظهر للمجموعة أن الوضع أخذ فی التردی خاصة وأن دلال أصیبت إصابة بالغة فاستبسلت مع رفاقها فی تکبید جیش العدو أکبر قدر من الخسائر حتى أطلقت دلال آخر رصاصة لدیها کأنها زغارید تعلن عن زفاف حافل وعرس مکلل بالطلقات لأجمل عروس یحتضنها ثرى فلسطین.

استشهدت دلال المغربی ومعها أحد عشر من الفدائیین بعد أن کبدت جیش العدو حوالی (30 قتیلا وأکثر من 80 جریحا) کرقم أعلنته قوات الاحتلال الصهیونی ، أما الاثنین الآخرین فقد نجح أحدهما فی الفرار والآخر وقع أسیرا متأثرا بجراحه فأقبلت قوات الاحتلال بشراسة وعنجهیة على الأسیر الجریح تسأله عن قائد المجموعة فأشار بیده إلى دلال وقد تخضبت بثوب عرسها الفلسطینی ، لم یصدق إیهود براک ذلک فأعاد سؤاله على الأسیر الجریح مهددا ومتوعدا فکرر الأسیر قوله السابق : إنها دلال المغربی.

فاقبل علیها إیهود باراک یشدها من شعرها ویرکلها بقدمه بصلف ظالم لا یقر بحرمة الأموات کأن جسدها المیت یصرخ فی وجهه قائلا:

وصدق الشهید القائد أبو جهاد حین جعل دلال المغربی قائد لعملیة کمال عدوان ، فالدفاع عن أرض فلسطین لن یقف عند عتبات الرجال.

استشهدت دلال المغربی على أرض یافا یحتضنها ثرى فلسطین کما حلمت یوما لم تقهر إرادتها أسوار الشتات ولم یفت من عضدها قیود الحصار عشقت الوطن فقبلها شهیدة مجاهدة تصنع نبراسا لفتیات ساروا على دربها من دلال المغربی إلى آیات الأخرس ونعیمة طقاطقة ودارین أبو عیشة .. إلى جنة الخلد أیتها الشهیدة ولتحیا روح الجهاد.

ن/25


| رمز الموضوع: 139426







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)