qodsna.ir qodsna.ir

کیف یستقیم المعنى مع الحدث

کیف یستقیم المعنى بأن المدمِّرة الأمریکیة یو إس إس کول قادمة إلى الشواطىء اللبنانیة من أجل دعم الاستقرار فی المنطقة؟ ولکنّ المعنى یستقیم حین یقال أن المدمِّرة قادمة من أجل إلحاق الدمار بالمنطقة، فهذا کل ما فعله من قرّر إرسالها طوال هذا القرن الدموی. کما أن المعنى لم یستقم، حین رفدت الولایات المتحدة إسرائیل بملایین القنابل العنقودیة قبیل نهایة الحرب على لبنان، «حرصاً على إحلال السلام»، فزرعت إسرائیل هذه القنابل لتسببّ کلّ یوم الموت لأطفال ورجال ونساء جنوب لبنان دون أن یحلّ السلام أبداً، ولم یحدث سابقاً أن حلّ السلام بالمدمِّرات، والقنابل العنقودیة، والمجازر الدمویة. کما أن المعنى لا یستقیم حین أرسلت ألمانیا غواصات نوویة إلى إسرائیل عشیة الحرب الأخیرة التی شنتها على شعب لبنان. کما أن المعنى لا یستقیم حین ترسل الولایات المتحدة مدمِّرة حربیة فی الوقت الذی تذبح فیه إسرائیل، على مرأى العالم المتحضر، أطفال فلسطین، وحتى الرضع لم یسلموا من محرقتهم، بینما تستخدم الولایات المتحدة کلّ سطوتها فی مجلس الأمن کی تمنع حتى توجیه اللوم إلى إسرائیل. ولکن المعنى یستقیم، حین نقرأ تصریحات جلادی الشعب الفلسطینی، اولمرت، وباراک، وتسیبی لیفنی، ونائب وزیر الحرب الإسرائیلی متان فلنائی، بأنهم سوف یشنون محرقة کبرى على الفلسطینیین، وأن الفلسطینیین سوف یدفعون ثمناً باهظاً فی المستقبل القریب. والسؤال هو «ثمناً باهظاً» لماذا؟ لإطلاق الصواریخ، کما یدعون؟ لقد ارتکبت إسرائیل فی القرنین الماضی والحالی أبشع المجازر بحقّ الشعب الفلسطینی، قبل اختراع الصواریخ وبعدها، هل کانت هناک صواریخ عندما ارتکبوا مجازر دیر یاسین، وقبیة، وصبرا وشاتیلا، وجنین، وعندما یقصفون الأطفال فی مدارسهم وهم یدرسون، وفی فرشهم بمنازلهم وهم نائمون. الحقیقة الیوم، هی أن هذا الحشد العدوانی للقوة العسکریة الإسرائیلیة، والأمریکیة تهدف إلى الاستمرار بمخطط إبادة الشعب الفلسطینی إبادة جماعیة، وذلک للاستیلاء على أرضه، ومیاهه،، وتاریخه. وفی الوقت الذی ترتکب إسرائیل أبشع أنواع المجازر بحق الشعب الفلسطینی، الذی یعانی صنوف الحرمان والتعذیب والتنکیل منذ عشرات السنین تحت احتلالها العسکری البغیض، فإنها ترتکب جریمة تهوید القدس، وفتح کنیس فی المسجد الأقصى، وتهجیر الفلسطینیین مسیحیین ومسلمین، على حدّ سواء، من القدس، فی محاولة لإجهاض حقوقهم التاریخیة فیها. وتقوم إسرائیل بکلّ ذلک معتمدة على الضعف المستشری فی أوصال الکیان العربی، وإغراقه بتفصیلات هامشیة، لن یتذکرها أحد فی المستقبل، کما أن أحداً لا یتذکر الیوم العوامل، التی آلت بالمسلمین إلى وضع حرقت فیه بیوتهم، ومساجدهم، ومکتباتهم، وُقتلوا و ُشرّدوا من الدیار، وعانوا من القتل، ومحاکم التفتیش لأن قادتهم عجزوا عن إیجاد الحلول لاختلافاتهم، بل کانوا یمعنون، والعدو على الأبواب، فی إغراق الأمة بالخلافات، وبحیاکة المؤامرات، بما فیها التواطؤ مع العدو، لإضعاف بعضهم البعض، فانتهوا جمیعاً نهایة غیر محمودة العواقب. کما کان شأن الاستعمار فی القرن التاسع عشر، فإن استعمار القرن الواحد والعشرین، لا یختلف عنه بشیء سوى إضافة الطائرات إلى المدمرات، وباستخدام آلة إعلامیة تحاول ذرّ الرماد فی العیون، عبر الحدیث عن قیم وأخلاق وأهداف إنسانیة، ولکن أیضاً بربط بعض العرب مصیر أمتهم بهذه الآلة العسکریة الهوجاء، القادمة لإخضاع العرب للمصالح الإسرائیلیة، مبرّرین ذلک بأشکال مختلفة، ومبرزین أسباباً تلبسُ لبوسَ الوطنیة، والمصلحة العامة، ولکتّها فی واقع الأمر تدمّر الأوطان والشعوب. والسؤال بعد کلّ الأسلحة التی تمتلکها إسرائیل فی المنطقة، وبعد کلّ المجازر والجرائم التی ترتکبها یومیاً بحقّ شعب فلسطین، الذی ظلّ عشرات السنین ینتظر عدالة الغرب وحمیة العرب، هو: لماذا یشعر طغاة الدیمقراطیة الأمریکیة بالحاجة لاستقدام المدمِّرات والأساطیل الحربیة؟   وما هی حاجتهم للمزید من تقنیات القتل والدمار، مما لا یمکن لهم نقله بالطائرات؟ لعلمی، لیس هناک فی المنطقة من هو مستعدّ لتهدید المصالح العربیة بجیوشه وأساطیله وطائراته! إن کلّ هذا الحشد، وکلّ هذه المجازر الإسرائیلیة الیومیة، تشیر إلى الاحتدام بین الحرب الصلیبیة، التی أعلن عنها بوش منذ سنوات، وبین التوق العربی للحریّة والکرامة، الذی یبدو أنه یأخذ هذه المرة أیضاً أشکال اعتداءات عسکریة جدیدة تقوم بها کعادتها منذ قرنین القوى الغربیة ضدّ المصالح والحقوق العربیة، وقد تفعل ذلک خلال أیام أو أسابیع، ولکنّهم لو تأملوا أین ستأخذ العالم مثل هذه الجرائم، التی ترتکبها القوى الغربیة ضدّ الشعب العربی، منذ تأسیس إسرائیل وحتى الیوم. فماذا یمکن أن یفعلوا أکثر من قتل الأطفال وهم رضّع، وقتل الأولاد وهم یلعبون کرة القدم (انظر جریدة الاندبیندینت البریطانیة 29 شباط 2008)، وحرق قلوب الآباء الذین یستصرخون العالم "دخیلکم أولادی"، والأم الفلسطینیة المفجوعة، التی تخاطب ضمیر العالم «المتحضّر»، والعالمین العربی، والإسلامی، وکذلک «الدیمقراطی» جداً على حدّ سواء: " أو لا ترون کیف نُذبح، ماذا نفعل، لماذا تقبلون بهذا" ، وبعد، کلّ هذا الألم الذی یذیب الجبال حوّل الفلسطینیون الأبطال الجدار العنصری إلى لوحة لمعاناتهم، حیث یعبّر الشعب الواقع تحت الاحتلال البغیض عن غضبه ومعاناته للعالم. وماذا سیفعل طغاة الدیمقراطیة الأمریکیة أکثر من دعم وتمویل، وتسلیح نظام الاستیطان الإسرائیلی للقیام بسجن جماعی لملیون ونصف ملیون فلسطینی فی غزة، ومثلهم فی بقیة فلسطین. ومع ذلک امتدت سلسلة بشریة من الأطفال، والنساء، والرجال، من رفح إلى بیت حانون ضدّ سلاسل الاحتلال. ورغم کلّ الغطاء الدیمقراطی الأمریکی لجرائم إسرائیل، أصدرت محکمة الضمیر فی بروکسل بعد جلسات امتدت أیام 22 و23 و24 من شباط حکمها بـ "إدانة إسرائیل بجریمة الحرب وجرائم ضدّ الإنسانیة، وجریمة الإبادة خلال عدوانها على لبنان فی حرب تموز 2006 "، وتعهدت أحزاب ووفود دولیة وبرلمانیون بتنفیذ الحکم. کما دعت الوفود فی بروکسل إلى مقاطعة کلّ الشرکات التی تتعاون مع إسرائیل فی تدمیر منازل الفلسطینیین، أو إشادة مستوطنات على أنقاض القرى والأحیاء الفلسطینیة. وترافق کلّ هذا مع دعوة وزیر داخلیة ألمانیا جمیع الصحف الأوروبیة بنشر الرسوم التی تحاول الإساءة للرسول العربیّ (ص)، بعد ان رأى انعدام أی موقف للحکومات العربیة، والإسلامیة، فی الدفاع عن مقدساتها، ولذلک اندفع، وفق التقالید النازیة المتمیزة بالهوس والتشنج، للتعبیر عن عقیدته العنصریة، بعدم وجود المساواة بین البشر فی الکرامة، وإذا کان لی أن أربط مع هذه الأحداث التی تجری فی منطقتنا حدثاً واحداً، ولکنه معّبرٌ جداً على الساحة الأمریکیة لإعطاء المصداقیة لاستشفاف آفاق المستقبل، فإننی أرید أن أشیر هنا إلى الصورة التی نشرها القائمون على حملة هیلاری الانتخابیة للمرشح الرئاسی باراک أوباما، وهو یرتدی الزیّ الکینی أثناء زیارته إلى کینیا فی عام 2006، وذلک للتشهیر به عبر البوابات الإلکترونیة التابعة للمرشحة هیلاری کلینتون، لأنه یحترم جذوره الإسلامیة، بالطبع المطلوب هو تأجیج المشاعر العنصریة ضدّه، مع أننا رأینا الرئیس بوش منذ فترة وجیزة یرتدی العباءة العربیة أثناء زیارته الأخیرة إلى المنطقة، وقبلها ارتدى القلنسوة الیهودیة. إن العرب مقبلون على أیام صعبة تحاول الولایات المتحدة ان تحسمها بطریقتها الدمویة المعهودة من خلال القوة العسکریة الغاشمة بتقدیم المزید من الدعم لإسرائیل، بهدف تحطیم الکیان العربیّ کلّه دون استثناء. فالصراع قائم الیوم بین العرب الذین یکافحون من أجل حقّهم فی الحریّة والکرامة، وبین من یحاول قهرهم بالحدید والنار الهمجیة، بهدف احتلال أرضهم وإذلالهم ونهب ثرواتهم. ولکن الإعلام الذی یحاولون استخدامه لإخفاء الحقائق وتشویهها یوصل بعضاً من واقع الأمور إلى کلّ أفراد الأسرة الإنسانیة فی کلّ مکان. وهی کفیلة بإعادة الثقة، بأن الحضارة البشریة لن تکون إلا لصالح الکرامة والعدالة. مهما کانت الأحداث فی الأیام والأسابیع والأشهر القادمة، فإن التهدید الذی یمثله قدوم المدمِّرة الأمریکیة، سیقنع من لم یقتنع بعد، بضرورة التضامن العربیّ، وبواجب الوقوف مع الشقیق ضدّ قوى البغی والعدوان والاستیطان، والعنصریة.

( المقال للدکتورة بثینة شعبان )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 139442