qodsna.ir qodsna.ir

الفاشیون الجدد! ..

یبدو أن ذاکرتنا کشعب عربی أصبحت قصیرة جداً، إذ إننا لا نزال فی کل مرة یتجدد فیها عدوان إسرائیلی، نحتاج إلى من یذکرنا أن الوحشیة الإسرائیلیة، إنما تجیء کعمل فاشی محسوب ومبنی على أسس عنصریة. ذلک أن "إسرائیل" فی حقیقتها دولة عنصریة دینیة، وتصرفات قادتها غالباً ما تأتی استجابةً لفتاوى دینیة یهودیة.

ولعل القلیل منا یتذکر الفتوى التی أصدرتها لجنة حاخامات مستوطنات الضفة الغربیة وغزة، فی خضم الحرب الإسرائیلیة على لبنان فی صیف عام 2006، والتی تبیح «قتل الأبریاء من الأطفال والنساء فی لبنان وفلسطین»، زاعمة أنها تستند فی تلک الفتوى إلى نصوص من التوراة. بل إن تلک الفتوى، التی نشرت آنذاک فی صحیفة «یدیعوت أحرنوت»، وخصص لها هذا الکاتب مقالاً فی هذه الصفحة بتاریخ 13/11/2006، أضافت أن «من یترحم على أطفال غزة ولبنان، فإنه یقسو على أطفال إسرائیل».

وقبل ذلک بعامین، کانت فتوى یهودیة بعثت بها 14 شخصیة من کبار الحاخامات الیهود إلى رئیس الوزراء السابق إرییل شارون، فی شهر أیلول /سبتمبر 2004، طالبته بـ «عدم التساهل أو التهاون فی قتل المدنیین الفلسطینیین بمن فیهم الأطفال والنساء».

الیوم، مع تجدد الاعتداءات الإسرائیلیة المتعمدة على المدنیین من أطفال ونساء فی غزة، لم یعد المشهد الفلسطینی یحتاج إلى مزید تأکید لوحشیة «الفاشیة الیهودیة». ولکن، إذا کان ما تقوم به "إسرائیل" من هجوم وحشی، وما تهدد بالقیام به من «محرقة» فی غزة کما جاء فی التصریح الذی أطلقه نائب وزیر الدفاع الإسرائیلی ماتان فیلنای ونقلته وکالات الأنباء العالمیة مساء الجمعة الماضی، یمثل تجسیداً واقعیاً لـ «الفاشیة الیهودیة» فی أنصع صورها، فإنه لا بد من الاعتراف بأن هناک فاشیة فلسطینیة توازیها فی الوقت نفسه.

فالفاشیة الحدیثة ضد الفلسطینیین لا تقف عند الوحشیة الإسرائیلیة، وإنما تتعداها إلى کل أولئک الذین یعینونها أو یتواطؤون معها، خصوصاً من المسؤولین الفلسطینیین!

الفاشیة الفلسطینیة تتجلى عند أولئک الذین یراقبون «جرائم الحرب» الإسرائیلیة، على الهواء مباشرة، المخالفة لمیثاق الأمم المتحدة واتفاقیة جنیف الرابعة 1949، والخارقة للإعلان العالمی لحقوق الإنسان، ولجمیع المواثیق والقوانین والأعراف الدولیة، ثم یلقون بالتهمة على المقاومة الفلسطینیة فی أنها تعطی الذریعة لمثل هذا!

ولست أدری ما إذا کان هؤلاء البعیدون عن فهم القانون الدولی، یعلمون أنه حتى مبرر الحرب لا یعطی «الذریعة» لاستهداف المدنیین، خصوصاً الأطفال والنساء والشیوخ والعُزَّل، لأن هناک مواثیق دولیة تحمی هذه الفئات بموجب القانون الدولی!

هل نسی أم تناسى هؤلاء، أن الدفاع عن النفس حق کفلته الشرائع القانونیة جمیعها، بما فی ذلک المادة الـ 51 من میثاق الأمم المتحدة، فضلاً عن أن مقاومة الاحتلال قانون فطری؟ ألیس الذی یحدث فی فلسطین - سواء کان فی قطاع غزة أم فی الضفة الغربیة – عدواناً من دولة احتلال؟ وإذا امتنعت حکومة رام الله عن الرد العسکری لأی سبب، فهل یحرم ذلک التصرف المقاومة من حقها المکفول بالقانون الدولی؟ ثم لماذا یغض هؤلاء الفاشیون النظر عن الجرائم الإسرائیلیة فی الضفة الغربیة، التی لم تطلق منها صواریخ قط، فی حین یکیلون التهم للمقاومة فی غزة من هذا الباب؟

کما أن الفاشیة الفلسطینیة تبدو واضحة عند الذین یتهمون – من دون تقدیم شهود ولا بینات – المقاومة الفلسطینیة فی غزة بأنها تستضیف «القاعدة»، لیقدموا بذلک غطاءً عسکریاً لـ "إسرائیل" وآخر سیاسیاً للولایات المتحدة فی استهداف «الإرهابیین».

الفاشیة تبدو مرة أخرى عند الذین یقفون سداً ذریعاً أمام فتح المعابر للمصابین والمرضى الذین لا یجدون علاجاً فی داخل قطاع غزة، زاعمین أنهم بذلک ملتزمون بـ «اتفاقات دولیة» مع من لم یحترم أی میثاق دولی یوماً من الأیام!

ولیست الفاشیة الفلسطینیة أقل درجةً عند المسؤولین الفلسطینیین الذین یستمعون إلى تصریح الوزیر الإسرائیلی السابق الذکر، الذی یهدد فیه بـ «حرق» کل مَنْ بداخل غزة لیتم التخلص منهم کالحشرات، ثم لا یکادون یجدون عبارات مناسبة فی الرد علیه، بل قد یعتذر البعض منهم عن ذلک کونه «زلة لسان»!

فالفاشیة الجدیدة إذاً، لم تعد مقصورةً على الحکومة الإسرائیلیة وحدها، بل إنها تمتد لتشمل کل الذین یقفون مع تلک الوحشیة الهمجیة البربریة الإسرائیلیة، سواء کانت وقفة عسکریة أم وقفة سیاسیة أم مجرد «وقفة صمت»!

بید أن الفاشیة فی الأصل هی التمییز العنصری الوحشی ضد الغیر ولیس ضد الذات، ولکن ما یقوم به هؤلاء المسؤولون الفلسطینیون ضد شعبهم هو نوع من الفاشیة أیضاً. الواقع أن هؤلاء الیوم هم الفاشیون الجدد!

( المقال للحقوقی الدولی  محمود المبارک )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 139443