السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

المبادرة الیمنیة وبندها الأول!!!

عندما قلنا أن العودة بالأمور إلى ما کانت علیه قبل 14 حزیران لیست عبارة دقیقة، ولا تؤسس لحوار جدی، ودَعوْنا إلى معالجة مُترَتبات ونتائج ما عرف بالحسم العسکری فی قطاع غزة، کنا نُدرک أن المعنى الحرفی للعودة بالأمور إلى ما قبل سیطرة "حماس"، تعنی العودة لاتفاق مکة ولحکومة الوحدة الوطنیة کجزء من رزمة مَفهوم العودة عن الانقلاب والمتمثلة بإعادة المنتدى ومقرات الأجهزة الأمنیة...الخ إلى الرئیس أبو مازن.

فالبند الأول فی المبادرة الیمینة باعتقادی هو فخ وقنبلة تفجیریة، رغم انه یمکن اعتبارها أساس جدی یمکن البناء علیها، خاصة أن بنودها السبعة إذا ما عولج بَندها الأول بصیاغة جدیدة، قد تؤسس لنظام سیاسی فلسطینی جدید، یستوعب فی ثنایاه الآخر ویحاکی الواقع الشعبی والسیاسی الداخلی وفی الشتات، هذا الواقع الذی ظهر بقوة عقب الانتفاضة الأولى، وبشکل أوضح بعد اتفاق اوسلو، خاصة بعد الفشل الذریع للمشروع السلمی الذی تبنته القیادة السیاسیة لمنظمة التحریر، بسبب الموقف الإسرائیلی الرافض حتى لتطبیق الاتفاق، إضافة لممارسات المعارضة الغیر بناءَة فی فترة بدایات الحل السیاسی المنشود وأثناء تطبیق اتفاق اوسلو، ورغم تحفظی على بنود کثیرة من هذا الاتفاق، لأنها لم تحاکی الواقع السیاسی، بقدر ما حاکت الأمل المنشود، دون واقعیة سیاسیة مرتبطة بإمکانیة تحقیق هذا الأمل، خاصة لدى الطرف المحتل، فالاحتلال أیاً کان، لا یمکن الوثوق به، ولا یمکن الاعتماد على حسن نوایاه، وما یلزمه فقط اتفاقیات دولیة وبآلیات دولیة ملزمة، ولیس بحلول ثنائیة، فکیف إذا کان هذا الاحتلال بُنیَ على مفهوم إقصائی إحلالی لشعب آخر، احتلال مکوناته الأساسیة اعتمدت على أسطورة العودة لأرضه من منفى وشتات استمر ما یقارب الثلاثة آلاف سنة، وشعار " نفی المنفى وجمع الشتات" الذی تبنته الحرکة الصهیونیة أدى إلى نفی وشتات لشعب آخر.. ومع کل ذلک، فالأمور أضحت واضحة للجمیع، لدولة إسرائیل، وللشعب الفلسطینی، وللعالم ککل، لان الواقع لا یمکن تجاوزه، إضافة لعدم إمکانیة الاستمرار به وفقا للوضع القائم، فالاحتلال لا یمکن أن یحقق مبتغاه وعقیدته الأسطوریة، وهو یجرب ذلک منذ أکثر من ستین عاما، کما أن العودة بالأمور إلى ما قبل 1948 لا یمکن ترجمته على الأرض واقعیا، لذلک مبادئ الحل أصبحت معروفة، وتتمثل إما بدولتین لشعبین على أرض فلسطین التاریخیة، ووفقا للمبادرة العربیة للسلام، أو بدولة واحدة ثنائیة القومیة، وما یترتب علیها من مفاهیم تخص حقوق المواطنة الشاملة للجمیع والمساواة، أما شعار نفی الآخر، وتجاهله کأنه غیر موجود، أو الاستمرار فی قمعه وعزله ووضعه فی بانتستونات وجُدُر ومعازل وسجون کبیرة وصغیرة، فلن یقبلها أحد وستؤدی لصراع یأخذ منحنى دموی وعنصری، وسیؤدی لمجازر وأحقاد لا یمکن لأحد نسیانها أو تجاوزها، وما حدث فی قطاع غزة قبل أسابیع هی مقدمة لشکل الصراع القادم إذا ما استمر الوضع کما هو علیه الآن، أو إذا استمرت الخطط الإسرائیلیة بنفس السیاق.

وعودة على بدء، المبادرة الیمنیة، فالتصریحات الصادرة عن طرفی الخلاف لا تبشر بإعادة اللحمة والوحدة الوطنیة، لأن المطلوب لیس تطبیق حرفیة بنود المبادرة فقط، ولیس تسجیل نقطة هنا أو هناک، المطلوب حسن نیة حقیقیة من قبل الطرفین للتوصل إلى اتفاق شامل، وفی کافة القضایا، المطلوب التعامل مع روحیة المبادرة والتوصل لاستراتیجیات وتکتیکات، فی القضایا السیاسیة والمصیریة، فی مفهوم المفاوضات ومرجعیاته، وفی مفهوم المقاومة وشکلها ومتى تستخدم، طبعا إضافة إلى طبیعة النظام السیاسی الفلسطینی بمکوناته الحزبیة والمستقلة وشرائحه المختلفة ومجتمعه المدنی، وسلطته الوطنیة، وقائدة وممثلة الشعب الفلسطینی فی کافة تواجده، منظمة التحریر الفلسطینیة، لذلک یجب الاعتراف أولا أن صیغة الحزب الواحد بأجندته ومهما تکن، لا یمکن أن تؤدی لنظام سیاسی قائم على التعددیة وعلى الاتفاق حول الخطوط الحمر الخاصة بالشعب الفلسطینی ککل، وهذا یتطلب المشارکة فی صنع القرار من قبل کافة مکونات الشعب الحزبیة والاجتماعیة والمدنیة المختلفة، فقرار المقاومة یجب أن یکون وفق خطة شاملة ولیس وفق أجندات خاصة، وخیار المفاوضات لا یمکن أن یکون إلى ما لا نهایة، بل أیضا وفق شروط وبسقف زمنی یُتفق علیه داخلیا، کما أنه یجب التأسیس لدستور شامل للشعب الفلسطینی یحل محل المیثاق الوطنی القدیم، ویتم فیه مراعاة الواقع الجیوسیاسی الجدید على أرض فلسطین التاریخیة، ولکن شرط أن لا یمس الحق التاریخی للإنسان الفلسطینی کفرد وکجماعة بالعودة إلى أرضه، إضافة إلى قانون أساس واضح لا لبس فیه، یحکم طبیعة العلاقة بین جمیع الأطراف فی السلطة الوطنیة ویعتمد التعددیة والتداول السلمی للسلطة، ویؤسس على الفصل الحقیقی بین السلطات الثلاث، وهذا یتطلب إصلاح شامل للسلطة ما قبل عام 2006 وما بعدها، أی بعد فوز حماس فی الانتخابات التشریعیة، فالتجربتین تؤکدان أن هناک خلل کبیر، لان الفصیل المسیطر والذی له الأغلبیة، إعتقد أن ذلک یؤهله لإقصاء الآخر من مراکز القرار وصنعه وحتى من تنفیذه أیضا، وهذا یعبر عن نظرة ضیقة الأفق، ترتبط بمصالح فئویة وشخصیة ولا یمکن أن تؤسس للحکم الرشید أو لنظام سیاسی تعددی.

إن المبادرة الیمینة، یجب أن لا یتم عرقلتها باسم کیفیة العودة لما قبل 14 حزیران، فالواقع الذی حدث بعد ذلک، ینفی بقوة العودة للسابق، فلا یمکن العودة لحکومة الوحدة الوطنیة السابقة بنفس سیاقها والذی کان سببا أساسیا حمل فی طیاته عوامل انفجارها، أیضا لا یمکن إعادة الأجهزة الأمنیة وفق صیغتها القدیمة، القوة التنفیذیة مثلا، لذلک یجب إصلاح الأجهزة الأمنیة وفصلها عن الحزبیة، وتحدیدها بجهازین، شرطة، وجهاز آخر یجمع الجمیع، وهنا یجب التوافق على ذلک قبل طرح التطبیق الحرفی للعودة بالأمور إلى سابق عهدها، کما لا یمکن العودة لصیغة المحاصصة فیما عرف بلجنة الشراکة الحزبیة وتوزیع الغنائم...، وهناک الکثیر من الأمور الغریبة إذا ما تم التعامل مع البند الأول من المبادرة الیمنیة بحرفیته، فمثلا، هل یعنی ذلک إقالة مسئول الشرطة الحالی وإعادة مسئول الشرطة السابق؟!!!، مع تقدیری الشخصی للاثنین لکفاءتهم ودورهم وتفانیهم فی خدمة أبناء الشعب الفلسطینی، فالمطلوب من البند الأول هو تسلیم مقرات الأمن ومقر الرئیس "المنتدى" للرئیس أبو مازن، وإعادة حرس الرئیس لمعبر رفح، وإعادة تشغیل العمل على المعابر وفق الصیغة السابقة مؤقتا لحین الاتفاق على صیغة جدیدة.

إن المطلوب، أن نکون أکثر جرأة، وأکثر وضوحا، ونطالب، بالعودة إلى اتفاق شامل وصفقة شاملة، أساسها الوحدة الجغرافیة السیاسیة والوطنیة، وأساسها الشرعیة ککل لا یتجزأ، شرعیة الشعب الفلسطینی أولا، وصاحب الولایة الأول، وشرعیة من ینتخبه هذا الشعب، رئیسا ومجلسا تشریعیا، وبالطبع الشرعیة العلیا للشعب الفلسطینی ککل، متمثلة فی منظمة التحریر الفلسطینیة بالصیغة الإصلاحیة المستندة لحوار القاهرة عام 2005 وما نتج عنه ولیس وفق الصیغة القدیمة، لأنها واقعیا لا تحقق أبدا الوحدة الوطنیة الشاملة ولا تعبر أبدا عن الواقع السیاسی الجدید للمجتمع الفلسطینی، ولا تعبر إطلاقا عن مجمل شرائحه فی الداخل والشتات.

إن المطلوب أن نؤکد على أننا نعیش فی مرحلة تحرر وطنی، وأن کل شیء یجب أن یصب فی خدمة تعزیز صمود هذا الشعب، ومساعدته على البقاء والعیش الکریم فی حدوده الدنیا، ووفقا للإمکانیات المتاحة والمستندة لعدم التنازل عن الحقوق المشروعة أو المساومة علیها، فالاقتصاد یجب أن یوجه لخدمة الشعب وفقراءه ومدنه ومخیماته وقراه، ولیس لشرکات القطاع الخاص الذی همها الربح بغض النظر عن الواقع السیاسی،  لأنها تعتبر نفسها فوق هذا الواقع، وترید أن تحقق ربحها على حسابه، علیها أن تعی أنها جزء من هذا الشعب وواقعه السیاسی الذی عنوانه الاحتلال، وبالتالی یجب أن تکون معینا أساسیا لحرکة التحرر ولیس عبئا علیها، الاقتصاد یجب أن یوجه لخدمة صمود أهل القدس بدعمهم فردیا وعبر مؤسساتهم، الاقتصاد یجب أن تکون أجندته الصحة والتعلیم والخدمات أولا وقبل کل شیء، فلا یمکن تحقیق التنمیة المستدامة فی ظل الاحتلال، والسیاسة یجب أن تستند لبرنامج سیاسی واضح یستند للمبادرة العربیة ولا یسقط حق الشعب الفلسطینی فی مقاومة المحتل لأرضه فی حدود الرابع من حزیران 1967، فالشعب الفلسطینی لا یرید صیغة توافقیة مؤقتة بین الأطراف المختلفة، بل یرید برنامج سیاسی واقعی یوافق علیه الجمیع، ویرید نظام سیاسی جدید یستوعب الآخر وفق قانون أساس یؤکد على التعددیة والدیمقراطیة والتداول السلمی للسلطة، ویحترم الفرد والجماعة، وحقوق الأقلیة والأکثریة، والحقوق المدنیة، ویؤسس لنظام قضائی مستقل بمعنى الکلمة، وبغیر ذلک فنحن نَجترُّ الصیغ القدیمة التی أثبتت فشلها، ونؤسس لشروط صراع داخلیة جدیدة، عنوانها التوافق على تقسیم الکعکة المفترضة!!!

الکاتب الفلسطینی فراس یاغی المدیر التنفیذی السابق لانتخابات المحلیة الفلسطینیة ویقیم فی رام الله )

 ن/25

 


| رمز الموضوع: 139458







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)