قراءة میدانیة فی مخطط محرقة غزة
وسعى الاحتلال لتهیئة الأجواء الإقلیمیة للمحرقة قبل إشعالها، عبر التصریحات لکبار المسئولین الإسرائیلیین، والتی کان آخرها تصریح ایهود باراک، وزیر الحرب الإسرائیلی، حول ضرورة تغییر الواقع الذی فرضته حماس فی غزة، وإرسال الولایات المتحدة الأمریکیة المدمرة الأمریکیة Uss cool إلى المیاه الإقلیمیة اللبنانیة، لشغل الأنظار عما سیحدث فی غزة أولاً، ولتوجیه رسائل تهدید لکل الأطراف التی قد تساند المقاومة الفلسطینیة، مثل سوریا وحزب الله وحتى الشعوب العربیة، مع تواطؤ فلسطینی رسمی، حین یتم التحریض بأن حماس أدخلت القاعدة فی قطاع غزة، وأنها تسعى لإقامة إمارة ظلامیة، وأن المقدمة لإنهاء الحصار الإسرائیلی على غزة، ضرورة وقف الصواریخ.
من خلال تحلیل مجریات العملیة، واستناداً لشهود العیان فی أرض المعرکة، یمکن قراءة الخطة التی کانت ستنفذ، حیث کان واضحاً أنها ستکون متدحرجة، تتطور یوماً بعد یوم، وصولاً إلى إنهاک المقاومة، واحتلال القطاع مؤقتاً لإنهاء حکم حماس فیه، ویبدو أن کل عناصر الخطة تم اختیارها بعنایة وعن دراسة مسبقة.
وإجمالاً، کانت الخطة تعتمد على دخول قوات خاصة بکثافة فی منطقة "عزبة عبد ربه"، للسیطرة على المنطقة وصولاً إلى شارع صلاح الدین غرباً، ومنها ستتجه شمالاً نحو بیت حانون وجنوباً نحو مدینة غزة وحی الشجاعیة بالتحدید ووصولاً لمفترق الشهداء (نتساریم)، والاتجاه غرباً حتى شاطئ البحر.
لیتم بذلک محاصرة شمال مدینة غزة، حیث تشکل مرکز الثقل السیاسی والعسکری الأکبر لحرکة حماس، ولیتم إنهاکها جویاً وإشاعة الفوضى الداخلیة من خلال العناصر العمیلة للاحتلال، التی تم ضبط بعض مجموعاتها، إذ کانت تعمل لتنفیذ هذا السیناریو، أما وسط وجنوب القطاع، فسیکون التعامل معه أسهل، إذا ما تم انهیار حکم حماس فی شمال غزة.
من الملاحظ أنه تم اختیار موقع العملیة بعنایة، وذلک لعدة اعتبارات:
ـ منطقة مرتفعة یمکن أن تکشف من خلالها کل قطاع غزة.
ـ الکثافة السکانیة قلیلة وأغلب الأراضی مکشوفة.
ـ منطقة ضعف عسکری للمقاومة، وإمکانیات المناورة فیها ضعیفة.
ـ الدخول من خلالها إلى عمق القطاع، والوقوف على أبواب أکبر تجمع سکانی فیه (معسکر جبالیا).
برغم کل التکنولوجیا التی تمتلکها إسرائیل، وعدد العملاء، یبدو أنها لم تکن تمتلک معلومات مهمة عن تحرکات المقاومة وتکتیکاتها، الأمر الذی أدى إلى إجهاض العملیة العسکریة الإسرائیلیة وإفشالها من بدایتها، وهی نقطة جوهریة تحسب للمقاومة، ولکتائب القسام على وجه الخصوص.
بدأت العملیة الساعة الثانیة عشر صباحاً من یوم الأربعاء الموافق 27/02/2008م، عندما اندفع مئات الجنود الإسرائیلیین من الوحدات الخاصة نحو مسرح العملیات.
® یبدو أن عملیة الرصد التی تقوم بها کتائب القسام، کانت ناجحة إلى حدٍ بعید، حیث تم تسهیل مهمة دخول القوات الخاصة فی بعض المحاور، لإیقاعها فی شرک تم نصبه فی المنطقة.
® بالفعل حدث ما تم التخطیط له من قبل المقاومة، ووقعت القوات الإسرائیلیة الخاصة فی الکمین، حیث تم إطلاق النار على القوات الإسرائیلیة من مسافات قریبة جداً، أدت إلى قتل وجرح الکثیرین منهم، بخلاف ما اعترفت به قوات الاحتلال.
® أوشکت المقاومة على أسر جنود إسرائیلیین، لولا کثافة النیران التی تعرض لها المقاومون من قبل طائرات الأباتشی، التی تدخلت لإنقاذ الموقف، لکنها لم تستطیع الهبوط لإنقاذ الجرحى، وأُجبرت على التقهقر، ومن ثم تم استدعاء الآلیات العسکریة من دبابات وناقلات جند، وقد استطاعت المقاومة أیضاً أن تتعامل معها من خلال تدمیر بعض هذه الآلیات.
® حجم الخسائر غیر المتوقع للاحتلال والصدمة التی تلقتها القوات الإسرائیلیة المتوغلة، دفعا قیادة الجیش لارتکاب مجازر ضد الأطفال والمدنیین الآمنین لموازنة خسائرها.
® ولما أدرکت الحکومة الإسرائیلیة، أن خطتها فشلت أمام بسالة المقاومة، خصوصاً بعد بث الصور المروعة التی بدأت تتسرب للإعلام عن المذابح التی یتعرض لها الأطفال، کان لا بد من إنهاء العملیة العسکریة، لحفظ ماء الوجه أمام الشارع الإسرائیلی، حیث أعلنت الحکومة الإسرائیلیة أن المرحلة الأولى من العملیة العسکریة قد انتهت، وأنها ستقوم بتقییم الموقف والنتائج قبل استکمال باقی المراحل.
هل هناک بقیة من مراحل؟ أم أنه الخروج بماء الوجه؟ وهل الاحتلال ذاهب إلى تهدئة المهزوم، خاصة بعد عملیة القدس الفدائیة؟
نحن فی الانتظار...
( المقال للکاتب الفلسطینی محمد عبدالله من غزة )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS