الموقف الامریکی المتوقع ضد القمّة العربیّة

قسم التحلیل والتعلیق ـــ القسم العربی فی و کالة قدسنا

ما إن اقترب موعد القمّة العربیة  فی العاصمة السوریة دمشق حتى انطلقت الإدارة الأمیرکیة بحرب شعواء ضد هذه القمة تحت مبررات عدیدة واهیة، حیث یبدو السبب الأبرز لذلک انعدام الحاجة الأمریکیة لها.

قبیل احتلال العراق ، کانت واشنطن بأمسّ الحاجة لتغطیة عربیة، فعملت بشتى السبل و الطرق  على جمع العرب فى شرم الشیخ لأخذ موافقتهم على احتلال العراق.. مع العلم أن هذا الاحتلال کان محل خلاف کبیر وکان من الطبیعى أن یکون بهذه الصفة سبب فُرقة لا محلّ وفاق واجتماع والتقاء فى قمة عربیة، ما اعتبر وقتها محکّا حقیقیا لقدرة الولایات المتّحدة على التأثیر فى القرار العربى و إستغلاله  لخدمة مصالحها حتى وإن تناقضت کلیا مع مصالح العرب، بل کانت على حساب أمنهم القومى ومصالح أقطارهم.. أما الیوم فلا تجد واشنطن مصلحة لانعقاد القمة العربیة فى دمشق وهى تعلم أن الملف الرئیس المطروح على طاولة أشغالها هو حلحلة المشکلة اللبنانیة.

قمة دمشق تستطیع أن تکون بامتیاز قمة التضامن العربى التى تعقد فى عاصمة تستلهم من تاریخها معانى التجذّر فى  الالتحام العربی ، وعلى أرض بلد وقف دائماً ممانعاً ومقاوماً للهیمنة الإسرائیلیة، ومتمسّکاً بالقرارات الدولیة، وفى ذات الوقت ملتزماً بالمبادرة العربیة التى طرحتها المملکة العربیة السعودیة، رغم قناعة قیادته بأن إعطاء إسرائیل أوراقاً مسبقة دون ضمانات هو سیاسة خاطئة. لکن سوریا من أجل التضامن العربى سارت فى المبادرة وهى مقتنعة بأن إسرائیل ستسقطها وهو ما حصل فعلا.

حرب واشنطن "الاستباقیة" على قمة دمشق بدأت مع عقد مؤتمر وزراء الخارجیة العرب حین جاءت کوندولیزا رایس إلى القاهرة لتفرض هیمنتها على المؤتمر المنعقد.

وإثر تحدید موعد القمة جاءت البوارج الأمیرکیة للضغط والتهویل. وما إن اقترب موعد الانعقاد حتى جاء نائب الرئیس الأمیرکى دیک تشینى إلى المنطقة لیهندس القرارات ولیدعو للتصلّب ومقاطعة القمة العربیة فى دمشق، وهى سیاسة أمیرکیة الهدف منها ضرب قوى الممانعة فى وجه مشروع الشرق الأوسط الجدید والذى من أبرز الأمثلة عن نتائجه الکارثیة العراق المقسّم والمدمر.

لقد اغتصبت الصهیونیة مدعومة بعواصم غربیة فلسطین بالقوة واحتلت أمیرکا العراق ودمرته، والوقاحة الأمیرکیة انها جاءت تطالب العرب  بتوقیع صکوک التنازل عن فلسطین والعراق، وان من یعارضها هو "إرهابی"، والوقاحة الأکبر أن من بین العرب من یعلن خضوعه لأمیرکا ویعلن ذلک بوضوح ویجارى الرکب الأمیرکى فى السیطرة على العالم العربی.

ثلثا نفط العالم موجودان فى العالم العربى وأمیرکا بأمسّ الحاجة لهذه الطاقة، ومع ذلک لا یأخذ العرب دورهم فى العالم، فالعولمة على حسابهم، ورسامیلهم تُستثمر فى نیویورک وتبلعها البورصات هناک، ومداخیل الضرائب على النفط التى تحصل علیها دول أوروبا وأمیرکا أکثر من سعر النفط ومداخیل الدول العربیة، مع العلم أن العرب یستطیعون التفاوض مع أمیرکا على ذلک من منطلق الحاجة الأمیرکیة الماسة للنفط.

عالم عربى غنى بطاقاته البشریة وبثرواته الطبیعیة وبموقعه الجغرافی، ومع ذلک یخضع لأمیرکا، وتحاول أن تدیره رایس مع تشینى اللذان یشنان حرباً على قمة العرب فى دمشق التى تریدها الإرادات العربیة الخیّرة قمة تضامن عربی.. وهذا التضامن بنظر أمیرکا "جریمة منظّمة" ضد مخططها وضد مشروع الشرق الأوسط الجدید.. ومن ثمّ فالحرب على القمة العربیة دائرة رحاها.

لکن، ورغم کل ذلک ستعقد القمّة العربیة وفى موعدها ومکانها المحددین، وهذا فى ذاته هزیمة لأمیرکا.. لکن یبقى العرب مطالبین بالحد الأدنى من التضامن فى ما بینهم بدل الخضوع الأعمى لواشنطن.

الشعوب العربیة تنتظر ذلک من قیاداتها، وقمة دمشق ستخرج منتصرة، وکما انهزمت واشنطن فى العراق وتنهزم کل یوم ستجد نفسها مهزومة أمام قمة دمشق. ولا یکون ذلک إلا بتضامن عربى حقیقى واتخاذ قرارات حاسمة فى مستوى مصیریة المرحلة التى تجتازها الأمة العربیة.

ن/25