حدث فی فرنسا والسبب "تجاوز المهمة" وانتقاد "إسرائیل"
ما کادت تهدأ الضجة الکبیرة حول استقبال “إسرائیل” ضیف شرف فی معرض الکتاب الفرنسی، حتى بدأت فرنسا تعیش على وقع قضیة جدیدة تمس “إسرائیل” مباشرة، تتمثل فی قیام وزیرة الداخلیة میشیل ألیو ماری بعزل مسؤول کبیر، هو نائب محافظ منطقة سانت فی جنوب غرب فرنسا، بعد نشره مقالاً على موقع اسلامی فرانکوفونی یوجه النقد لـلکیان الصهیونی ( اسرائیل ) ، بوصفها “الدولة الوحیدة التی یقتل فیها قناصة فتیات صغیرات لدى خروجهن من المدارس” . وکان بذلک یرد فیه على مقال نشره عدد من المفکرین الفرنسیین الذین یوصفون بأنهم من “المحافظین الجدد”، فی صحیفة “لوموند” فی شباط/فبرایر الماضی انتقدوا فیه انتقادات منظمات حقوق الانسان ل”إسرائیل” .
الکاتب هو نائب المحافظ " برونو غیغ " خریج المدرسة العلیا للادارة، التی تخرج کبار مسؤولی الدولة، وسبق له ان نشر کتباً منها “الشرق الاوسط: حرب الکلمات” . والمقال الذی أثار الضجة نشر فی الثالث عشر من الشهر الحالی على موقع “أمة .کوم” الالکترونی المختص بالحوار باللغة الفرنسیة، والذی یستقبل اکثر من ستة ملایین زائر سنویا .أثار قرار عزل الموظف ضجة اعلامیة کبیرة فی فرنسا، ذکرت بتلک التی قامت من حول الهجوم الذی تعرض له قبل سنوات الکاتب الفرنسی باسکال بونیفاس بسبب مقال نشره فی صحیفة “لوموند” تحت عنوان “هل من المسموح انتقاد “إسرائیل” فی فرنسا؟” . وحسب تقدیرات اعلامیة فان مقال غیغ جرت اعادة نشره فی اکثر من مائة موقع الکترونی، وبقی على مدى یومین مثار أخذ ورد بین مؤید ومعارض، فی الوقت الذی تمسکت فیه السلطات الرسمیة بموقفها القائل ان عزل الموظف المذکور لم یأت بسبب محتوى مقاله بل بسبب “تجاوز شروط مهمته” . وفی ما یلی المقال الذی هو عبارة عن سجال مفتوح مع المثقفین المشار الیهم اعلاه:
فی رکن “وجهة نظر” لیوم 27 شباط/فبرایر 2008 فتحت جریدة “لوموند” بأریحیة أعمدتها لنصّ بهستیریا لفظیة وبسوء نیة لا حدّ لهما . الاتهامات التی نطق بها حیال مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة، کاذبة جداً الى درجة أن قائمة المُوقّعین لا تلطف بالکاد من ذهولنا: باسکال بروکنیر، آلان فینکلکروت وکلود لانزمان، ایلی فیزیل وبییر-أندری تاغییف وفریدیریک اینسیل . نستطیع بسهولة أن نکمل القائمة الى درجة أن الحضور الدائم للمثقفین العضویین للوبی الداعم ل”إسرائیل” أصبح مألوفا بالنسبة لنا . العنوان جاء واضحاً، لا لبس فیه، لهذه الکتابة النثریة التی تمتلئ حقداً تشکل برنامجا بأکمله: “منظمة الأمم المتحدة ضد حقوق الانسان” .
ومن السطور الأولى یمکننا أن نقرأ فیها هذا النداء القلق: “هل ستشهد سنة 2008 فی آن واحد، الذکرى الستین للاعلان العالمی عن حقوق الانسان من قبل الأمم المتحدة وتدمیر هذه المبادئ عن طریق الأمم المتحدة نفسها؟ کل شیء یدفع الى التخوّف منه، کثیرا منذ سنوات بسبب انحرافاتها . الأمم المتحدة تقدّم صورة هزلیة/مشوهة عن نفسها” .
لا محالة، فان القارئ غیر المجرب سیصاب بالذعر: هل أصبحت هذه المنظمة الدولیة، بصفة مفاجئة، انتحاریة؟ لکن لحسن الحظ فان ما جاء بعد یضیء لنا على الفور الانشغالات العمیقة للموقعین: “فی دوربان، بجنوب إفریقیا، انعقد سنة 2001 المؤتمر العالمی ضد العنصریة بمبادرة من الأمم المتحدة . باسم حقوق الشعوب تم تردید عبارات: “الموت لأمریکا” و”الموت ل”إسرائیل””، وباسم هذه النسبویة الثقافیة یتم الصمت على التمییز والعنف الذی یطال النساء” . أیة علاقة توجد ما بین الجیو-سیاسة فی الشرق الأوسط، التی تظهر فی دعوات محاربة الولایات المتحدة و”إسرائیل” وقمع النساء الذی یأتی لیکفل “النسبویة الثقافیة”؟ لا یوجد على الأرجح . ولکن الخلط ما بین الموضوعین یقدم فائدة سجالیة تقترح تنافسا ضارا وخطیرا بین الضحایا: أنتم الذین تقومون بادانة “إسرائیل” والولایات المتحدة لا تقولون شیئا عن معاناة النساء اللواتی یتعرضن للاضطهاد فی البلدان الاسلامیة . انها لازمة مزموریة أصبحت مألوفة فی البلاغة اللوبیة (من اللوبی)، انها تتیح صرف القارئ الغربی عن نقد السیاسة الأمریکیة أو “الإسرائیلیة”، من خلال تثبیت انتباهه على مشکل داخلی للمجتمعات الشرق الأوسطیة . غیر أن هذا التقارب السجالی ما بین الموضوعین، یثیر الضحک . فالعربیة السعودیة حیث الحجاب ضروری وحیث تُمنع النساء من قیادة السیارات هی الحلیف التاریخی للولایات المتحدة فی المنطقة . أما فیما یخص نظام الطالبان الظلامی فقد رأى النور، برعایة وکالة الاستخبارات الأمریکیة التی أعارت معسکراتها للتدریب على التراب الأمریکی لمقاتلی الملا عمر . وفی المقابل لم یَحْظَ العراق وسوریا البعثیان، وهما الأقرب الى المعاییر الغربیة فی میدان شرط المرأة، بنفس المراعاة . الأول تم سحقه بقنابل الولایات المتحدة والثانی تم وضعه ضمن “الدول المارقة” . لکن على الرغم من کل هذا فان مناصری السیاسة الأمریکیة فی الشرق الأوسط یعتقدون أن من حقّهم اعطاء الدروس فی موضوع تحریر المرأة .
بالاضافة الى أنه فی ما یتعلق بالأمم المتحدة فنحن لن نندهش قط من مثل هذا الحقد من قبل الناطقین الرسمیین للمحافظین الجدد الفرنسیین . لأن قرارات مجلس حقوق الانسان، مثلما هو شأن تصریحات المجلس العام، بالأمس، تجرأت على التندید بالقمع “الإسرائیلی” فی فلسطین المحتلة . الدول ال 47 المنتخبة تستفید من التساوی فی التصویت . اذن فالحساسیة التی تم التعبیر عنها تعکس رأی الأغلبیة التی لا ترى أی فائدة فی تقدیم کفالة للاحتلال العسکری للأراضی العربیة . فلیطمئن، مع ذلک، متملقو “إسرائیل”: هذه القرارات تظل قرارات رمزیة، لتعذر تنفیذها . لکن الأمر لا یکفیهم، یتوجب علیهم أیضا الوسم والتندید بالمبدأ من خلال استخدام بذیء للافتراء . وهو ما یتصدى له، بحنق، الموقعون .”ان التکتلات والتحالفات تتشکل، کما إن الخطابات تُعْقد، والنصوص یتم التفاوض علیها والاصطلاحات المستخدمة تفنی حریة التعبیر وتُشَرْعِن اضطهاد النساء وتنتقد الدیمقراطیات الغربیة، کل هذا من خلال میکانیزماتها الداخلیة . ان لجنة حقوق الانسان أصبحت ماکینة حرب أیدیولوجیة موجهة ضد مؤسسیها الرئیسیین . انّ هذه البلاغة السیاسیة، التی تتجاهلها وسائل الاعلام، یوما بعد آخر، اجتماعا بعد آخر، قرارا بعد آخر، صُنعت من أجل منح شرعیة للانتقال الى الفعل والى مختلف أشکال العنف، غدا”، نتردد فی منح الوصفة، هل یتعلق الأمرُ بِذُهان هذیانی أم بأثر بعلم الهوس الشیطانی الغربی؟ الیقین الأول هو أن هذه الاتهامات العنیفة ضد الجرائم الشنعاء غیر الموجودة تشهد على ابتکاریة غیر مسبوقة . مجلس حقوق الانسان للأمم المتحدة یرید: “ابادة حریة التعبیر”، نتساءل لماذا وکیف؟ لکن تساؤلاتنا تظل من دون جواب . الموقعون السجالیون یعلنون: “قتل کونیة الحقوق” من قبل الأمم المتحدة نفسها، لکن هذه “الموت” المعلنة تظل محاطة بهالة من اللغز . لا تأتی أی اشارة فی قرارات مجلس حقوق الانسان لتأیید هذا الاتهام، ومنتقدو الأمم المتحدة یدینون أفکاراً مفترضة بعنف متناسب عکسیا مع الأدلة التی یقدمونها . انهم یفضلون، بشکل واضح، التحدث مکانها بالالتجاء مباشرة الى التعلیق الذی کان یُفْتَرَض أن یکون . بمثابة استشهادات، علینا أن نکتفی بکلمات مختصرة ذات الأسلوب غیر المباشر، ومن دون أقواس، التی یمکن ان یکون قد تلفظ بها دودو دیین، المقرر الخاصّ حول العنصریة والتمییز العنصری وکره الأجانب لدى الأمم المتحدة . یمکن للمثقف السنغالی أن یکون قد صرّح أنّ “التلفظ بانتقاد ضد ارتداء البرقع یشکل اعتداء عنصریاً، وأن العلمانیة مترسخةٌ فی ثقافة استعبادیة وکولونیالیة، وأن القانون الفرنسی ضد حمل العلامات الدینیة فی المدارس یساهم فی عنصریة معادیة للمسلمین” .
المشکل الوحید هو أن هذه الاستشهادات غیرُ موجودة . واذا کانت التلفظات تثیر اعتراضات، مع افتراض أنه تم التصریح بها . ولا یتطلب الأمر سجالا فظّا حول استشهادات لا وجود لها: لأنّ التصرف یدین أصحابه . فضلا عن ذلک، فان الاستشهادات الوحیدة التی کان على أیدیولوجیی صحیفة “لوموند” أن یقدموها کدعامة لأطروحاتهم، هی اسشتهادات مجلس حقوق الانسان نفسه . لکنهم تجنبوا فعل ذلک . وقدموا تأویلاتهم المُغرِضة مکان تفکیر الآخرین، وخطبوا باسهاب من خلال اعتبار تهویماتهم حقائق: یؤکدون أن “الغموض فی منتهاه، حین یُعْتَبَر کلُّ نقد للدین موقفا عنصریا” .
لکن من أین جاءت هذه الفکرة؟ من أدلى بها؟ لا أحد یعرف الأمر . لکن فی المقابل، یستطیع کل من یشاء ذلک التثبت مما أعلنه مجلس حقوق الانسان بخصوص المسألة الدینیة . یکفی قرءاة المَحَاضِر الرسمیة للدورات الستّ المجمعة منذ انشائه سنة 2006 . فی 30 مارس/آذار ،2007 تبنى مجلس حقوق الانسان قرارا “حول مکافحة کل قدح بالدیانات” . هذا النصّ یلح على “حق کل واحد فی حریة التعبیر، الذی یجب أن یمارَس بطریقة مسؤولة ویمکن بالتالی أن یخضع لقیود، یقررها القانون، وضروریة لاحترام الحقوق أو سمعة الآخرین، حمایة الأمن القومی والصحة أو الأخلاق العمومیة، واحترام الدیانات والقناعات” . ان هذا النص، على مستوى المبادئ، لا یختلف فی شیء عن القانون الوضعی المعمول به فی معظم الأقطار، والدول الغربیة نفسها أحاطت ممارسة حریة التعبیر ببعض الحدود القضائیة .
فی فرنسا، الاعتراف بحریة التعبیر لا یجرّ أی حق للفرد فی التشهیر بجاره، لأن کل شتیمة تظهر تمییزاً عنصریاً أو دینیاً یعاقب علیه القانون، وبعض الاجراءات التشریعیة کان من أثره اعلان حقیقة رسمیة على وقائع تاریخیة .من الطبیعی أن فحوى هذا القرار لمجلس حقوق الانسان لیست لا مبالیة عن السیاق السیاسی المرتبط ب”الحرب ضد الارهاب” التی أعلنتها واشنطن . “یعبر المجلس عن انشغاله من صُوَر الکلیشیهات السلبیة عن الدیانات ومن مظاهر عدم التسامح والتمییز تجاه المعتقد أو القناعة . کما إنه یعلن، عن انشغاله العمیق من المحاولات التی ترید ربط الاسلام بالارهاب والعنف والانتهاکات لحقوق الانسان . انه یشیر بقلق بالغ الى اشتداد حملات التشنیع ضد الدیانات والاشارة الى الأقلیات الاسلامیة وفق ممیزات اثنیة ودینیة منذ الأحداث المأساویة فی 11 سبتمبر/ ایلول 2001” .
ان تبنی هذا النص جُوبِهَ بمعارضة الدول الغربیة، التی أصبحت أقلیة فی التصویت النهائی . ولا توجد دولة غربیة واحدة قرأت فی النص خطرا قاتلا للحضارة الکونیة، التی یدینها موقعو هذا النص الهجائی المعادی للأمم المتحدة .
وقد لاحظت ممثلة ألمانیا، باسم الاتحاد الأوروبی، أنه کما جاء فی تقریر دودو دیین، فان التمییز المؤسس على الدین لا یهم فقط الاسلام ولکن أیضا الیهودیة والمسیحیة والدیانات والمعتقدات القادمة من آسیا، بالاضافة الى الأشخاص الذین لا دین لهم . کما أنها أشارت أیضا الى أنه من الاشکالی التفریق ما بین التمییز المبنی على الدین وأشکال التمییز الأخرى . ورأت أن استخدام تعبیر التشهیر غیر مناسب مقترحةً أن یرکّز النص على حریة التدین أو القناعة .
أن یکون هذا النقاش یشهد على اختلاف حساسیات حول المسائل الدینیة بین بلدان من المؤتمر الاسلامی وبلدان غربیة فهو مسألةٌ بدهیّة . وهذا یستحق تأملاً حول العلمنة النسبیة للمجتمعات المعنیة والاحالة الصریحة فی البلدان الاسلامیة الى القیم الدینیة . ولکن هذا التأمل لم یلامس حتى عقول الموقعین الوقحین، الذین لعدم قراءتهم للنصوص التی یشیرون الیها بصفة عائمة، من خلال تشویه ارادی لمعناها، یرفضون مناقشة حجج الآخرین بطریقة عقلانیة، ویفضلون ادانتها وهم یتخیلون مسرحة بذیئة تضع على الخشبة أشخاصا حقیقیین . مسرح الدمى، هذا، فجأة یحلّ محلّ لائحة بیّنات البیع .
هکذا تهجّم موقعو البیان بعنف على لویزا أربور، المفوضة السامیة لحقوق الانسان للأمم المتحدة: یدینونها لکونها “شارکت فی مؤتمر فی طهران مکرس لحقوق الانسان والتنوع الثقافی . وقد ارتدت الحجاب، کما تفرضه قوانین الجمهوریة الاسلامیة، لقد کانت المفوضة السامیة شاهدا سلبیا للاعلان عن المبادئ القادمة، التی تم تلخیصها فی: الهجوم على القیم الدینیة یعتبر عنصریة . الأسوأ من هذا، هو أنه عشیة هذه الزیارة، تم شنق 21 ایرانیا، ومن بینهم العدید من الأحداث . وفی حضورها جدد الرئیس أحمدی نجاد دعوته الى تدمیر “إسرائیل”” .
یعلقون بأن “الکلب فی بیته سلطان . الدکتور غوبلز هو الذی استخدم هذه الحجة الانتهازیة، أمام عصبة الأمم سنة ،1933 کی یتخلص من کل انتقاد من قبل مؤسسة دولیة عاجزة” . نتصور أنفسنا أمام حلم . لأن القیاس بالقیاس، یبدو التشابه مثیرا جدا ما بین الرایخ سنة 1933 والدولة العبریة التی تنتهک القانون الدولی منذ ،1967 ومثل سابقه القصی، فان “إسرائیل”، هی أیضا، “تتملص من کل نقد یأتی من مؤسسة دولیة قویة” . وان کانت تفعل ما تفعل، فمن أجل غزو أفضل “لمجالها الحیوی من البحر الى غور الأردن”، حسب المعادلة التی استخدمها ایفی ایتمان وزیر أرییل شارون، سنة 2002 .
“الجرائم السیاسیة الکبرى کانت دائما تحتاج الى کلمات لتمنحها الشرعیة . الکلمة تعلن الانتقال الى الفعل”، هکذا یتفلسف الموقعون . هم لیسوا مخطئین: فی 29 شباط، أشهر نائب وزیر الدفاع “الإسرائیلی” ماتان فیلنای تهدید “المحرقة” ضد الفلسطینیین قبل أن یعلن بدء الحملة الدامیة على غزة والتی أدت الى سقوط 110 ضحایا فی اسبوع . ان الدول العبریة اجتازت، حتى ولو اقتضى الأمر مخالفة أحد المحرمات، حدا معنویا، قبل أن تطلق قوتها العسکریة: “انها انتقلت من الکلمة الى الفعل” . ولکن الأفضل تم الاحتفاظ به للنهایة . “الأیدیولوجیات التوتالیتاریة حلت محل الدیانات . جرائمها ووعودها التی لم تنفذ فی مستقبل مشع فتحت الطریق لعودة الربّ الى السیاسة . ان 11 سبتمبر ،2001 أکبر جریمة ارهابیة فی التاریخ، جرت بعد بضعة أیام من مؤتمر دوربان، تم تنفیذها باسم الربّ” هل کان الأمر یتطلب جرأة من قبل الموقعین کی یربطوا ما بین 11 سبتمبر وقرارات مجلس حقوق الانسان؟ صحیح أننا أمام متخصصین .
یقولون: “عودة الرب الى السیاسة” . مثقفونا یعرفون جیدا عما یتحدثون عنه: ألیست “إسرائیل”، بلدا دینیا بامتیاز؟ یؤکد تیودیور هیرتزل: “اذا کانت المطالبة برکن من الأرض شرعیة، فان کل الشعوب التی تؤمن بالکتاب المقدس یجب علیها أن تعترف بحق الیهود” . تم ارساء الأمر من وجهة نظر توراتیة، ومن هنا فان شرعیة الدولة “الإسرائیلیة” مسألة مبدئیة: النص المقدس یأخذ مکان المِلْکیة . ان عودة الیهود الى أرض “إسرائیل”، فی نظر الصهاینة المتدینین، مندرجة فی محکیّ العقد نفسه . ان الاستیلاء على الأرض التی منحها الربّ للیهود یشکل جزءا من مخطط الهی، وسیکون مخالفاً له التخلی عن هذا القربان . فجأة، لیس من مجال لأی حل وسط، مع العرب . فی سنة ،1947 أکد الحاخام الأکبر لفلسطین الوضعیة الثیولوجیة لدولة “إسرائیل” القادمة .
“انها قناعتها القویة، أن لا أحد ولا فرد ولا سلطة مؤسسة، تمتلک الحق فی تغییر وضعیة فلسطین التی أرساها الحق الالهی” . الجنرال ایفی ایتمان، رئیس الحزب القومی الدینی یشرح بدوره سنة 2002: “نحن الوحیدون فی العالم، الذین نرتبط بحوار مع الربّ باعتبارنا شعبا، ان دولة یهودیة، بشکل حقیقی، سیکون لها کأساسٍ الأرض، من البحر الى غور الأردن، التی تشکل المجال الحیوی للشعب الیهودی” . على الأقل، هذا التصریح واضح .
النتیجة أنه لا شیء یثیر الاندهاش، فی أن یکره اللوبی الموالی ل”إسرائیل” الأمم المتحدة: ان میله الغریزی نحو الحق الدولی متناسب عکسیا مع افتتانه بالحق الالهی . صحیح أن الواحد مؤید جدا ل”إسرائیل” الکبرى من الآخر . ان صدم قرارات الأمم المتحدة بالتوراة یتعلق باستثمار فکری وبمعجزة سیاسیة: وقد فعلت “إسرائیل” ذلک . بالنسبة للموقعین: “باسم الربّ ارتکبت أکبر جریمة ارهابیة فی التاریخ” . لیست مغلوطة هذه الحقیقةُ، بشرط أن ندرجَ فی التحلیل الدولةَ العبریة، هذا الشیء الاصطناعی الذی شید بملقط الولادة على رکام فلسطین باسم التوراة والمحرقة .
فی ما یخص ارهاب الدولة، فان دولة “إسرائیل” یمکنها أن تتباهى بقائمة جوائز خارج السباق . ان الهجمات الشنیعة فی 11 سبتمبر تسببت فی ضحایا أقل من حصار بیروت من قبل الجیش “الإسرائیلی” سنة ،1982 وان المعجبین الغربیین ب”إسرائیل” علیهم بالتأکید أن یحسوا بالانتشاء من مآثر جیش قادر بسهولة على قتل أطفال بالصواریخ . یجب علیهم أن یذوبوا من الاعجاب أمام السجون “الإسرائیلیة”، حیث بفضل القانون الدینی، نتوقف عن تعذیب السجناء یوم السبت . دولة “إسرائیل” تستحق هذا الکم الهائل من المدیح الذین یکیله لها المثقفون العضویون على طول أعمدة الصحیفة . وأی تکبّر، یدفع الأمم المتحدة الى حشر أنفها القذر فی الشؤون الداخلیة “الإسرائیلیة” .
على منوال الافتراءات الفظیعة، فان الاتهامات المنشورة فی صحیفة لوموند بتاریخ 27 شباط انتشرت على الشبکة . وأدّت فی بعض المدونات الى اثارة تعلیقات حاقدة لا نتجرأ على ذکرها . لقد تم وصف دودو دیین بأنه “المدافع عن طائفة منتهکی أعراض الأطفال وعن عبدة الحجر” . نقرأ فیها: “منذ الغزو الاسلامی فالهلال الخصیبُ أصبح هلالا عقیما، والحضارة هاجرت الى الغرب” . وفی ما یخص الأمم المتحدة، کتب أحدهم فی الشبکة ملخصا على طریقته المقال المنشور فی صحیفة لوموند: “الأمم المتحدة هی خلطٌ من الأوغاد الاسلامویین والعالم ثالثیین” . ما الذی ننتظره لازاله الأمم المتحدة؟ سیکون الأمر أکثر سهولة . اسلاموفوبیا معلنة، الحقد على العالم العربی، عجرفة غربیة مذهلة، کل شیء یجد مکانه . انها عملیة ناجحة، سیداتی سادتی المثقفون العضویون . " برونو غیغ "
ب / ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS