ماذا زرعت رایس فی المنطقة بزیارتها الاخیرة؟
وزیرة الخارجیة الأمریکیة الآنسة أو الدکتورة کوندولیزا رایس تعود إلی المنطقة فی زیارة تشمل إسرائیل والأردن والأراضی الفلسطینیة المحتلة تلتقی خلالها العاهل الأردنی الملک عبد الله الثانی بالإضافة إلى کبار المسؤولین الفلسطینیین والإسرائیلیین وعلى رأسهم رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس ورئیس الوزراء الإسرائیلی ایهود اولمرت، زیارة الآنسة رایس تعتبر الثانیة خلال هذا الشهر.
لا أعرف إن کانت عملیة التوقیت للزیارة مخططة لأن تکون بهذا الشکل أم أن الأمر کان محض صدفة ـ ولا أعتقد أن أمریکا تتحرک هکذا على طریقة العربان یا الله وتوکلنا علی الله ـ أی بانشغال العربان فی مؤتمر قمة دمشق، خاصة وأن الجهود الأمریکیة التی سبقت القمة من أجل إجهاضها أو إفشالها ومنع حدوثها کانت قد انتهت عملیا. زیارة رایس حدثت بدون إثارة زوبعة أو کثیر اهتمام کما یحدث فی کل مرة تقرر سیدة الدبلوماسیة و الأمن الأمریکیة أن تشرفنا بها.
الهدف من الزیارة بحسب التصریحات الصحافیة التی أدلت بها الوزیرة رایس هو أنها تتوقع من الجانبین اتخاذ خطوات ذات مغزى فی المجالین الأمنی والاقتصادی، وکذلک بحث قضایا تتعلق بالضفة الغربیة وخاصة تلک المتعلقة بتوفیر حیاة أفضل لسکان الضفة الغربیة من حیث حریة الحرکة .
رایس قالت کذلک بأنها لا تنوی إن تقوم بالضغط أو زرع الأفکار لأن الفرقاء یقومون بعمل کثیر وإنها ترید التحدث إلیهم لمعرفة کیف تسیر الأمور .
وهی حاولت لا بل تماهت إلى حد کبیر مع الزائر الأمریکی الذی سبقها إلى المنطقة قبل اسبوع ـ نائب الرئیس الأمریکی دیک تشینی الذی کان قد أطلق تعهدا بأن لا تتخلى أمریکا عن أمن إسرائیل ـ رایس وخلال مؤتمرها الصحافی مع زمیلتها لیفنی قالت إن على الفلسطینیین أن یساهموا فی تحسین الأوضاع الأمنیة بالنسبة لإسرائیل ، أی أنها تقول بأن لا مجال لتحسن على أی مستوی بالنسبة للفلسطینی إن لم یتحسن الوضع الأمنی بالنسبة للإسرائیلی ـ مفارقات عجیبة ـ !
الوزیرة أو الدکتورة رایس وصلت کذلک بعد أن تم کیل الاتهامات الکثیرة لمؤتمر أنابولیس الذی جرجر العرب کلهم وبلا استثناء ـ یعنی مفیش حد أحسن من حد فی هذا الموضوع ـ هذا المؤتمر الذی نظر له بوش ـ وکما هی عادته فی سوق الأباطیل ـ وکل التابعین له على أنه سوف یکون بمثابة المخلص والمنقذ لکل ما یحدث لیس فی فلسطین فحسب وإنما فی المنطقة ککل، والنتیجة وکما یعلمها الجمیع کانت عملیا صفر، وقد تحدث السید عمرو موسى فی افتتاح القمة عن الموضوع بشکل فیه الکثیر من الحکمة والدروس لمن یشاء أن یعتبر وأن العرب ـ انضحک على لحاهم فی أنابولیس ـ بمعنی أن کل الذی حدث لم یکن سوى تطبیع مجانی.
ورایس شرفت إلى المنطقة وهی تعلم علم الیقین بان إسرائیل لم تتحرک قید أنملة إلى الأمام فی کل ما یتعلق بالالتزامات التی یجب أن تنفذها فیما یخص خارطة الطریق التی صارت أیضا شبه میتة، فإسرائیل تعلن باستمرار عن سیاسة استیطانیة لا یمکن أن تکون ضمن أجندة دولة ذاهبة إلى السلام، بل إلى مزید من هضم حقوق الآخرین، ولا تتوقف عن إدارة الظهر لکل المطالب الفلسطینیة أو العربیة والدولیة بوقف هذه السیاسة التی لن تبقی فی النهایة أی شیء للفلسطینی من أجل التفاوض علیه.
الفلسطینیون لیسوا بحاجة إلى من یمنّ علیهم بکلام معسول فیما هو یقوم بتزوید دولة الاحتلال بکل أدوات القمع المستعملة فی الفتک بأطفالهم ونسائهم وشیوخهم لیلا نهارا وفی کل مکان من الأرض الفلسطینیة، وهم کذلک لیسوا بوارد الاقتناع بهذا الإحساس الإنسانی المفاجئ الذی تبدیه الآنسة رایس تجاه الفلسطینیین، خاصة وأن الولایات المتحدة الأمریکیة هی التی تقوم بالتغطیة على کل الجرائم التی تقوم بها دولة الاحتلال، وهی التی تمنع مجرد الإدانة لکل الجرائم الإسرائیلیة فی الأراضی الفلسطینیة بکل ما فیها من وحشیة وبربریة، وهم کذلک لیسوا بحاجة إلی تخفیف القیود التی صارت جزءا لا یتجزأ من حیاتهم ویمکن القول إنهم تعودوا علیها وبالتالی أقلموا أنفسهم معها.
لا نعتقد أن زیارة الوزیرة رایس التی قیل إنها محاولة من أجل التحضیر والاستطلاع تسبق الزیارة التی سوف یقوم بها الرئیس الأمریکی جورج بوش تخرج عن إطار الزیارات التی تقوم بها رایس وغیرها من المسؤولین الأمریکیین إلی المنطقة من اجل الدعایة الانتخابیة أولا، ومن أجل التأکید علی السیاسة الأمریکیة الداعمة لوجهة النظر الإسرائیلیة وأن لا خروج على تلک السیاسة ثانیا وهی على أیة حال تصب فی الاتجاه ذاته.
الحدیث عن أن هذه الزیارة تأتی من أجل تعزیز ما أراده جورج بوش فیما یتعلق بحل الدولتین، فإن لا أحد یمکن أن یقتنع بهذا الهراء ، خاصة وأن الأیام والشهور تسیر بدون أن نلمس على الأرض ما یعزز مصداقیة الولایات المتحدة فی هذا الشأن، لا بل على العکس من ذلک فإن دولة الاحتلال تقوم بکل ما هو مغایر ومعاکس تماما لتلک الرؤیة وخاصة فیما یتعلق بفرض الحقائق على الأرض، ولا نعتقد أن الفترة المتبقیة من فترة السید بوش الثانیة کافیة أو کفیلة بأن تحدث التغییر المطلوب فی الموقف الإسرائیلی خاصة وأن هذا الموقف لم یتغیر على مدى عشرات السنین.
( المقال للکاتب والصحفی الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS