400 ملیون لبناء جدار بین مصر وغزة: ألیس خبز الشعب المصری اولی؟
الشعب یتظاهر طلباً للخبز والشرطة ترد بالقنابل المسیلة للدموع والحجارة. هذا ما کان عنواناً سائداً على کافة الفضائیات تقریباً عشیة الاضراب فی مصر. الکامیرات التلفزیونیة تجمعت فی المحلة حیث التجمع العمالی الأکبر والذی یبلغ حوالی 750 ألفاً، ومن هناک شاهدنا الکثیر من المتظاهرین یحمون رؤوسهم بأیدیهم من الحجارة المتساقطة علیهم، أو هم یعملون لاقفال جروحهم منعاً لمزید من نزف الدماء. هکذا تکون الشرطة فی خدمة الشعب. من مصر الى کافة البلدان العربیة نموذج واحد للشرطة وکأنها هیکلیة بعیدة عن المعاناة، أو ربما هی حصلت على زیادة فی الأجور بخلاف بقیة الشعب وکان علیها أن ترد الجمیل للسلطة التی کرمتها. مشهد یشبه الأفلام وصلنا من المحلة ومعه تأکدنا أن الأنظمة تعیش فی وادٍ والشعوب فی وادٍ آخر، لیس فی مصر فقط بل على امتداد هذه الأمة التی ابتلاها الله بحکام همهم الوحید الحفاظ على عروشهم ومن ثمة توریثها بالتی هی أحسن.
ومن فلسطین وصلنا بالأمس خبر یفید باستقواء السلطة على المعلمین الذین أعلنوا الاضراب طلباً لرفع الأجور. والسلطة هناک لم تستعمل سلاح القمع، بل استعملت سلاحاً فتاکاً آخر وهو حسم من الراتب مقابل کل یوم اضراب. وان لم تکن السلطة فی فلسطین المحتلة قادرة على تعزیز وضع المعلم فما هی مهماتها؟ وهل یقتصر حضورها على حمایة الفساد؟ لقد عُرف الشعب الفلسطینی قبل النکبة وبعدها بتمیزه بالعلم الذی وجدت فیه العائلات نوعاً من التحدی للاقتلاع القسری من الأرض والوطن، ونوعاً من اثبات الذات. وهکذا أقبل هذا الشعب على طلب العلم أینما کان فی الشتات، داخل وطنه أو خارجه. ومنذ ان وجدت السلطة فی فلسطین المحتلة ونحن نراقب على مدار السنوات وجود مطالب مشروعة للمعلمین. وربما هم یترحمون على الأیام التی کانت فیها وکالة الأونروا تدیر شؤون مدارسهم ورواتبهم.
هذا بعض مما تنقله الشاشات عن سلطاتنا العربیة، فهی تتوحد ضد شعوبها سواء أکانت سلطات ترزح تحت احتلال مباشر، أو سلطات ترزح تحت احتلال فکری ونقدی غیر مباشر. وهی بشکل عام سلطات تعودت على الفساد، وتُخضع ذاتها لشروط البنک الدولی وصندوق النقد الدولی، ومن المؤکد أنها سیاسات اقتصادیة غیر انسانیة ستجلب الوبال على من یُطأطِئ الرأس لها.
وفی مقلب آخر من نشرات الأخبار خبر مفرح للغایة. السلطات المصریة بدأت بناء جدار عند حدودها مع قطاع غزة. ولم لا؟ وأهل هذا القطاع ما زالوا یبدون قلة انضباط وممانعة فی عدم الانتظام ضمن قطیع التنازلات . وبالتالی یفترض تأدیبهم وحصارهم حتی الامتثال والاذعان أو الموت جوعاً وعطشاً ومرضاً. 400 ملیون دولار هی کلفة بناء هذا الجدار بین الأخ وأخیه، ارضاءً لحسن الجوار مع اسرائیل وتنفیذاً للسیاسة الأمریکیة بضرورة اخضاع القطاع وأهله. ألم یکن من الأجدی أن تصرف هذه الملایین لتأمین الرغیف للشعب المصری؟ ألم یکن من الأفضل أن تصرف هذه الأموال لتأمین احتیاجات أهل القطاع الانسانیة؟
جدار بین غزة ومصر، هو جدار سلطة، ولیس جداراً بین شعب وشعب شقیق. فالشعوب تعرف أنه من الصعب التفریق بینها، أقله على صعید المشاعر والمبادئ. فلتصرف السلطات أموالها هباءً، ولتسجل فی تاریخها مساهمتها المباشرة فی خنق غزة وأهلها. والتاریخ لا یرحم.
الی فلسطین نعود مجدداً لنقرأ فی الصورة التی وصلتنا عبر الشاشات عن لقاء رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس ورئیس وزراء العدو ایهود أولمرت. هی صورة لا تحمل أی وجه شبه مع مشاعر الشعب الفلسطینی أو حتى الشعوب العربیة المؤمنة بعدالة القضیة فی لقاء عدو مسؤول عن مآسینا على مدی 60 عاماً. لا شک بأن کل ناظر الی هذه الصورة بتمعن یدرک أن عباس یأتی الی أولمرت من موقع الضعیف، وموقع المستجیر. فی حین أن هذا العباس یفترض أن یکون مسلحاً بعنفوان الانسان العارف والمتأکد بأن شعبه قادر على تحمل المزید من الصعاب والمواجهات فی سبیل الوصول الی حقه. لماذا هذا الشعور بالدونیة حیال عدو مغتصب؟ عدو یشهد أکثر سکان الکرة الأرضیة على أنه مستوطن جاء من مختلف الأصقاع لیحتل البیت والأرض ولینسف تاریخ شعب، لکنه فشل على مدی العقود الماضیة. کل ما استطاعه هذا العدو هو ترویض بعض الحکام والمسؤولین، بحیث یقفون بمواجهته کما الخدم بمواجهة أسیادهم.
نفسیاً وسیاسیاً وقانونیاً هذه الصورة التی تصلنا فی کل لقاء رسمی من أجل مفاوضات تدور فی دوامة من الفراغ مرفوضة حتى من الطفل الفلسطینی الذی ینبض مقاومة. أن یقف عربی فی حضرة عدو مغتصب أمر یفرض علیه أن یتحلّی بالشجاعة والعنفوان والکبریاء. فنحن أهل الأرض ونحن من یملک الحق. والآخر یفترض أن یشعر بالذل لأنه یمارس کل هذه العنصریة وکل هذا القتل الیومی، دون أن یتمکن من اخضاع حتى الطفل فی فلسطین.
( المقال للصحافیة اللبنانیة زهرة مرعی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS