تمترس العرب وراء الانقسام الفلسطینی
الانقسام کارثة أحلت بالفلسطینیین، لیس فقط بسبب استغلال العدو الصهیونی لهذا الانقسام فی تحقیق أهدافه وإنجاز مخططاته، وإنما کذلک بسبب تمترس العرب على المستویین الشعبی والرسمی وراء الانقسام الفلسطینی للتنصل من مسؤولیاتهم تجاه القضیة الفلسطینیة.
وفی الحقیقة أن الأنظمة الرسمیة العربیة المنصاعة للإدارة الأمریکیة تشعر بارتیاح کبیر من تفاقم الانقسام الفلسطینی، بل تعمل هذه الأنظمة بطریقة سافرة على تکریس الانقسام الفلسطینی وتعمیقه، وإن کانت تزعم أنها تسعى لإنهاء حالة الانقسام ورأب الصدع الفلسطینی، لأنها تتخذ من هذا الانقسام ذریعة لتساوقها مع الأمریکیین فی سیاستهم العدوانیة الهادفة لإنهاء المقاومة الفلسطینیة عامة وتقویض حرکة المقاومة الإسلامیة حماس تحدیداً.
فأنظمة دول ما یسمى "محور الاعتدال العربی" تدعم الطرف الذی تقف وراءه الولایات المتحدة وحلفاؤها الغربیون والعدو الصهیونی، وتدعمه سیاسیاً ودبلوماسیاً واقتصادیاً وعسکریاً، وتستخدمه فی حربها الإجرامیة ضد حرکة حماس والمقاومة الفلسطینیة. وفی المقابل، تشارک تلک الأنظمة فی عزل حرکة حماس وإسقاط الحکومة الشرعیة التی تتولاها وإنهاء المقاومة الفلسطینیة، رغم کل ما تحظى به حرکة حماس من شرعیة سیاسیة وتأیید شعبی فلسطینی وعربی وإسلامی.
کما أن بعض تلک الأنظمة تساهم بطریقة أو بأخرى فی حصار غزة وتجویع أهلها، تساوقاً مع السیاسة الأمریکیة العدوانیة تجاه الشعب الفلسطینی، ووفاء للالتزامات التاریخیة والسیاسیة لتلک الأنظمة العربیة تجاه الکیان الصهیونی، وهی التزامات تنم عن خیانة کبیرة للأمة العربیة والإسلامیة یدفع ثمنها الشعب الفلسطینی منذ عقود طویلة.
وبعبارة أخرى فإن الأنظمة الرسمیة العربیة التی تتمحور حول السیاسة الأمریکیة تنحاز بشکل سافر إلى الصف المعادی للشعب الفلسطینی وقضیته العادلة، ولا شک أن هذا الانحیاز یؤدی إلى تغذیة الانقسام الفلسطینی وتعمیقه والحؤول دون إنهائه. فالانقسام الفلسطینی هو نتیجة حتمیة لتدخل القوى الخارجیة فی الشأن الفلسطینی، ولا سیما الولایات المتحدة الأمریکیة. والانقسام نتیجة حتمیة لدعم أنظمة دول محور الاعتدال لسلطة عباس – فیاض وتدریب عصاباتهما ودعمها بالسلاح والعتاد.
وهناک مناسبات عدیدة استخدمت فیها الأنظمة المنصاعة للإدارة الأمریکیة الانقسام الفلسطینی طوق نجاة لها من عواقب سیاساتها الخائنة للأمة وللشعب الفلسطینی، ومن مساءلة الشعوب العربیة التی تئن تحت وطأة قمع تلک الأنظمة واستبدادها، وإن کانت هذه المساءلة غیر فاعلة وغیر مجدیة، بسبب غیاب الحریة السیاسیة وعدم وجود آلیات محاسبة النظام الحاکم وتغییره عند الضرورة.
وأحد الأمثلة على تلک المناسبات "مسرحیة المصالحة الیمنیة" التی سبقت عقد القمة العربیة العشرین فی دمشق، حیث کان الهدف من هذه المسرحیة إعفاء المؤتمرین من اتخاذ قرارات تلزم العرب بکسر حصار غزة. والذریعة التی تذرع بها المؤتمرون هی أن عباس یرفض الحوار مع حرکة حماس، لأن عودة الأجهزة الأمنیة التی کان یقودها دایتون غیر قابلة للنقاش من وجهة نظر عباس، بینما یؤمن عباس بأن حق العودة قابل للتفاوض والمساومة مع العدو الصهیونی.
لقد نجح المؤتمرون فی التنصل من مسؤولیاتهم تجاه أهل غزة المحاصرین والشعب الفلسطینی الذی یتعرض للجرائم الصهیونیة المتواصلة منذ عشرات السنین، ونجحوا فی إلقاء اللوم على الفلسطینیین الذی فشلوا فی إنهاء الانقسام. وهذا هو دیدن ودین النظام الرسمی العربی فی التعامل مع القضیة الفلسطینیة، فهو یضع الشعب الفلسطینی أمام خیارین اثنین لا ثالث لهما: إما الانصیاع للإملاءات والشروط الأمریکیة والاستسلام للعدو الصهیونی، وإما تحمل نتائج عدم الاستسلام!!
ویعنی ذلک أن الأنظمة المنصاعة للإدارة الأمریکیة تسعى دائماً لإخراج القضیة الفلسطینیة من سیاقها العربی والإسلامی إلى سیاقها المحلی، لیفعل بعد ذلک الفلسطینیون بقضیتهم ما یشاءون، مثلما فعلت منظمة التحریر الفلسطینیة عندما وقعت اتفاقیات أوسلو المشئومة مع العدو الصهیونی، ورتبت على الشعب الفلسطینی استحقاقات صهیونیة أدت إلى شرعنة الاحتلال والإجرام الصهیونی الدموی إلى یومنا هذا.
وقد تحقق ما تسعى له تلک الأنظمة العربیة إلى حد کبیر من خلال اختزال القضیة الفلسطینیة فی صراع داخلی بین القوى السیاسیة الفلسطینیة تشارک فیه تلک الأنظمة بطرق مباشرة وغیر مباشرة، لتضمن بقاء الشعوب العربیة والإسلامیة بعیدة عن الصراع مع الصهاینة والأمریکیین، ولتنال رضا الولایات المتحدة الأمریکیة، ما یضمن لتلک الأنظمة الاستمرار فی الهیمنة على الحکم والسلطة.
ولا تقتصر عملیة التمترس وراء الانقسام الفلسطینی فی التنصل من المسؤولیة وحمایة الکیان الصهیونی على الأنظمة الرسمیة العربیة، فالقوى الشعبیة العربیة والإسلامیة تتمترس أیضاً وراء الانقسام الفلسطینی للتلکؤ عن نصرة الفلسطینیین ضد العدو الصهیونی. فهذه القوى الشعبیة تبرر عدم وقوفها "الفاعل" مع الفلسطینیین فی مقاومتهم للاحتلال باستمرار الانقسام، ولکن المسألة الأهم من ذلک هی کیفیة إنهاء حالة الانقسام!!
إن إنهاء حالة الانقسام الفلسطینی لا تتم إلا بعزل الفئة الباغیة التی یدعمها الأمریکیون وحلفاؤهم الغربیون وتشارک العدو الصهیونی فی مخطط القضاء على حرکة حماس وإنهاء المقاومة الفلسطینیة، وهذا أمر تعجز عنه أنظمة دول محور الخنوع والاستسلام العربی، لأنها ببساطة متآمرة على الشعب الفلسطینی وتخشى من انتصار المقاومة الإسلامیة ونجاح حرکة حماس.
وإذا کانت القوى الشعبیة العربیة والإسلامیة جادة فی نصرتها للشعب الفلسطینی، فعلیها أولاً أن تتبنى موقفاً مؤیداً لحرکة حماس، التی تحمل لواء المقاومة الفلسطینیة وترعاها ضد المخططات الصهیوأمریکیة، ثم علیها ثانیاً أن تضغط على الأنظمة المتواطئة والمتآمرة على الشعب الفلسطینی وتنتفض علیها، ثم علیها ثالثاً أن تخوض حرب مقاومة ضد الهیمنة الصهیوأمریکیة.
( للکاتب والباحث الفلسطینی محمد اسحق الریفی )
ص/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS