التطبیع .. تاریخ من التنازلات المجانیة

 بعد حرب أکتوبر 1973 ، وقعت مصر وإسرائیل معاهدة سلام فی 1979 ، ورغم أن الدول العربیة الأخرى قاطعت مصر عقب توقیع معاهدة السلام فإن جمیعها أعادت علاقاتها مع مصر وفتحت من جدید سفاراتها فی القاهرة وأعید مقر الجامعة العربیة الذی کان قد نقل إلى تونس للقاهرة فی مطلع الثمانینات. 

وبعد مؤتمر مدرید للسلام الذی عقد فی 1991 ، سعت إسرائیل لتطبیع علاقاتها مع بقیة الدول العربیة وبعد محادثات سریة وقعت اتفاقیات أوسلو مع منظمة التحریر الفلسطینیة عام 1993 ، کما وقعت معاهدة سلام مع الأردن فی عام 1994 .

وفی مایو 1996 ، فتحت إسرائیل مکتبین للتمثیل التجاری فی سلطنة عمان وفی قطر بزعم تطویر العلاقات الاقتصادیة والعملیة والتجاریة ، إلا أنه بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطینیة الثانیة فی سبتمبر 2000 ، تم إغلاق مکتب التمثیل التجاری الإسرائیلی فی سلطنة عمان .

أما بالنسبة لدول المغرب العربی ، فقد فتحت إسرائیل مکتب ارتباط فی العاصمة المغربیة الرباط فی نوفمبر 1994 ، وفتح المغرب مکتبه فی إسرائیل بعد ذلک بأربعة أشهر ، مما أدى إلى إقامة علاقات دبلوماسیة ثنائیة.

وفی إبریل 1996 ، فتحت إسرائیل مکتبًا لرعایة المصالح فی تونس ، وقامت تونس بخطوة مماثلة بعد ذلک بستة أسابیع فی مایو 1996.

وأرجعت إسرائیل حرصها على إقامة علاقات مع دول المغرب العربی إلى العدد الکبیر من الیهود الذین قدموا إلیها من دول المغرب ووصفها لتلک الدول بالمعتدلة التی یمکن أن تلعب دورا فی احلال السلام ، إلا أنه بعد  اندلاع الانتفاضة الثانیة قطعت المغرب وتونس علاقاتهما الدبلوماسیة مع إسرائیل ، إلا أنه بقیت هناک بعض العلاقات التجاریة والسیاحیة.

أما بالنسبة لموریتانیا ، فخلال مؤتمر برشلونة للشراکة الأورو متوسطیة فی نوفمبر 1995 وبحضور وزیر الخارجیة الإسبانی توصلت الجمهوریة الإسلامیة الموریتانیة فی عهد الرئیس السابق معاویة ولد الطایع وإسرائیل إلى اتفاق یقضی بإقامة مکتبین لرعایة المصالح لکلا البلدین فی السفارتین الإسبانیتین فی تل أبیب ونواکشوط.

وفی مایو 1996 ، فتحت موریتانیا ممثلیة دبلوماسیة فی تل أبیب وأعربت عن رغبتها فی تطبیع العلاقات مع إسرائیل بشکل کامل ، وفی أکتوبر 1999، أصبحت موریتانیا ثالث دولة عربیة بعد مصر والأردن تقیم علاقات دبلوماسیة کاملة مع إسرائیل ، على الرغم من الرفض الشعبی لتلک العلاقات .

وبدأت العلاقات الدبلوماسیة بین البلدین بتعیین غابیرل أزولای مکلفا بالأعمال فی المکتب الإسرائیلی الموجود فی سفارة إسبانیا بنواکشوط ، وقد عقد مؤتمر علمی سنة 1997 بکلیة العلوم والتقنیات بجامعة نواکشوط تحت شعار (الإنسان، الماء، الکربون)، وشارک فیه ثلاثة إسرائیلیین.

کما اتهم نظام الرئیس الموریتانی السابق معاویة ولد الطایع سنة 1998 بالتستر على دفن نفایات نوویة إسرائیلیة فی الصحراء الموریتانیة، وسجن المعارض والسیاسی أحمد ولد داداه وقادة آخرون فی المعارضة إثر اتهامهم النظام بذلک.

وفی نهایة أکتوبر 1998 ، قام وزیر الخارجیة الموریتانی الشیخ العافیة ولد محمد خونا بزیارة إسرائیل وعین بعید عودته رئیسا للوزراء ، وأعلن فی واشنطن فی 27 أکتوبر 1999 عن رفع مستوى العلاقات الدبلوماسیة بین البلدین إلى مستوى السفراء، وأشرفت وزیرة الخارجیة الأمریکیة السابقة مادلین أولبرایت على التوقیع على الإعلان بین وزیری خارجیة الدولتین أحمد ولد سید أحمد ودیفید لیفی.

وقد تم تعیین أفرید إیتان سفیرا لإسرائیل بنواکشوط وفی نفس السنة استضافت مدینة أطار فی شمال موریتانیا إسرائیلیین فی إطار ملتقى دعا إلیه رجل أعمال موریتانی قریب من الرئیس الموریتانی السابق ولد الطایع تحت عنوان "الملتقى الدولی للنخیل الموریتانی".

وإثر الملتقى ، مولت إسرائیل مشروعا صغیرا لحمایة النخیل تحت غطاء برنامج الأمم المتحدة لمکافحة التصحر ، وقد أصیبت واحات النخیل المعالجة بداء یعرف محلیا باسم (البیوط) ، کما ساهم الإسرائیلیون فی بالتعاون مع رجل أعمال موریتانی فی مشروع لزراعة البطاطس على النهر قدرت تکلفته بما یعادل 26 ملیون دولار تقریبا.

وقد زار وفد طبی إسرائیلی نواکشوط فی 11 یولیو 1999 لإجراء عملیات لعیون بعض المرضى الموریتانیین، وقد نالت الزیارة تغطیة إعلامیة إسرائیلیة وعدم ترحیب شعبی موریتانی.

وکشفت صحیفة "جیروزالم بوست" الإسرائیلیة أیضا أن إسرائیل کانت قد بدأت فی إقامة مرکز لأمراض السرطان فی موریتانیا، وقد توقف العمل فیه منذ سنة 2005 ثم بدأ العمل مجددا نهایة سنة 2006 ولم ینته بعد، کما زار وفد من الکنیست الإسرائیلی موریتانیا فی شهر إبریل 2000 ، وأعلن فی نهایة الزیارة عن تأسیس لجنة دعم التطبیع مع إسرائیل فی موریتانیا ورأس تلک اللجنة بو بکر ولد عثمان الملقب الناه.

وتأسس الرباط الوطنی لمقاومة الاختراق الصهیونی وللدفاع عن القدس والعراق فی مایو 2001 وعین السیاسی والنائب البرلمانی محمد جمیل ولد منصور أمینه العام، لیخلفه السیاسی ونائب رئیس حزب التجمع الوطنی للإصلاح والتنمیة (تواصل) محمد غلام ولد الحاج الشیخ .

وزار وزیر الخارجیة الموریتانی السابق الداه ولد عبدی إسرائیل فی مایو 2001 ، کما التقى الرئیس ولد الطایع مع وزیر الخارجیة الإسرائیلی السابق شیمون بیریز فی 5 سبتمبر 2002 على هامش قمة الأرض فی جوهانسبورج.

کما زار شیمون بیریز موریتانیا فی أکتوبر 2002 وتم تعیین بوعز بیسموت سفیرا جدیدا لإسرائیل فی نواکشوط فی 23 إبریل 2004 خلفا لأفرید إیتان.

وقد زار وزیر الخارجیة الإسرائیلی السابق سیلفان شالوم موریتانیا فی 3 مایو 2005، وأطلقت الشرطة الغاز المسیل للدموع على الطلبة فی العاصمة نواکشوط خلال مظاهرة احتجاج على تلک الزیارة.

واجتمع وزیر الخارجیة الموریتانی السابق أحمد ولد سیدی أحمد مع نظیره الإسرائیلی شالوم بعد أسابیع قلیلة من الانقلاب العسکری الذی أطاح بالرئیس ولد الطایع وذلک على هامش اجتماعات الجمعیة العامة للأمم المتحدة فی نیویورک فی سبتمبر 2005 .

وقد أعلن العدید من المرشحین للرئاسة فی انتخابات مارس 2007 فی برامجهم الانتخابیة عن عزمهم قطع العلاقات الدبلوماسیة بین البلدین، ومن أبرزهم الرئیس الحالی سیدی محمد ولد الشیخ عبد الله .

وبالإضافة إلى الدول السابقة ، فإن إسرائیل سعت خلال مؤتمر أنابولیس للسلام الذی عقد فی 27 نوفمبر 2007 بالولایات المتحدة ، لجر دول عربیة أخرى لدوامة التطبیع دون تقدیم أیة تنازلات تذکر ، إلا أن رفض السعودیة القاطع فی هذا الشأن أحبط المخطط الإسرائیلی.  

( المقال لجهان مصطفى فی موقع محیط )  

م/ن/25