واشنطن تستعیض عن مؤتمرشرم الشیخ باجتماع الدوحة
تشهد الأیام القلیلة القادمة منعطفاً جدیداً فی الأداء السلوکی المیدانی للدبلوماسیة الوقائیة الأمریکیة التی تقوم بتحرکاتها تحدیداً وزیرة الخارجیة الأمریکیة.
* ما هو الجدید فی الدبلوماسیة الوقائیة الأمریکیة:
بحسب الوقائع الدبلوماسیة الجاریة کانت التحرکات الخارجیة الأمریکیة المتعلقة بالشرق الأوسط وعملیة السلام تتم حصراً على خطوط تل أبیب – القاهرة – عمان – الریاض، ولکن الوقائع الجدیدة القادمة خلال بضعة أیام ستشهد اتساع نطاق هذه الخطوط. وتقول المعلومات بأن وزیرة الخارجیة الأمریکیة:
• ستحضر یوم 21 نیسان 2008م اجتماعاً فی دولة البحرین یضم وزراء خارجیة مصر، الأردن والعراق إضافة إلى وزیر الخارجیة السعودی سعود الفیصل الذی سیمثل بلدان مجلس التعاون الستة (السعودیة، البحرین، قطر، سلطنة عمان، دولة الإمارات، الکویت). بکلمات أخرى، فإن اجتماع البحرین الذی ستحضره الوزیرة الأمریکیة سیضم 9 وزراء خارجیة عرب.
• ستحضر یوم 22 نیسان 2008م –فی الیوم التالی لاجتماع البحرین- اجتماعاً فی الکویت، سیحضره کل وزراء خارجیة البلدان المجاورة للعراق بما فی ذلک وزیر الخارجیة الإیرانی منوجر متکی.
تشیر المعلومات إلى أن اجتماع المنامة (البحرین) واجتماع الکویت سیتطرقان إلى ملف العراق إضافة إلى بعض الملفات الأخرى.
* الحراک الدبلوماسی الأمریکی: ماذا یخفی وراءه؟
جاء توقیت الحراک الدبلوماسی الأمریکی بما یشیر إلى عدة نقاط أبرزها:
• اجتماعات رایس جاءت مباشرة بعد زیارة وزیرة الخارجیة الإسرائیلی للعاصمة القطریة الدوحة، ومشارکتها فی افتتاح منتدى المنامة بخطاب رکزت فیه على تبنی التأکید على تصویر الصراع فی الشرق الأوسط باعتباره صراع یدور بین المعتدلین والمتطرفین، وتتمثل قوى الاعتدال فی حکومات إسرائیل، مصر، الأردن، السعودیة، بلدان الخلیج الفارسی ، السنیورة، والسلطة الفلسطینیة، أما قوى التطرف فتتمثل فی حکومات سوریا، إیران، وفی قوى المقاومة کحزب الله وحرکة حماس.
• تم توزیع الاجتماعات على ما یبدو بتنسیق أمریکی – إسرائیلی، فوزیرة الخارجیة الإسرائیلیة حضرت اجتماعاً تم عقده فی العاصمة القطریة الدوحة، وکوندولیزا رایس ستحضر اجتماعاً فی العاصمة البحرینیة المنامة وآخراً فی العاصمة الکویتیة، ولهذا التوزیع أکثر من دلالة، فقطر هی الدولة الخلیجیة التی استضافت مکتباً للاتصال الإسرائیلی، والبحرین هی الدولة الخلیجیة التی قدمت للبحریة الأمریکیة المزید من التسهیلات العسکریة، أما الکویت فهی الدولة الخلیجیة التی تستضیف أراضیها أعداداً کبیرة من القوات البریة الأمریکیة إضافة إلى أن واشنطن تنظر إلیها باعتبارها الرمز الذی یجسد قوة وفعالیة الوجود والنفوذ الأمریکی فی الخلیج الفارسی .
* لعبة المعتدلین العرب: هل تغیرت قواعد اللعبة؟
شکلت أمریکا وإسرائیل تجمع المعتدلین العرب بزعامة مصر والأردن والسعودیة –التی ما زالت مترددة- لکی یقوم بدور "الطرف الثالث" فی إدارة الصراع العربی – الإسرائیلی، وتحدیداً لجهة التأثیر فی الأطراف العربیة ودفعها إلى تعدیل مواقفها بما ینسجم مع المنظور الإسرائیلی، وکان من أبرز الأجندة المطروحة أمام تجمع المعتدلین العرب:
• إفشال المبادرة العربیة بما یمکن إسرائیل من الالتفاف علیها والدخول فی مفاوضات التطبیع مع العرب مباشرة دون التطرق لموضوع الانسحاب الإسرائیلی من الأراضی المحتلة وإقامة الدولة الفلسطینیة وإعلان حدود إسرائیل وغیر ذلک.
• القضاء على حزب الله والمقاومة اللبنانیة بما یسهل لإسرائیل وأمریکا استخدام الساحة اللبنانیة لاستهداف سوریا.
• الضغط على حرکات المقاومة الفلسطینیة والقضاء على حرکة حماس والجهاد الإسلامی بما یعزز الأمن الداخلی الإسرائیلی.
• ترتیب الساحة العراقیة بما یتیح للاحتلال الأمریکی الاستمرار والبقاء الآمن لأطول ما یمکن.
• تحویل الساحة العربیة لقاعدة ینطلق منها العدوان الإسرائیلی – الأمریکی على إیران.
• الضغط على سوریا وعزلها عن القیام بدورها القیادی فی الساحة العربیة والصراع العربی – الإسرائیلی بما یؤدی فی نهایة الأمر إلى إرغامها على توقیع اتفاقیة سلام سوریة – إسرائیلیة على غرار اتفاقیة السلام الأردنیة – الإسرائیلیة التی قدم فیها الأردن کل ما طلبته إسرائیل دون أن یأخذ شیئاً.
ولکن بعد نجاح انعقاد القمة العربیة فی دمشق وصدور إعلان دمشق أدرکت إسرائیل وأمریکا أن تجمع المعتدلین العرب یحتاج إلى المزید من الترسیم وعملیات الإصلاح لأن المطلوب کان إفشال قمة دمشق ولکن ما حدث هو انعقاد القمة وتولی القیادة السوریة لرئاسة القمة العربیة.
* لعبة الأطراف الثالثة الجدیدة: إلى أین؟
الحراک الدبلوماسی الأمریکی الجدید هو حراک جاء بالأساس وفق مخطط أمریکی – إسرائیلی لتغییر قواعد لعبة الدبلوماسیة الوقائیة الأمریکیة فی المنطقة وترکز القواعد الجدیدة على الآتی:
• نقل دائرة الفعالیات إلى المزید من العواصم الجدیدة، بحیث تبرز المنامة، الدوحة، الکویت ضمن قائمة الأسماء الجدیدة فی خارطة تحالف المعتدلین العرب. خاصةً وأن هذه الأسماء الجدیدة سبق أن جربها الأمریکیون فی الحرب التی أدت إلى غزو واحتلال العراق وفی تعبئة الحشود العسکریة الأمریکیة ضد إیران، وفی استضافة القواعد الأمریکیة. إضافة إلى أنها تقدم النفط والمال لأمریکا، وبالتالی من العدالة بمکان –بحسب وجهة النظر الأمریکیة- أن یتم إسناد الدور المرکزی لهذه الأطراف بدلاً من عمان والقاهرة اللتان لم تتمکنا من إفشال قمة دمشق، وفی الضغط على سوریا، وفی إجبار اللبنانیین على الانصیاع لقوى 14 آذار، وفی دفع الفلسطینیین لإیقاف إطلاق الصواریخ وغیر ذلک، إضافة إلى أن عمان والقاهرة تعانیان العزلة الداخلیة فی الشارعین المحلی والعربی اللذان تتزاید فیهما المعارضة والسخط. وبرغم کل ذلک الفشل، فإن الأهم بالنسبة لأمریکا، هو أن القاهرة وعمان تکلفانها المزید من نفقات المعونة الباهظة، التی لم یعد بمقدور وزارة الخزانة الأمریکیة الإیفاء بها بکرم وسخاء کما کان یحدث فی الماضی.
• إضافة المزید من اللاعبین الجدد بحیث تتوافر لأمریکا وإسرائیل المزید من "الوسائط" العربیة الجدیدة التی یمکن توظیفها فی إدارة الصراع العربی –الإسرائیلی وبناء سیناریوهات الصراع العربی – الإسرائیلی المفترض.
• بناء الثقة والمصداقیة بین واشنطن والعواصم الخلیجیة لأن زعماء السعودیة لم یعودوا یقبلون دور التابع لدبلوماسیة القاهرة والتی اکتشفوا أنها تابعة أیضاً لواشنطن، وعلى ما یبدو فإن العواصم الخلیجیة ترغب بالانخراط فی العلاقة المباشرة مع واشنطن، ولم یعودوا راغبین فی استخدام قناة القاهرة، التی ظلت تقوم بدور "الوسیط" بما یتیح لها القیام بعملیة "حلب" البقرتین الخلیجیة والأمریکیة فی آن واحد.
* إلى أین تمضی الدبلوماسیة الوقائیة الأمریکیة الجدیدة؟
تهدف الدبلوماسیة الأمریکیة إلى التأثیر فی مسارات الصراع العربی – الإسرائیلی والدفع باتجاه حسم مشروع النفوذ الإسرائیلی على المنطقة على أساس افتراضات أن حمایة المصالح الأمریکیة تتم فی هذه المنطقة حصراً عن طریق الاعتماد على القوة الإسرائیلیة الغاشمة.
لم یتبق أمام إدارة بوش الکثیر من الوقت وکل عمرها المتبقی حوالی ثمانیة أشهر لا غیر، وخلال هذه الفترة القصیرة:
• یرید الجمهوریون إنقاذ سمعة الحزب الجمهوری التی مرغتها المقاومة العراقیة فی الوحل.
• یرید المحافظون الجدد تحقیق أکبر قدر ممکن من الأجندة التی تخدم مصلحة إسرائیل.
• یرید دیک تشینی تأمین مصالحه النفطیة.
• ترید کوندولیزا رایس الحفاظ على بریقها بما یتیح لها تولی منصب نائب الرئیس الأمریکی فی حالة فوز المرشح الجمهوری جون ماکین بالرئاسة.
تتضمن توجهات الدبلوماسیة الوقائیة الأمریکیة الشرق أوسطیة الجدیدة خلیطاً من المصالح الشخصیة والمصالح الإسرائیلیة، وأما مصلحة أمریکا فلا أحد یهتم بها حالیاً فی واشنطن ناهیک عن مصالح القاهرة وعمان.
یدرک رموز الإدارة الأمریکیة جیداً وعلى وجه الخصوص المحامی جورج بوش وبروفیسورة العلوم السیاسیة کوندولیزا رایس بأن حل مشکلة الشرق الأوسط غیر ممکن، ویدرک دیک تشینی وبعض صقور الإدارة الأمریکیة الأثریاء أن المال والنفط یوجدان فی الخلیج، وقد أعدوا العدة لذلک بأن أقاموا أکبر ترسانة عسکریة أمریکیة عالمیة فی الخلیج الفارسی ، بما یوفر الملاذ الآمن لمصالحهم الشخصیة وشرکاتهم النفطیة، وتجدر الإشارة إلى أن الملیاردیر النفطی الأمریکی دیک تشینی قد بادر إلى تحویل المقر الرئیسی لشرکته النفطیة «هالبیرتون» إلى دبی، التی زارها قبل بضعة أسابیع مع زوجته وابنته التی ستتولى المسؤولیة عن الشرکة.
وبعد هذه التغیرات الهیکلیة أصبح المطلوب القیام بإجراء التغیرات الوظیفیة التی لن تصب بأی حال من الأحوال فی مصلحة محور عمان – القاهرة، وتحویل مرکز قیادة تجمع المعتدلین العرب إلى الخلیج الفارسی هو تحویل یتیح للدبلوماسیة الأمریکیة الجمع بین دبلوماسیتین فی منطقة واحدة، هما:
• دبلوماسیة استهداف إیران.
• دبلوماسیة عملیة سلام الشرق الأوسط.
• دبلوماسیة استدامة الاحتلال الأمریکی للعراق.
• دبلوماسیة السیطرة على الموارد النفطیة.
وذلک لأن الأطراف الخلیجیة تنخرط فی الدبلوماسیتین وهو أمر لا یتوافر فی الوقت الحالی لمحور عمان – القاهرة الذی أثبت:
• العجز فی السیطرة على الأوضاع الفلسطینیة.
• العجز عن إخماد المقاومة العراقیة.
• العجز فی بناء تحالف عربی معادی لإیران.
• العجز فی عزل سوریا.
• العجز فی انتخاب الرئیس اللبنانی.
وعلى خلفیة رغبة الإدارة الأمریکیة فی تفادی دفع المعونات ذات التکالیف الباهظة لمحور عمان – القاهرة فقد جاءت التحرکات الأمریکیة الجدیدة فی عواصم المنامة والدوحة والکویت لتؤکد بأن أیام منتجع شرم الشیخ والعقبة الأردنیة واجتماعاتها قد أصبحت فی طریقها إلى الزوال.
م/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS