أیمن الظواهری یحرض على الفتنة بین المسلمین
لم أکن أعتقد بأننی سوف أکتب عمن أصبح یعرف بالرجل الثانی فی تنظیم القاعدة أیمن الظواهری مقالین فی فترة تقل عن الأسبوع، ذلک أن الرجل عودنا على الظهور فی فترات متباعدة قد تمتد فی بعض الأحیان إلى شهور عدیدة، أما وقد کثر ظهوره هذه الأیام على مواقع الانترنت المختلفة وکذلک على الفضائیات ناصحا وهادیا، وصارت أخباره تتصدر کل الصحف بشکل شبه أسبوعی فإننا مضطرون إلى الحدیث عنه وعما 'یتحفنا' به من الفتاوى التی لا یتوانى الرجل عن إصدارها مع ظهوره فی کل مرة.
حدیث أیمن الظواهری خلال التسجیلین الأخیرین دار عن مسائل کثیرة وهو یحاول أن یوهم السامع بأنه العالِم بکل المسائل المتعلقة بالإنسان والمجتمع وشتى جوانب الحیاة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة وغیرها، کما وأنه العارف ببواطن الأمور وهو القادر على التحلیل واستشراف مستقبل الأمة لا ب والعالم کله، وهو بذلک لا یختلف أبدا عن أی من الزعماء والقادة العرب الذین یتدخلون بکل تفاصیل الحیاة للمواطن 'الغلبان' أو المغلوب على أمره، فی محاولة منهم لإیهامه بأنهم من اختیار الله عز وجل وحیث أنهم ' أی قادتنا' موسوعات متنقلة 'تمشی على أرجل' فیها کل شیء فقد بعثهم الله لنا لکی یحکمونا، وهم بالمناسبة کلهم یدعون بأنهم من أقارب الرسول وسلیلی العائلة المحمدیة المشرفة، ولن نستغرب إذا ما خرج علینا 'الدکتور العظیم' أیمن الظواهری لیقول لنا بأنه أیضا ینتسب إلى رسول هذه الأمة ویتلطى خلف هکذا 'کذبة' لیتماها فی کذبه مع القادة العظام، ولکی یتمادى فی غیه وضلاله الذی صار ممجوجا لما فیه من استهتار بعقول الناس ومحاولة تضلیلهم والابتعاد بهم عن الحقیقة.
وبعیدا عما ورد على لسان الرجل فی تلک الأشرطة التی قال فیها أنه یجیب على أسئلة السائلین، فإن ما یهمنا هنا هو ما ورد على لسانه فیما یتعلق بما نعتقد أنه القضیة الأخطر والأهم وهی القضیة ' التی کانت فی الحقیقة لب ما یرید الحدیث فیه أیمن الظواهری' تلک المتعلقة بقضیة الجهاد وما سماه المعارک المقبلة مع الصلیبیین والیهود وتلک الحملة المسعورة التی شنها للمرة الثانیة خلال فترة الأسبوع على کل من حرکة حماس وحزب الله وتلفزیون المنار وکذلک إیران.
هذا الهجوم الثانی خلال اقل من أسبوع على هذه الجهات إنما یبعث على الریبة والشک وهذا ما جعلنا نتوقف مجددا للسؤال لماذا یقوم بذلک أیمن الظواهری الآن وما سر هذه الهجوم المتواصل على هذه الجهات بالتحدید وما الذی یریده الظواهری ومن خلفه تنظیم القاعدة.
کذلک فإننا نتسائل عن سر محاولته التذکیر بما أطلق علیه أسامة ابن لادن 'غزوة منهاتن' تلک الغزوة التی تسببت بکل هذا الدمار والکراهیة للعرب والمسلمین فی شتى بقاع العالم، خاصة وأن الناس أوشکوا على نسیان تلک المأساة التی ألحقت بالعربان وبالمسلمین وقتلت منهم – فی العراق وافغانستان على الأقل- أکثر بآلاف المرات مما تسببت به 'غزوة ابن لادن للابراج' من قتل ضد من یسمیهم الظواهری الصلیبیین برغم أننا لسنا ضد قتل الأبریاء بغض النظر عمن یکونون أو ما لونهم أو جنسهم أو دینهم.
الحملة التی یشنها الظواهری على حرکة حماس فی محاولة للتشکیک فی نزاهة أو انتماء الحرکة واتهامها بمخالفة الشرع لیس من قبیل الصدفة خاصة إذا ما تم ربطها بالهجوم والتهجم على حزب الله وإیران علما بأن هذه الجهات الثلاث التی یهاجمها الرجل یعتبرها الکثیر من العرب والمسلمین هی القوى الحیة وهی القوى المقاتلة والتی تقف ضد کل هذا الانحدار العربی والإسلامی، -بغض النظر عن کل ما یمکن أن یقال فی هذا المجال-، فهذا على الأقل ما یفهمه الإنسان العادی، لماذا التشکیک فی انتماء هذه القوى، أم ترى هی محاولة للتهیئة لعمل ما یتم طبخه بمعرفة القاعدة التی نعلم جمیعا أنها کانت أحد أذرع المخابرات الأمیرکیة وتنفذ أوامرها وتطبق مخططاتها برغم کل ما قیل عن مقاومة المد والخطر الشیوعی فی أفغانستان، وهل یمکننا أن نفهم من هذا بأن الرجل ومن خلال تلک الرسائل یحاول تمهید الأرضیة باتجاه فعل یتم العمل علیه ضد هذه القوى.
السؤال الذی یتم توجیهه للمرة الثانیة حیث کنا قد سألناه فی المقال السابق، ما الذی یریده أیمن الظواهری من هذه الجهات الثلاث ولماذا الآن ، لماذا هذه الهجمة الشرسة من قبل تنظیم القاعدة ممثلا بالرجل الثانی فی هذا التوقیت الذی تتعرض فیه نفس الجهات إلى حرب شرسة من قبل من هم فی الخندق المعادی للأمة، ثم هل أصبح لبنان هکذا فجأة ثغرا من ثغور الإسلام، وأین کان الظواهری وتنظیمه خلال السنوات الماضیة عندما کانت القوات الإسرائیلیة تحتل الجنوب وتعیث فیه فسادا، ومن الذی حرر الجنوب هل هم إرهابیو القاعدة أم المقاومون من حزب الله اللبنانی الذی صمد فی وجه الآلة العسکریة الصهیونیة بینما کان الظواهری وأنظمة الردة العربیة تتآمر على لبنان وعلى المقاومة الباسلة فیه. الظواهری فی هذا 'الکذب الممجوج' إنما یجسد المثل العربی القائل 'سارح والناس مروحة من الشغل'، هذه الشعارات الزائفة لم تعد تنطلی على الناس 'یا دکتور ظواهری' لأننا رأینا غزوات القاعدة وما الذی جلبته على أمة العربان والمسلمین.
وکیف یمکن للبنان أن یکون دوره المحوری الآن بعد أن خرجت القوات الإسرائیلیة من کل الأرض اللبنانیة -عدا شبعا- مدحورة مذمومة بفعل المقاومة الشرسة لحزب الله بشکل أساس ولم یکن کذلک قبل الآن، ما الذی یرمی إلیه الظواهری وهل فی جعبته مخطط جدید للتآمر على هذا البلد الذی عاش السنوات الماضیة فی حروب شبه مستمرة ولم تحرک القاعدة ولا إرهابیوها إصبعا على زناد لبندقیة واحدة ضد العدو المحتل.
محاولات الظواهری للدس ضد حرکة حماس وحزب الله وإیران ومن یسمیهم بالروافض فی العراق وغیرها لیس سوى محاولة لضرب المسلمین بعضهم ببعض، وهی محاولات لإیجاد شرخ بین المسلمین کما أنها دعوات مسمومة أصبحت مکشوفة للجمیع فی ظل الممارسات الشاذة والقتل الدموی الذی یمارسه هذا التنظیم سواء فی بلدان الغرب أو فی الدول العربیة أو بشکل خاص فی العراق. وباعتقادنا أن على أیمن الظواهری الذی جند نفسه فی خدمة المخابرات الأمیرکیة منذ أن انطلق مؤیدا ابن لادن الذی ذهب إلى أفغانستان لخدمة المشروع الأمیرکی أن یتوقف عن إسداء النصح سواء لحماس أو لغیر حماس، وکما ان علیه أن یعلم بأن لا أحد بانتظار فتاواه ولا توجیهاته، وعلیه أن یبتعد عن هذا الاستخدام المشبوه للدین وللإسلام کل ما رغب بارتکاب فعلة لا تمت إلى هذا الدین بصلة.
حدیث الظواهری عن فلسطین فی هذه الأیام لیس حدیثا عبثیا، حیث هو یعلم ما لهذه القضیة من مکانة فی نفوس شعوب العالم العربی والإسلامی، وحیث یعلم الرجل علم الیقین بأن القاعدة لم تکن یوما مع فلسطین ولم تعمل یوما من أجل فلسطین کما أنها بدأت أی 'القاعدة' تفقد الکثیر من أسهمها فی الشارع العربی - إن کان لها أسهما أصلا-، ومن هنا فقد بدأ الرجل یلعب على هذا الوتر مثلما لعبت علیه الکثیر من الأنظمة فی محاولة لتلمیع نفسها وهی لعبة خطیرة وعلى الشباب العربی والإسلامی أن لا ینجر إلیها لأنها لیس سوى 'کذبة' أخرى ممجوجة مثل الکثیر من أکاذیب القاعدة، ولیس سوى شعار یروم الظواهری من وراءه خداع الجماهیر بعد أن بدأت 'عورته' تتکشف خاصة بعد کل ما قام به من قتل وتدمیر وسفک دماء ومحاولات لشق صفوف الشعب العراقی بین سنة وشیعة وبین مسلم وکافر بحسب تصنیفاته.
نعتقد بأنه کان على الظواهری أن یشکر المنار وکل وسائل الإعلام بغض النظر عمن هی تلک الوسائل سواء کانت لبنانیة أو إیرانیة أو عربیة کما وکل المحللین الذین یحاولون أن یبعدوا شبهة تفجیرات برجی مرکز التجارة العالمی عن المسلمین والعرب وتلک النظریات التی تقول بأن التفجیر من أید أمیرکیة أو صهیونیة لا أن یقوم بشن هجوم علیها خاصة وأن تلک 'الغزوة' برأینا لم تکن إلا صفحة سوداء أخرى من صفحات تنظیم القاعدة ولا یمکن أن تمثل أخلاق الإسلام والمسلمین.
إننا نعتقد بأن رسالتی الظواهری الأخیرتین لا یمکن أن تکونا سوى جزء من سیاسة عامة للتنظیم فیها الکثیر من الإشارات التی قد تدل على التوجهات المستقبلیة لهذا التنظیم الذی نذر نفسه لخدمة المشروع الأمیرکی وکان عونا له فی أکثر من مرحلة من مراحل نشأته وانتشاره، ونعتقد بأن التلویح بحرب ضد الصلیبیین فی لبنان لیس سوى جزء من مؤامرة تحاک ضد حزب الله والقوى الوطنیة فی لبنان فی الوقت الذی تحاول قوى لبنانیة کانت ولا تزال تصطف فی الخندق المعادی للأمة أن تروج الرسالة ذاتها التی یروج لها الظواهری وأمیرکا ومن هو فی الحضن الأمیرکی.
إن الدعوات التی یحاول الظواهری الترویج لها فی رسائله المتواصلة- فهو فی مرة یتحدث عن إخواننا الشیعة واصفا إیاهم 'بالروافض' وهو تارة یحاول التشکیک فی حرکة حماس وتارة أخرى یتحدث عن حزب الله والقوى المقاومة الأخرى فی لبنان- لا یمکن أن تخرج عن الإطار المرسوم لتنظیم القاعدة فی خدمة الأجندة الأمیرکیة ولیس سوى محاولات لزرع البغض والکراهیة والفتنة بین العرب والمسلمین، وعلى هذا فإننا نعتقد أن على الشعوب العربیة أن تتعامل مع مثل تلک الدعوات بحذر وأن تصطف بنیانا مرصوصا فی وجه کل ما یصدر عن هذه الجهات المشبوهة حتى تحبط مخططاتهم وتذهب ریحهم ویخیب فألهم.
( المقال للصحفی والکاتب الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS