"یهود العرب بین العزلة والاندماج"
توقع عدد من أساتذة التاریخ بالجامعات المصریة أن تؤسس زیارة الرئیس الأمریکی جورج بوش المرتقبة إلى الکیان الصهیونی قبل انتهاء ولایته لمرحلة جدیدة فی الصراع العربی الصهیونی فی ظل الإعلان عن أن تلک الزیارة ستتضمن قیام الرئیس الأمریکی بافتتاح سفارة بلاده فی مدینة القدس، مشیرین فی مؤتمر نظمته الجمعیة المصریة للدراسات التاریخیة تحت عنوان “یهود العرب بین العزلة والاندماج” إلى الدور الذی تلعبه جماعات “المستشرقین” فی دعم المشروع الصهیونی والترویج له .
أوضحت الدکتورة سمیة کمال محمد حسن فی دراسة لها بعنوان “شبهات المستشرق “الإسرائیلی” حول الانتماء والاغتراب الیهودی فی الوطن العربی” أن المدرسة الاستشراقیة نشأت مع بدایة القرن الماضی وجاءت کإرهاصات لقیام دولة الکیان الصهیونی فی فلسطین، لافتة إلى أن الساسة “الإسرائیلیین” اهتموا کثیرا بتلک المدرسة واعتمدوا علیها فی تکوین کوادر فکریة قادرة على تحقیق الأهداف المرجوة من الوجود الصهیونی فی فلسطین، کما أن تلک المدرسة اهتمت باختلاق المبررات للممارسات الوحشیة “الإسرائیلیة” ولتحسین صورة الیهود أمام الرأی العام العالمی بنشر الشبهات حول العرب والمسلمین . وأضافت أن العدید من المستشرقین “الإسرائیلیین” على علاقة وثیقة بالمخابرات “الإسرائیلیة”، حیث تقوم المخابرات بطبع أعمال ودراسات المستشرقین وترجمتها ونشرها محلیا وعالمیا، کما یقوم هؤلاء المستشرقون بتدریس مؤلفاتهم عن الإسلام والعرب بصفة خاصة والعالم الإسلامی بصفة عامة لوحدات الجیش “الإسرائیلی”، ووصفت تلک المدرسة بأخطر الأسلحة المشهرة فی وجه العرب، حیث ارتکزت جهودها على مقاومة الفکر الإسلامی فی فلسطین أولا ثم فی بقیة العالم العربی باعتباره فکر الأغلبیة، مع محاولة استقطاب الفکر المسیحی وتهویده ومحاولة کسب ولائه من خلال تضخیم بعض الممارسات السلبیة التی قد تصدر من البعض تجاههم، بغرض زرع بذور الفرقة والاختلاف بین الطوائف المختلفة فی الوطن العربی، وذلک عن طریق الدراسات المشوهة للحضارة العربیة وللإسلام والمسلمین، بالإضافة إلى محاولات غزو الفکر الإسلامی ذاته، وإدخال مذاهب غربیة معاصرة إلى العالم العربی والإسلامی .
أشارت الدراسة إلى أن الاستشراق “الإسرائیلی” لم یتورع عن استخدام أی فرصة تتسنى له ویمکنه من خلالها تحقیق مکسب من المکاسب لدولة الکیان، بل إنه یتعدى لأکثر من هذا إلى توظیف الأحداث التاریخیة والأفکار العقائدیة التی یدین بها الآخر وتطویعها لخدمة القضایا المتشابکة بینهما، مؤکدة أن المستشرقین “الإسرائیلیین” یساهمون فی استکمال المشروع الصهیونی، وأن المؤسسات الحاکمة فی الکیان تلجأ إلى تکلیف بعضهم بتأدیة مهام مباشرة فی مجال التعامل مع القضایا العربیة والفلسطینیة، حیث اختیر بعضهم لشغل مناصب استشاریة مهمة، مشیرة إلى أن “یهو شفاط هرکابی” و”شلومو أفنیری” شغلا منصب المدیر العام لوزارة الخارجیة و”مناحم میلسون” رئیساً للإدارة المدنیة فی الضفة الغربیة، و”یوسف جینات” مستشاراً لوزیر الزراعة وکبیر مساعدی الوزیر، و”شیمون شامیر” الذی تولى رئاسة المرکز الأکادیمی “الإسرائیلی” بالقاهرة ثم سفیرا للکیان بالقاهرة، وأوضحت أن هؤلاء المستشرقین قدموا استشارات علمیة للأجهزة الحاکمة فی کافة القضایا وخاصة أثناء الأزمات والتطورات السریعة للأحداث، بالإضافة إلى التعاون الکامل بین مؤسسات الأبحاث الاستشراقیة وبین أجهزة الجیش، حیث ساهموا فی خدمة وتثقیف الوسط العسکری حسب رؤیتهم، فضلا عن وجود مراکز بحثیة عدیدة یشرف علیها الکثیر من الاستشراقیین، من بینها المرکز الأکادیمی “الإسرائیلی” بالقاهرة ومرکز “یافیه” للدراسات الاستراتیجیة الذی یقدم خدماته بشکل مباشر إلى مؤسسة الحکم، ویتناول هذا المرکز تشکیل جیوش الشرق الأوسط واتجاهات الرأی العام فی دول المنطقة، إضافة إلى معهد أبحاث الجولان، والمؤسسة “الإسرائیلیة” للتاریخ العسکری، ومعهد “ترومان”، ومعهد “مارتین بوبر”، وقد اهتم المستشرق “الإسرائیلی” بمحاولات تغریب المجتمع العربی وتهویده .
وشددت الدکتورة سمیة فی بحثها على أن ثقافة الکیان الصهیونی ومحاولات المستشرقین تشهد مرحلة جدیدة فی الصراع الحضاری والفکری مع العرب وصفته بالأشد ضراوة من الصراع الحربی القائم، لافتة إلى أن الثقافة الصهیونیة قائمة على کراهیة العرب والإسلام، ودعت الباحثین العرب من کافة التخصصات خاصة المهتمین بالحضارة العربیة والتاریخ الإسلامی والمسیحی إلى ضرورة التصدی للهجمات الفکریة الشرسة والحرب العقائدیة الضاریة التی یشعل أوارها الباحثون “الإسرائیلیون” .
وفی ورقته البحثیة بعنوان “یهود أمریکا: الصعود إلى قمة النفوذ” قال المحلل السیاسی عاطف الغمری إن أول مجموعة یهودیة ظهرت فی أمریکا الشمالیة وصلت إلیها على متن قارب قادم من البرازیل إلى نیویورک عام ،1654 بینما شهدت أمریکا أول موجة هجرة إلیها عام 1840 ضمت 15 ألف شخص ارتفع عددهم إلى 150 ألفاً عام 0186_ وفی عام 1790 حدث أول اتصال رسمی بین الطائفة الیهودیة وحکومة أمریکا بعد عام واحد من انتخاب جورج واشنطن رئیسا للجمهوریة فی مناسبة زیارته لمعبد یهودی فی ولایة رود آیلاند . وفی عام 1906 انتظموا فی أول منظمة تمثلهم وهی لجنة یهود أمریکا، لافتا إلى أن الأمریکیین حتى أواخر النصف الأول من القرن العشرین لم یکونوا یتقبلون وجود الیهود بینهم، وأضاف: لقد أسس هنری فورد صاحب صناعة السیارات الشهیر مجلة “دیر جورن إندبندنت” التی کانت تنشر موضوعات عن المؤامرة الیهودیة ضد قیم أمریکا المسیحیة، وفی عهد الرئیس روزفلت لم یظهر لدى حکومته فی عام 1942 أی تعاطف مع الیهود أو الاستجابة لمطالب إنقاذهم من النازی، لافتا إلى أن روزفلت کان یتحرک بدافع خوفه من الرأی العام الأمریکی الذی کان معارضا لعملیة إنقاذ الیهود، کذلک کان للکونجرس نفس الموقف، وقد تغیر هذا الوضع عام ،1945 لکنه کان تغییرا من صنع الظروف، أما التغییر الثانی والأهم فقد کان ناتجا عن استراتیجیة محکمة، أثمرت نفوذا هائلا للیهود الأمریکیین على سیاسة حکوماتهم وعلى موقفهم من العرب و”إسرائیل”، ومع قیام دولة الکیان الصهیونی عام 1948 زاد تعاطف الأمریکیین مع الیهود، بعد أن اقتنع الأمریکان بقوة “الکیان”، ومع عام 1957 أحکم الیهود قبضتهم على مراکز النفوذ وصناعة القرار فی الولایات المتحدة، لافتا إلى أن تلک الاستراتیجیة رکزت بشکل جوهری على نشر أبنائهم فی مواقع التمیز الاجتماعی ذات البریق الجذاب، ومن خلالها یخطفون الأبصار ویسحرون العقول، وکانت تلک المواقع بمثابة بوابة الدخول إلى عقل المواطن الأمریکی، واتخذت تلک الاستراتیجیة مسارات طویلة داخل الجامعات والمدارس وشغل مساحات فی قمة المتحکمین فی وسائل الإعلام، واهتم الیهود بإنشاء مراکز للفکر السیاسی تعمل على دعم وجهة نظر “إسرائیل” والترویج لها لدى صانع القرار، بالإضافة إلى المراکز المعبرة عن فکر المحافظین الجدد والیمین الأمریکی، والمعهد الیهودی للأمن القومی الذی أنشئ فی دیسمبر 1973 لوضع ما یخص الأمن القومی “الإسرائیلی” تحت نظر مؤسسات الدولة فی أمریکا، لافتا أیضا إلى أن النفوذ الذی استحوذ علیه الیهود فی أمریکا لا یتناسب مع الحجم العددی لهم، حیث تقدر نسبتهم بأقل من 3% من تعداد الولایات المتحدة الأمریکیة، مشیرا إلى أن نفوذهم نابع من المال الذی یساهمون به فی تمویل حملات المرشحین، بالإضافة إلى قدرتهم على تنظیم جیوش من شباب الیهود ما بین سن 17 إلى 25 سنة فی مختلف الولایات یشارکون فی الدعایة للمرشح، وقد نشطت شبکة من المنظمات الیهودیة فی کل مکان یعیش فیه الیهود، فضلا عن اللجنة العامة للعلاقات “الإسرائیلیة” الأمریکیة، وهی الأکثر شهرة وذیوعا بین المنظمات الیهودیة بسبب الدور الذی تقوم به کقوة ضغط داخل الکونجرس لصالح “إسرائیل”، وتعد تلک اللجنة أکبر جماعة ضغط لدى الحکومة الأمریکیة .
وأضاف الغمری، أنه مع وصول المحافظین الجدد إلى الحکم مع بوش فی ینایر عام 2001 امتزجت المصالح الوطنیة للکیان الصهیونی بالمصالح الأمریکیة، فتجاوزت الولایات المتحدة مرحلة التحیز إلى مرحلة التطابق فی السیاسة لدى الجانبین، کون إدارة بوش یمثل فیها الیهود 90%، مشددا على أن النفوذ الیهودی فی أمریکا لم ینشأ بطریق الصدفة، بل نتیجة استراتیجیة لها هدف وخطة عمل، مشیرا إلى أن الغیاب العربی عن الساحة الأمریکیة عزز من خطط الیهود وضاعف نفوذهم .
بینما قال أستاذ التاریخ المعاصر بکلیة الآداب جامعة القاهرة الدکتور أحمد الشربینی فی ورقته البحثیة بعنوان “المشروع الصهیونی بین العزلة والاندماج” إن المشروع الصهیونی فی جوهره یؤکد فکرة العزلة، مستهدفا الحفاظ على الهویة الیهودیة من الشتات، وهو عکس ما تعلنه “إسرائیل” والولایات المتحدة الأمریکیة فی مشروعها “الشرق الأوسط الکبیر”، وأرجع ذلک أیضا إلى خشیة دولة الکیان الصهیونی من طمس مشروعها وإذابته وسط ثقافات إقلیمیة محیطة، مشددا على أن المشروع الصهیونی قائم على تلقی الدعم المالی اللامحدود من قبل الولایات المتحدة الأمریکیة واللوبی الصهیونی فیها، لتتحول دولة “الکیان” إلى قاعدة صناعیة فی المنطقة وأن تصبح الدول العربیة مجرد توابع تتحرک فی إطارها من دون دمج حتى لا تفقد الدعم الغربی .
لذا سعت الولایات المتحدة وقوى الغرب إلى تمرکز الرأسمالیة الغربیة فی الدولة الصهیونیة بغرض بناء صناعات رأسمالیة کبرى تفید المهجرین الیهود، لافتا إلى الازدواجیة الأمریکیة والغربیة فی التعامل مع العرب والکیان الصهیونی، حیث ترى الولایات المتحدة فی إطار المشروع الصهیونی ضرورة إضعاف قدرات العرب فی مقابل تقویة ودعم “الکیان” لاستخدامه فی حمایة مصالحها فی المنطقة .
وفی دراسة له بعنوان “حقوق الیهود العرب وحق العودة بفلسطین: تحلیل لقرار مجلس النواب الأمریکی” دعا السفیر عبد الله الأشعل مساعد وزیر الخارجیة السابق إلى ضرورة ربط حق عودة اللاجئین الفلسطینیین بحق عودة “الیهود العرب” والمعاملة بالمثل، کما دعا إلى ضرورة التقدم بدعاوى قضائیة دولیة تطالب بحق العرب والمسلمین فی أوقاف الأراضی المحتلة، ولفت إلى أن الرئیس الأمریکی بوش سیعلن فی زیارته المرتقبة للکیان الصهیونی عن افتتاح السفارة الأمریکیة فی القدس، وهو ما یؤسس لمرحلة جدیدة من الصراع العربی الصهیونی .
ب/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS