مؤتمر فلسطین للاستثمار لم یحقق الأهداف المرجوة برغم کل المحاولات
مؤتمر فلسطین للاستثمار لم یحقق الأهداف المرجوة برغم کل المحاولات
مدینة بیت لحم عاشت على مدى أکثر من شهرین على وقع التحضیرات الحثیثة وذلک من أجل استقبال المشارکین فی المؤتمر الاقتصادی الذی انعقد خلال الأیام الثلاثة الأخیرة تحت عنوان مؤتمر فلسطین للاستثمار، وخلال فترة التحضیرات للمؤتمر التی کانت کما هی عادة بلدان العالم الثالث فی إخفاء معالم المناظر ' غیر الحضاریة' ومحاولات التجمیل وتزیین الشوارع والأرصفة وردم الحفر فی الشوارع التی من المتوقع التی من المتوقع أن تمر فیها الوفود المشارکة إلى الدرجة التی لم یتردد بعض الکتاب من توجیه الانتقادات إلى بلدیات المنطقة التی لم تتردد فی تعیین مبالغ مالیة من اجل کل هذه الأعمال وتساءل البعض حول لماذا لا تتم هذه الأعمال بشکل دوری أو لم تتم فی السابق طالما أن هنالک میزانیات مخصصة لمثل هکذا حالات.
المؤتمر رأى فیه الکثیر من الفلسطینیین انه لیس سوى خطوة من خطوات التطبیع وانتقد المشارکة فیه على أساس أن لا إمکانیة لقیام استثمارات حقیقیة فی ظل الاحتلال، کما أن لا احد یستطیع ضمان أی مشروع فی ظل الهیمنة الاقتصادیة الإسرائیلیة. هذا عدا عن أن أحدا لا یمکن أن یضمن أن إسرائیل لن تدمر أی مشروع فی ظل سیاسة البلطجة الإسرائیلیة التی مارستها على مرأى ومسمع من العالم حین قامت بتدمیر الکثیر من المشاریع الحیویة عدا عن البنیة التحتیة ومن ابرز ما دمرته خلال السنوات الماضیة کان مضار غزة عدا عن تدمیر مقر الرئیس الفلسطینی یاسر عرفات نفسه فی وقت مبکر من سنوات الانتفاضة الثانیة.
لم یقتصر انتقاد الاحتلال الإسرائیلی وما یقوم به على الموطن الفلسطینی لا بل إن بعض المستثمرین وجهوا انتقادات حادة لما تقوم به إسرائیل من سیاسة انتقامیة وغیر إنسانیة فی الأراضی المحتلة، وفی هذا السیاق فقد قال المستثمر الأردنی من أصل فلسطینی عبد الرحمن أبو سیف والذی کان مستفزا بشکل کبیر من ممارسات جیش الاحتلال ' ما یقوم به الجیش الإسرائیلی إنما یأتی من اجل تخریب المؤتمر ، لقد شاهدت وزملائی بالطریق إلى بیت لحم العدید من الحواجز العسکریة، لقد أوقفونا أکثر من مرة، لقد نفذ صبرنا'.
ویرى البعض أن مؤتمر بیت لحم أو مؤتمر فلسطین للاستثمار لیس سوى محاولة للتغطیة على فشل انابولیس ومن بعده مؤتمر باریس الذی تعهد المشارکون فیه إلى تقدیم ما یزید عم سبعة ملیارات من الدولارات، هذا الرقم الذی کان مذهلا بالنسبة للفلسطینیین، إلا أن ما تم حتى الآن لم یزد عن ما یقارب 600 ملیون دولار أی اقل من 10% مما تم فی باریس.
وبالعودة إلى السید أبو سیف الذی صرح بحسب وکالة فلسطین الإخباریة المحلیة بالقول انه أتى من أجل 'الاستثمار فی فلسطین فی مجال السیاحة الدینیة ولکن الوضع غیر مشجع نظرا لإجراءات الاحتلال' .
لقد لوحظ بأنه وفی الوقت الذی یعتقد رجال الأعمال العرب الذین شارکوا فی المؤتمر بان هنالک ضرورة للاستثمار فی فلسطین إلا أنهم لا یستطیعون المغامرة فی بلد تحکمه بنادق الاحتلال ودباباته وطائراته، ولا ضامن لما یمکن أن یضخوه من أموال فی هذا البلد، خاصة وان إسرائیل لن تتردد فی فعل ما تشاء وان أحدا لن یحاسب إسرائیل على ما یمکن أن تقوم به ضد أی استثمار، وأشار بعضهم إلى الآثار الموجودة على مکان انعقاد المؤتمر فیما یعرف بقصر المؤتمرات فی منطقة برک سلیمان القریب من قریة الخضر جنوب بیت لحم حیث لا تزال آثار التدمیر الإسرائیلیة بادیة للعیان، هذا المؤتمر الذی یعتبر احد الاستثمارات العربیة التی لم تتردد القوات الإسرائیلیة بقصفها خلال الأعوام الماضیة.
وفی تصریحات لرئیس الوزراء الفلسطینی سلام فیاض تعکس بشکل أو بآخر شعوره بأن هذا المؤتمر لن یحقق ما کان مرجوا منه فی ظل تردد المشارکین فی الاستثمار فی بلد لا زال یخضع للاحتلال 'إن مجرد انعقاده یمثل قصة نجاح للإرادة الفلسطینیة وان دخول المستثمرین یؤکد إمکانیة تعزیز هذا المسار فی المستقبل'.
المواطن الفلسطینی بشکل عام یعتقد بان هذا المؤتمر لن یحقق اکثر من عقد صفقات اعدد قلیل من المستثمرین ورجال الأعمال الفلسطینیین وهذه سوف تکون ذات مردود محدد ولن یستفید منها الکثیر من الناس العادیین إلا إذا تم فتح بعض المشاریع التی من الممکن أن یتم تشغیل أیدی عاملة فلسطینیة فی ظل البطالة الموجودة فی فلسطین بسبب الإجراءات الإسرائیلیة, ویرى البعض بان فلسطین بحاجة إلى ما هو أکثر من المشاریع الخاصة، حیث لا یوجد على سبیل المثال جامعة حکومیة واحدة فی فلسطین کما یعتقد البعض، ولا یوجد مدینة ریاضیة متکاملة على سبیل المثال.
احد المستثمرین السعودیین قال بأنه أتى الى فلسطین بسبب حبه لها ولأهلها إلا أنه لن 'یضحک على نفسه ولا على الآخرین' فهو وبعد کل هذا الذی رآه ' لا یمکن أن استثمر هنا طالما أن لاشیء مأمون'، وأضاف 'اعتقد بان هذا بلد بکر للاستثمارات لکن لا احد من الممکن أن یضحی بما جمعه خلال حیاته لیأتی ویستثمر فی فلسطین' کما قال بأنه ' انبهر من العقول الفلسطینیة وخبراتها وإمکانیاتها، إلا أن هذا لا یکفی لکی یکون مشجعا على الاستثمار' وعند سؤاله فیما إذا کان هذا رأی بقیة زملاءه قال 'اعتقد بان هذا هو شعور کل المستثمرین أو اغلبهم، بغض النظر عما یقال للإعلام'.
برغم أن سلام فیاض أعلن فی نهایة المؤتمر بأنه تم الاتفاق على مشاریع قیمتها ملیار و400 ملیون دولار المؤتمر وأنه کان یأمل بأن یتم الاستثمار فی مشاریع لا تقل عن ملیاری دولار إلا أن البعض یرى بأن هذا الرقم لم یتحقق وقال بأنه وبرغم ما تم الإعلان عنه إلا أن ما تم هو فقط الاستثمار فی حوالی نصف ملیار دولار فی مشروع کان معد سلفا وهو یتمثل بشکل رئیسی فی إقامة مدینة بین نابلس ورام الله بقیمة 350 ملیون دولار، هذا المشروع الذی کان معد سلفا وجد شریک له من مستثمرین قطریین.
مؤتمر فلسطین للاستثمار وبرغم الاهتمام الذی أولته إیاه الحکومة الفلسطینیة وصدور ما سمی بإعلان بیت لحم فی نهایة المؤتمر إلا انه یظل محل اختلاف بین من یرى فی مجرد انعقاده قصة نجاح وبین من یرى انه لا یشکل أیة إضافة سوى المزید من التطبیع المجانی بین الدولة العبریة وبعض المستثمرین جلهم من دول الخلیج خاصة فی ظل ما قاله احد المسؤولین الإسرائیلیین السابقین الذی قال بان مثل هذا المؤتمر هو الذی یصنع السلام.
و فیما یلی نص الإعلان :
إیماناً من السلطة الوطنیة الفلسطینیة بالدور الریادی للقطاع الخاص، وأهمیة التکامل مع الجهود التی تقوم بها الحکومة، ومن منطلق الحرص على المصلحة العامة، وأهمیة تجسید مبدأ الشراکة الوطنیة الحقیقة، بما یساهم فی تحقیق الانتعاش الاقتصادی، والتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة المستدامة، من خلال توفیر البیئة المناسبة لقطاع الأعمال والاستثمار فی فلسطین، ومن منطلق حرص الحکومة وتقدیرها العالی لمبادرات القطاع الخاص وجهوده المتواصلة فی تطویر الأجندة الاقتصادیة الوطنیة، وتعزیز دوره الریادی فی إستراتیجیة عمل السلطة الوطنیة إزاء الاقتصاد الفلسطینی باعتباره المحرک والمشغل الرئیس لعجلة هذا الاقتصاد، شکلت الحکومة لجنة وزاریة خاصة برئاسة رئیس الوزراء، لتعمل مع اللجنة التی شکلتها مؤسسات القطاع الخاص برئاسة أمین سر المجلس التنسیقی، مؤکدة بذلک استجابتها لأهمیة تنظیم العلاقة فی إطار یمکن من بحث کافة القضایا المتصلة بالقطاع الخاص والعملیة الاقتصادیة واتخاذ کل ما هو ضروری من إجراءات تضمن المتابعة والتنفیذ، وقد تم عقد الاجتماع الأول للجنة الوزاریة ولجنة القطاع الخاص حیث تمت بلورة جدول الأعمال المشترک والذی یتضمن :
أولا : تطویر التشریعات والقوانین المتعلقة بالعملیة الاقتصادیة.
ثانیاً: التخطیط والإدارة وإصلاح الخدمات وتطویرها.
ثالثاً: المعوقات الإسرائیلیة أمام الاقتصاد الفلسطینی.
إن هذا الإعلان المشترک یعبر عن الرؤیة الإستراتیجیة للحکومة والقطاع الخاص، لیس فقط لتعزیز التنسیق والتکامل بینهما، بل والتأسیس لعلاقة منظمة تمکن من العمل المشترک فی تحمل المسؤولیة الوطنیة، للنهوض بالاقتصاد الوطنی ومتطلبات دعم الدور الریادی للقطاع الخاص فی عملیة التنمیة الاقتصادیة فی فلسطین.
إن الحکومة تعلن التزامها وحرصها على توسیع دور القطاع الخاص، بما یساهم فی ترجمة خطة التنمیة والإصلاح، فی خطط طموحة وبرامج فعالة، وبما یکفل تنفیذ أولویات التنمیة ومتطلباتها فی کافة أرجاء الوطن، ویضمن مزیداً من دعم الدول والمؤسسات المانحة، ویحقق تقدماً فی إزالة المعوقات الإسرائیلیة، ویساهم فی تفعیل الاتفاقیات الاقتصادیة والتجاریة مع الأطراف الدولیة وکافة الشرکاء، وفی إطار یحمی المصالح الفلسطینیة ویکون قادراً على توظیف هذه العلاقات والاتفاقیات للنهوض بالاقتصاد الفلسطینی، وانجاز حقوق شعبنا الوطنیة.
وان الحکومة إذ تعبر عن التزامها بالشراکة مع القطاع الخاص، فإنها تؤکد مواصلة العمل على فرض القانون والنظام وتعزیز حالة الاستقرار والسعی الحثیث لإصلاح قطاع العدل بکل مکوناته کرکائز أساسیة لتوفیر بیئة سلیمة لنمو الأعمال والاستثمار وللتسریع فی هذه العملیة وجعلها حقیقة راسخة من خلال جملة من الإجراءات والقرارات لتأمین متطلبات القطاع الخاص واحتیاجاته، حتى یتمکن من القیام بدوره الریادی بأفضل ما یمکن، وبما یحقق التکامل فی العمل.
وفی ضوء ذلک، سنواصل العمل معاً من خلال الحوار المنظم والتنسیق الدائم ، وبما یضمن التعامل الفعال مع کل المستجدات، بأقصى درجات المسؤولیة المشترکة التی تفرضها خصوصیة المرحلة التی یمر بها الاقتصاد الفلسطینی والأوضاع الوطنیة بشکل عام، والتی تستدعی الثقة بالنجاح واستثمار کل الإمکانیات من أجل اقتصاد قوی وفاعل، یوفر رکیزة إضافیة للصمود الوطنی وتشکل نجاحاته حافزا ورافعة أساسیة نحو الحریة والاستقلال والازدهار.
( التقریر من اعداد رشید شاهین )
ن/ 25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS