لماذا نجحت قطر وفشلت السعودیة؟
الشراکة السعودیة ـ الامریکیة التی بدأت بتحریر افغانستان من الاحتلال السوفییتی ومن ثم التعاون المفتوح لضرب افغانستان عام 2001 وبعده الموقف المتذبذب من احتلال العراق عام 2003 وما قبله الموقف المؤید لحصار العراق خلال التسعینات، کلها مواقف أخرجت السعودیة من دائرة الحیادیة وأدت الی تقلیص بل انعدام قدرتها علی تبوؤ منصب القیادة علی الصعید العربی والاسلامی، حاولت السعودیة أن تجمع فصائل متناحرة فی فلسطین والعراق من خلال مؤتمرات مکة مستعینة بذلک بثقلها الدینی والمادی ولکن دون جدوی، بینما نجد دولة قطر الصغیرة قد انجزت نجاحاّ باهراّ خلال أقل من اسبوع لتوحید الصف اللبنانی واخراج أهله من دوامة الاحتراب والاقتتال الداخلی، عندما وقفت السعودیة متفرجة على تدمیر لبنان خلال صیف 2006 سعت قطر من خلال مجلس الأمن لایجاد مخرج او اتفاق علها بذلک تنهی تساقط الصواریخ والقنابل على لبنان.
أما السعودیة فراحت تلوم الضحیة ومغامراتها حسب خطابات القیادة الرسمیة. وعندما اقترب اللبنانیون من حرب داخلیة دمویة أطلقت الصحافة السعودیة العنان لمنابرها لتدین طرفاّ واحداّ. وساعدتها بذلک فتاوی العلماء الذین استحضروا خلافات عقیدیة قدیمة لیسقطوها على وضع سیاسی جدید، اصبحت السعودیة طرفاّ فی نزاعات العرب الداخلیة ولم تمنع نفسها عن السقوط فی مستنقعات عربیة معقدة ومتشابکة،
وبما ان السعودیة تطمح لأن تکون القطب المحرک للعالم العربی وجبهة قویة فی الخلیج تواجه القوة المتصاعدة لایران الا انها لن تجمع العالم العربی وتحشده خلفها ان ظلت طرفاّ فی الصراعات الداخلیة او أداة لتمریر عملیات سلام فاشلة لا تقبلها الجهات المعنیة مباشرة مثل الأطراف الفلسطینیة او العراقیة والآن اللبنانیة، لقد ساهمت السعودیة ومن خلفها الولایات المتحدة بالانقسام والشرخ العربی الذی یتبلور الیوم بین معسکرین. احدهما یدعی الاعتدال والآخر یدعی الامتناع، تدهور العلاقات السوریة ـ السعودیة خلال الاعوام السابقة فتح الباب على مصراعیه أمام تبلور المعسکرات العربیة المتصارعة التی تنضم تحت رایتها دول وأنظمة من الطرفین،
ان ارادات السعودیة فعلاّ ان تلعب الدور القیادی الذی تطمح الیه یجب علیها اولاّ ان تنفض الغبار عن سیاستها الخارجیة وربما تستبدل الطاقم الحالی القدیم بطاقم جدید عنده من الحیویة والنضارة ما یجعله یستقطب الرأی العام العربی لیس بالشعارات القدیمة عن وحدة الصف واللحمة العربیة، بل باجراءات وقرارات تطبق على الأرض وربما تشتت القیادة السعودیة ذاتها وتعدد مصادر القرار داخلیاّ هما ما یجعلان السعودیة غیر قادرة على توحید صفها الداخلی قبل ان تخرج للعالم العربی طامحة لقیادته. ان تقلبات السیاسة العربیة وارتباط حلول المشاکل الداخلیة بالوضع الاقلیمی والعالمی یتطلبان تغییراّ جذریاّ فی السیاسة الخارجیة السعودیة. لن تستطیع السعودیة ان تتحول الی محور قوی طالما انها ترکض وراء المشاریع الامریکیة ومتطلبات الأمن القومی الأمریکی. وطالما ظلت السعودیة نفسها رهینة لتعددیة مصادر القرار فی السعودیة ذاتها، ورغم مرور اکثر من عامین على تولی الملک عبد الله منصبه کملک للبلاد الا انه لم یستطع ولن یستطیع ان یحسم التعددیة الداخلیة السعودیة، اذ انه محور واحد ضمن عدة محاور، کل منها یفرض رأیه وقراره لیس فقط علی السیاسة الداخلیة، بل ایضاّ على المواقف من أزمات المنطقة العربیة. لقد انهکت القرارات المتضاربة والممارسات المتناقضة الساحة السعودیة الداخلیة وشلت قدرة السعودیة على لعب دور قیادی علی الساحة العربیة. فلا اصلاحات الداخل التی وعد بها الملک تحققت، بل تزایدت عملیات القمع وطالت اصحاب الرأی والأقلام من کتاب وأکادیمیین ومدونین علی خلفیة وعود وهمیة بالانفتاح والحریة والتعددیة. وکما هوحال الوضع الداخلی المتردی نجد ان السیاسة الخارجیة هی ایضاّ رهینة المواقف المتباینة والتصریحات المتناقضة التی تصدر من أقطاب متعددة داخل السعودیة والتی لکل منها آلة اعلامیة وأقلام تروج لها، وبینما التزمت قطر بمواقف موحدة لأن سیاستها لا تدار من قبل أطراف متناقضة ومتناحرة نجد السعویة تغرق فی تصریحات متباینة تصدر من قبل أقطاب متعددة داخل قیادتها. احادیة القرار الخارجی فی قطر تقابلها تعددیة هدامة فی السعودیة قلصت من قدرة السعودیة على الخروج من دوامة التناحر الداخلی والتباین فی المواقف ازاء الأزمات العربیة المتکررة.
ان الدولة المرکزیة التی بناها الملک فیصل خلال الستینات والسبعینات لنا علیها الکثیر من المآخذ ولکن یبدو ان هذه الدولة استطاعت ان تحد من التناقضات السیاسیة خاصة فی العلاقات الخارجیة. حینها کان العالم یعرف المحور الأساسی المحرک للسیاسة الداخلیة والخارجیة السعودیة، أما الیوم فنحن امام حالة جدیدة أبرز معالمها تشرذم القرار السعودی الداخلی الذی وقع فریسة لتصارع الأمراء فی مرحلة التسابق الی الوصول الی أعلی مرکز فی الدولة، الدولة السعودیة الیوم هی أشبه ما تکون بقبیلة دون رأس رغم کل المحاولات والشعارات وطقوس الوحدة المزیفة التی تستحضرها القیادة السعودیة فی مهرجاناتها وطقوسها المعروفة.
ان کانت دولة ما لها من الموارد والثروة کالسعودیة تطمح فی قیادة العالم العربی او لعب دور اکبر فی حل قضایاه العالقة والمستعصیة فیجب علیها ان تتحول الی مسار تقنین السلطة وحصرها بید طاقم واحد ولیس تفکیک مسارها من خلال تدخل شریحة کبیرة من الأمراء وأبنائهم فی مسارها. وأهم من ذلک علی السعودیة ان تفک الارتباط مع مسارات الأمن القومی الأمریکی لأن الأحداث الحاصلة علی الساحة العربیة تبرهن یوماّ بعد یوم ان مصالح الولایات المتحدة لیست بالضرورة هی مصالح الأنظمة العربیة الحاکمة.
تحتاج السعودیة الی نقلة نوعیة تنتزعها من حالة تشرذم القرار الداخلی وتعددیة مصادره بالاضافة الی استقلالیة واضحة وصریحة تبعدها عن مسار الخطوط العریضة للسیاسة الأمریکیة فی المنطقة. عندها فقط تستطیع السعودیة المحاولة من جدید وبطریقة اخری ان تحشد الرأی فی العالم العربی خلفها وتنتزع نفسها من متاهات التشرذم والتهمیش وحتی العداء من قبل شرائح کبیرة فی العالم العربی لا تزال مقتنعة ان السعودیة لیست الا ذراعاّ للسیاسة الأمریکیة. یجب علی السعودیة ان تقف ضمن مساحة واحدة من جمیع الأطراف المتنازعة فی أی عاصمة عربیة علّها بذلک تنجح فی مساعیها لیس فقط فی حل المنازعات بل فی فرض نفسها کمحور مهم وقوی فی السجالات الدولیة والعربیة. ربما المال وحده او الثروة النفطیة لا تضمن الدور القیادی ان لم تلازمها سیاسة حکیمة اکثر قرباّ من مصالح المنطقة وبعداّ عن المصالح الخارجیة. وهذا یبدو لنا نقطة انطلاق لقرار سیاسی صعب ان لم تحسمه السعودیة الیوم فستظل علی هامش الحدث، بل ستجلب لنفسها مصاعب قادمة قد تتخطی الصلح اللبنانی وتتجاوزه الی أبعد من ذلک خاصة وان المواجهة قد تنتقل من البحر المتوسط الی الخلیج ( الفارسی ) ذاته ان کان الأمن القومی الأمریکی یتطلب مواجهة مع ایران فی المستقبل.
( للکاتبة والاکادیمیة السعودیة الدکتوره مضاوی الرشید )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS