السبت 12 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الانفجار القادم من غزة

نتمنی ان یقرأ الزعماء العرب، والرئیس المصری حسنی مبارک على وجه التحدید، التصریحات التی ادلى بها الأسقف الجنوب افریقی دیزموند توتو الفائز بجائزة نوبل للسلام اثناء ختام جولة تفقد الحقائق فی قطاع غزة، ووصف الاوضاع فیها بانها جریمة ضد الانسانیة، وعار على المجتمع الدولی المتواطیء مع هذه الجریمة.المجتمع الدولی لیس وحده المتواطئ مع جریمة قتل ملیون ونصف الملیون انسان جوعا وإذلالا، وانما ایضا القادة العرب جمیعا، ومعهم ثلاثمئة ملیون مواطن عربی یشارکون فی مؤامرة الصمت هذه، ولا یحرکون ساکنا.

قطاع غزة بلا طعام ولا وقود، ولا بضائع ولا مستشفیات ولا ادویة، فقط موت بطیء یزحف على ابنائه الصابرین الصامدین فی وجه اشرس استعمار نازی فی التاریخ الحدیث.

الرئیس الامریکی جورج بوش استخدم منبر المنتدی الاقتصادی الدولی فی شرم الشیخ، وضیافة الحکومة المصریة له، لکی یلقی علینا محاضرات حول الدیمقراطیة وحقوق الانسان، وسط تصفیق الحاضرین وبینهم شمعون بیریز، وتسیبی لیفنی وبنیامین نتنیاهو، وایهود اولمرت، ولکنه لم یتطرق بکلمة واحدة عن انتهاک هؤلاء الفاضح لحقوق الانسان الفلسطینی، وحرمان اهالی الاراضی المحتلة، فی الضفة والقطاع، من الحد الأدنی من متطلبات الحیاة الکریمة. ولم یقل ان الحکومة الاسرائیلیة التی یتغنی بدیمقراطیتها منعت الأسقف توتو ولجنة تقصی الحقائق الاممیة التی یترأسها من دخول قطاع غزة لأکثر من عامین، ورفضت التعاون معها کلیا، لانها تدرک تماما ان المهمة المکلفة فیها وهی التحقیق بمذبحة بیت حانون، سیدینها بارتکاب جرائم حرب ضد الانسانیة جمعاء.

لا نستغرب ان یتواطأ الرئیس بوش مع اسرائیل وجرائمها، فهو الرئیس الاکثر مساندة لها فی التاریخ الامریکی، وخاض حربین من اجل استمرارها فی ارتکاب مجازرها هذه، ولکن ما نستغربه هو تواطؤ الزعماء العرب، وقادة محور الاعتدال علی وجه الخصوص، الذین نصبوا من انفسهم مدافعین عن العرب السنة فی المنطقة.

بالأمس انطلق الآلاف من ابناء القطاع فی مظاهرات احتجاجیة صاخبة امام معبر صوفیا الاسرائیلی، وواجهوا رصاص القوات الاسرائیلیة بصدورهم العامرة بالایمان، وسقط منهم عشرة اشخاص جرحی، اثنان منهم جراحهما ممیتة. وغدا ربما یتکرر المشهد مرة اخری امام معبر رفح، ولا نستبعد مجزرة اکثر ضراوة، بعد تهدیدات السید احمد ابو الغیط وزیر الخارجیة المصری بکسر رجل کل من یعبر الحدود المصریة، والهجوم الاعلامی الشرس الذی شنه کتّاب السلطة المصریة علی الفلسطینیین المحاصرین، وتحریض الشعب المصری ضدهم عبر قصص مفبرکة عن صدور فتوی من امام فلسطینی لمسجد صغیر فی رفح بإباحة دم حرس الحدود المصریین، وهی فتوی نفاها صاحبها، ویجری اتصالات حالیا مع فریق من المحامین لرفع دعوی قضائیة ضد الصحف الرسمیة التی نشرتها.

المحاصرون فی قطاع غزة انتظروا اکثر من اربعة اشهر تنفیذ الحکومة المصریة لوعودها بفتح المعبر، واکمال اتصالاتها مع الطرف الاسرائیلی، ولکنها لم تفعل شیئا، وصعّدت تهدیداتها وتحذیراتها، وعززت من اعداد قواتها الامنیة فی الجانب المصری من المعبر، وامرت هؤلاء باطلاق النار تحت عنوان حمایة السیادة المصریة ومنع انتهاکها من الفلسطینیین.

اللواء عمر سلیمان رئیس جهاز الاستخبارات المصری المکلف بالملف الفلسطینی، تعهد لوفد من حرکة حماس بفتح معبر رفح من جانب مصر فی حال رفض الحکومة الاسرائیلیة للوساطة المصریة فی التهدئة. ممثلو حرکة المقاومة الفلسطینیة فی القطاع قبلوا بالوساطة المصریة وبنودها کاملة من اجل انجاحها، بما فی ذلک البند المتعلق بوقف اطلاق الصواریخ، وحتی هذه اللحظة لم تقدم الحکومة المصریة علی ای اجراء بشأن فتح المعبر، والسماح للمعتقلین فی القطاع بالحصول على حاجاتهم الانسانیة الأبسط من الغذاء والدواء.

وربما یجادل بعض المقربین من الحکومة المصریة بانها فتحت المعبر امام الحالات الانسانیة، مثل السماح للمرضی بالعبور من اجل تلقی العلاج فی مستشفیات القاهرة، ونسیت ان کل ابناء القطاع تنطبق علیهم هذه التسمیة، وتکفی الاشارة الی ما قاله الأسقف توتو فی وصفه لحال هؤلاء الوضع فی غزة مأساوی ومؤلم، لم نر ایة ملامح للحیاة، ولا ای عابر طریق. لم نشاهد اطفالا یضحکون ویلعبون، ولم نر حتی سیارات لنقل المواطنین لانعدام الوقود .

ایهود باراک وزیر الدفاع الاسرائیلی قال ان الاتفاق على التهدئة ما زال بعیدا جدا، وهذا یعنی احد امرین، الاول ان یستمر هذا الحصار النازی لأشهر مقبلة، والثانی الإعداد لاجتیاح عسکری کبیر للقطاع على امل تصفیة حرکات المقاومة فیه، وبشکل نهائی.

الحکومة الاسرائیلیة تملک الدبابات والطائرات والعتاد العسکری اللازم لاجتیاح القطاع، ولکن السؤال هو حول الخسائر الضخمة التی ستتکبدها اذا ما اقدمت علی هذه الجریمة، وکیف ستتصرف فی حال نجاح هذا الاجتیاح وهو امر مشکوک فیه.

فاجتیاح مخیم جنین الذی لا تزید مساحته عن کیلومتر مربع استغرق عشرة ایام علی الاقل، وکلف الاسرائیلیین 26 قتیلا، وعشرات الجرحی، ومحاولة اقتحام بیروت الغربیة، استغرقت ثمانین یوما قبل 26 عاما وبالتحدید فی حزیران /یونیو عام 1982. ترى کم یوما ستحتاج القوات الاسرائیلیة لاحتلال قطاع غزة (365 کیلومترا مربعا) ثم ماذا ستفعل بعد ذلک، هل ستبقى کقوة احتلال، ام تنسحب منه وتسلمه لسلطة محمود عباس، وهل یمکن ان تقبل هذه السلطة بحکم القطاع علی جثث مئات وربما آلاف الشهداء الذین قاوموا الغزو الاسرائیلی دفاعا عن کرامة الأمة والعقیدة؟

نتمنی ان تقدم الحکومة المصریة علی تنفیذ وعودها بفتح معبر رفح، وتجنب نفسها، والشعب المصری، والأمة العربیة بأسرها کارثة کبیرة نراها واقعة لا محالة فی حال استمرار الاغلاق. فاسود غزة عقدوا العزم على کسر اقفاص الجوع والحصار مرة اخرى، وباتت تحضیراتهم للزحف الکبیر، علی وشک الاکتمال.

نحن امام مجزرة کبیرة ولکنها قد تکون علی ایدی الاشقاء، وبین الاشقاء، وهنا تکمن المصیبة الکبرى التی لا یتمناها او یریدها احد. والامر مناط بحکمة العقلاء فی الحکومة المصریة، للتحرک بسرعة ونزع فتیل الأزمة، قبل حدوث الانفجار الکبیر.

کلمة اخیرة نوجهها الى الشعب المصری البطل الذی قدم آلاف الشهداء من اجل قضایا الامة والعقیدة، وما زال یذکر المجازر الاسرائیلیة ضد ابنائه فی مدن القناة ومدرسة بحر البقر، ان لا ینخدع بحملات التضلیل الاعلامیة التی یمکن ان تضع المسؤولیة علی الضحیة الفلسطینیة تحت ذریعة کرامة مصر وسیادة ارضها.

الذی ینتهک کرامة مصر وسیادتها ویسیء الى تاریخها العریق فی نصرة قضایا الحق، ویتصدی للظلم هو الذی یقبل بتجویع الاشقاء وإذلالهم بحصار نازی، ویحکم اغلاق سجنهم خدمة للجلادین الامریکی والاسرائیلی، اما من یحاول کسر هذا الحصار، ویتصدی للاسرائیلیین ویستشهد من اجل تأکید عروبة الارض، واستعادة مقدسات الأمة، فهو الأحرص على مصر وکرامتها وسیادتها.

(عبد الباری عطوان )

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 139533







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
  1. أسير إسرائيلي: إذا أردتم أن تعرفوا عدد الأسرى إسألوا سارة نتنياهو
  2. إصابة 9 جنود إسرائيليين بينهم نائب قائد فرقة وقائد كتيبة في الشجاعية بغزة
  3. في إطار جمعات الغضب.. مدن إيرانية تنظم وقفات تضامنية مع غزة
  4. صنعاء تستهدف "بن غوريون" بصاروخ باليستي فرط صوتي.. وتُهاجم هدفاً في يافا المحتلة
  5. كتائب القسام توقع قوة إسرائيلية في حقل ألغام.. وجنود الاحتلال بين قتيل وجريح
  6. المشّاط للإسرائيليين: لا تراجع عن إسناد غزّة.. الزموا الملاجئ ردّنا سيكون مزلزلاً
  7. الإدارة الأميركية ترضخ.. القوات اليمنية تستفرد بالعدو الصهيوني
  8. انصار الله: إعلان ترامب فشل لنتنياهو
  9. سرايا القدس تسيطر على مُسيرة إسرائيلية شرق مدينة غزة
  10. العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء الدولي.. هجوم استعراضي موجه للداخل الصهيوني
  11. عدوان أمريكي إسرائيلي غاشم على اليمن بعشرات الطائرات
  12. وزير الخارجية الإيراني: الدعم القاتل لإبادة نتنياهو الجماعية في غزة، وشن الحرب نيابةً عنه في اليمن، لم يُحققا شيئاً للشعب الأميركي
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)