أملاک الیهود فی مصر.. أکاذیب ینفیها التاریخ
أثارت الأهداف غیر المعلنة حول دخول الطائفة الیهودیة إلى مصر والبحث عن أملاکهم وبیوتهم تحت شعار "المؤتمر" الذی دعا بعض الیهود لعقده نهایة الشهر الماضی تساؤلات عدیدة، حیث اعتبرها البعض فرصة للوصول إلى السجلات الموجود بها کل المعلومات عن الیهود وأسمائهم، وعقود الزواج والطلاق وحتى شهادات الوفاة حتى تکون فی أیدیهم یستخدمونها فى تحقیق أی غرض من أغراضهم غیر المشروعة.
وکان نحو خمسة وأربعین من الیهود المسنین و معظمهم من أصول مصریة، قد خططوا لقضاء رحلة تستغرق أربعة أیام فی مصر، تتضمن زیارة المعابد الیهودیة التاریخیة والاستماع إلى محاضرات، وعمدت وسائل إعلام محلیة إلى وصف الزیارة بأنها تهدف إلى الاحتفال بالذکرى السنویة الستین لإنشاء دولة إسرائیل، وأنها ستدعو إلى المطالبة بعودة الممتلکات المصادرة التی کانت بحوزة الیهود فی السابق.
وقد صرح مصدرأمنی مصری ( فی حدیث "للعربیة نت" ) بأن السلطات المصریة اتصلت بمنظمی زیارة الوفد الإسرائیلی، وأنبأتهم بأن الزیارة تم إلغاؤها بسبب حساسیة الوضع الراهن فی المنطقة، مما دعا السیدة کارمن اینشتین رئیسة الطائفة الیهودیة بمصر أن تعلن رفضها ادعاءات بعض الیهود ذوی الأصول المصریة سواء فی إسرائیل أو غیرها بوجود أملاک لهم بمصر، ورفضها کذلک عقد المؤتمر ایاه، لأنه امتداد للمؤتمر الذی عقد فی حیفا 2006 ویهدف لإحداث بلبلة. مؤکدة أنها لن تسمح لأحد من الیهود المصریین برفع دعاوى للمطالبة بتعویض عن أملاک الیهود فی مصر، والتی تمت مصادرتها أثناء حکم الرئیس المصری الراحل جمال عبد الناصر، وقالت: من لدیه حقوقا ویملک مستندات عن عقارات فلیتقدم إلى القضاء المصری الذی أکن له کل ثقة واحترام.
وتضیف "اینشتاین" فی تصریح خاص لـ "إیلاف" : "نحن طائفة یهودیة مصریة ولیست إسرائیلیة، فالیهودیة دین بینما الإسرائیلیة جنسیة، ولیس لنا أی علاقة بإسرائیل من قریب أو بعید، وقد رفضنا منذ نصف قرن الهجرة إلیها، ومازلنا نرفض حتى زیارتها".
سرقة الأهرام
ولم تقف مزاعم الیهود على المطالبة بأملاکهم الشخصیة فقط، بل لقد امتدت مزاعمهم للأملاک العامة أیضا، فقد عمدوا إلى نشر أقاویل بأنهم هم البناة الحقیقیین للأهرام، فقد نشرت صحیفة "بدیعوت أحرونوت" الإسرائیلیة تقریرا فی 23 من ابریل الماضی بعنوان"دلیل للتنزه... مصر على طول ضفاف النیل" کدلیل لإرشاد السیاح الیهود لمعرفة أجمل أماکن التنزه بمصر، احتوى التقریر على معلومات مغلوطة تنطوی على مزاعم تاریخیة تنسب الحضارة المصریة إلیهم.
فبرغم اعترافها بامتداد الحضارة المصریة إلى أکثر من 10 آلاف سنة، إلا أن الصحیفة تقول أن فترة وجود الیهود فی مصر قبل خروجهم على ید موسى - علیه السلام – قبل أربعة آلاف عام من المیلاد شهدت تبلور الحضارة المصریة.
وأضافت فی سیاق مزاعمها أن هذه الأرض هى التی مرت ألف سنة قبل أن یخرج منها آباؤهم الیهود من بیت العبودیة لأرض کنعان فی نهایة الألف الرابعة قبل المیلاد، وهی الفترة التی شهدت بناء الأهرام"، فی إشارة إلى المزاعم التی تقول أن الیهود هم بناة الأهرام.
وفی مغالطة تاریخیة أخرى لها دلالتها، تقول الصحیفة أن أبا الهول شهد على رحیل المصریین، مثلما شهد على رحیل الفرس والرومان، وتشیر إلى أن الممالیک هم الذین حطموا أنفه وذقنه ولیس القائد الفرنسی نابلیون بونابرت.
وعلى الرغم من عدم توصل العلماء بشکل جازم إلى شخص فرعون الذی کان موجودا فی عصر النبی موسى علیه السلام، إلا أن الصحیفة تبدو ککثیرین مقتنعین بأنه رمسیس الثانی، واصفة إیاه بملک أراد "مزاحمة إله الیهود فلم یستطع".
وزیر الثقافة المصرى فاروق حسنى
مغالطة تاریخیة
ویرد وزیر الثقافة المصری فاروق حسنی على المزاعم الإسرائیلیة بشأن دور الیهود فی بناء أهرامات الجیزة، والمساهمة فی بناء بعض المعالم الأثریة فی جزیرة غرب أسوان قائلا: الیهود لم یشارکوا فی بناء الأهرامات، حیث لم یکن مسموحا لأتباع الدیانات الأخرى غیر دیانة الفرعون بالمساهمة فی بناء هذه المقابر والمعابد المقدسة.
ویضیف الوزیر فی معرض حدیثه أن علماء الآثار الأوروبیین المتعمقین فی دراسة الحضارة المصریة القدیمة یعلمون تماما کذب الیهود حین یزعمون أنهم ساهموا فی بناء الأهرامات، وبشأن وجودهم فی جزیرة غرب أسوان، إذ أن الآثار الموجودة فیها هی آثار آرامیة.
ویوضح "حسنی" أن الیهود دخلوا مصر مع سیدنا إبراهیم، وغادرها بعضهم بعد هزیمة الهکسوس، مشیرا إلى أنه لم یکن لهم دور یذکر فی بناء الحضارة الفرعونیة.
إنجازات من طین
ویضیف منیر محمود خبیر الآثار الیهودیة ومترجم اللغة العبریة بمرکز الأهرام للدراسات الاستراتیجیة: الادعاء الیهودی ببناء الاهرامات لیس له دلیل تاریخی وهو محض افتراء من عدة جوانب، أولها أن المصادر التاریخیة من بردیات ورسوم بالمعابد ونحت على الجدران لم تثبت تواجد لبنی اسرائیل بمصر فی هذه الفترة، کما أن "هیرودوت" أشهر المؤرخین وصاحب مقولة مصر هبة النیل ، کتب : أن الأهرامات کأسلوب بناء أو ظاهرة معماریة خاصة بالمقابر الفرعونیة انتهت مع الأسرة 13 عام 1600 ق.م، ومن مصادر التاریخ العبری ونقلا عن کتاب الیهود المقدس ( التوراة)، یروی سفر الخروج أن بنی اسرائیل عاشوا بمصر فیما بین یوسف علیه السلام (بدایة دخولهم ) الى موسى علیه السلام ( نهایة تواجدهم بالخروج من مصر)، وهی مرحلة تقترب من 430 عاما، کما أن حدث خروج بنی اسرائیل من عاصمة رمسیس الثانی کان حوالی 1240 ق. م، أی بعد انتهاء ظاهرة الأهرامات بما لایقل عن 500 عاما.
ویتابع خبیر الآثار أنه لایوجد نص من مصادر التاریخ العبری سواء فی التوراة أو أی مصدر آخر ذکر کلمة "بیرمیدوت" وتعنی اهرامات بالعبریة، وکل ماذکرعن فترتهم بمصر أنهم قاموا أثناء استعبادهم ببناء بیوت للمساکین من الطین فی عاصمة رمسیس الثانی ( الزقازیق) حالیا. إذن فلاتوجد إنجازات لجماعة بنی اسرائیل بمصر، وکل ماقاموا ببنائه مجموعة بیوت من الطوب اللبن، فکیف إذن ینسبون لأنفسهم بناء الأهرامات التی بناها المصریون معتمدین على خبرات هندسیة واسعة ودرایة بعلوم الفلک؟
حقوق مزعومة
وکما فند الوزیر وخبیر الآثار مزاعم الیهود فیما یختص بالأملاک الامة یفند د. رفعت سید احمد الخبیر الاستراتیجی ومدیر مرکز یافا للدراسات السیاسیة مزاعمهم الخاصة بأملاکهم الخاصة .. فمن خلال اتصال مع شبکة الاخبار العربیة "محیط یقول: لاتوجد إحصاءات دقیقة حول حجم وقیمة الأملاک الیهودیة بمصر إن وجدت، وهناک زعم یهودی بأ ن قیمتها تبلغ 4 ملیار دولار، وأنهم سیلجأون إلى جهات دولیة لاسترداد حقوقهم المزعومة، وطبقا للقانون یسقط حقهم فی أملاکهم بمصر بعد أن ترکوها بإرادتهم وانتقلت ملکیتها لغیرهم.
وعن أعداد الجالیة الیهودیة حالیا یضیف أن أعداد الیهود لاتزید بأی حال فی أیامنا هذه عن عدة عشرات لاتتعدى المائة ، ومعظمهم وصل لمرحلة الشیخوخة.
إبتزاز سیاسی
ویؤکد الدکتور شفیق احمد علی - المحلل السیاسی والمتخصص فی الإسرائیلیات أن نغمة أملاک الیهود فی مصر تعلو دائما عندما تطالب مصر بحقوق الفلسطینیین وحق العودة للاجئین
مشیرا إلى أن إسرائیل أثارت قضیة الأملاک مرار وتکرارا، و کان أهمها قضیة الإسکندریة التی أقامها ورثة جوزیف سموحة الذین یطالبون برد 37 فداناً فی منطقة سموحة فی المحافظة، وورثة الیهودی الإنکلیزی ألبرت میتزغرالذین أقاموا دعواهم عام 1978لاسترداد فندق «سیسل» الشهیر فی محطة الرمل الذی أنشئ عام 1929، وصدر القرار الجمهوری رقم 5 لسنة 1956 بتأمیمه لدواع أمنیة.
یقول الکاتب: التاریخ - بما فی ذلک کتب التاریخ الیهودی - یشیر الى أن خروج الیهود من مصر عقب قیام ثورة یولیو وتحدیدا مع عام 1956 کان بإرادتهم الکاملة، والوثائق التاریخیة تؤکد أن مصر لم ترغمهم على المغادرة، بل هم اللذین فضلوا بیع ممتلکاتهم والهجرة بمحض إرادتهم.
وکان معظم أبناء تلک الجالیة قد اختاروا الهجرة إلى إسرائیل وأوروبا، فی أعقاب التدهور فی العلاقات على نحو دراماتیکی بین مصر والدولة الیهودیة خلال الحرب التی وقعت بین البلدین عام 1965.
فرار المصالح
یروی الدکتورنبیل عبد الحمید أستاذ التاریخ المعاصر والحدیث: کان لقیام إسرائیل عام 1948 واندلاع الحرب بین الیهود والعرب أثره فی تحدید دور طائفة الیهود فی مصر، وبعد قیام ثورة یولیو ازداد الموقف اضطرابا، بعد أن تغیرت موازین القوى بین العائلات الیهودیة والسلطة الحاکمة فی مصر، فقام معظمهم بتصفیة أعماله وأملاکه، وهاجر الکثیر منهم الى أوروبا وأمریکا وإسرائیل.
وقد ازدادت هجرة الیهود من مصر بعد فضیحة لافون عام 1955، تلک العملیة التی حاول فیها الموساد الاسرائیلی إفساد العلاقة بین مصر والدول الاجنبیة، عن طریق إظهار عجز السلطة عن حمایة المنشآت والمصالح الأجنبیة. وقتها کان عدد الیهود فی مصر 145 ألف یهودی جرى تهریبهم بأموالهم عن طریق شبکة «جوشین» السریة التی کانت تتولى تهریب الیهود المصریین الى فرنسا وایطالیا ثم إلى إسرائیل.
بالإضافة إلى أن الفکرة الصهیونیة بدأت فی السیطرة على عقولهم، فأصبحوا یروجون لفکرة أرض المیعاد والاستقرار والوطن القومی، وهذه تیمات عزف علیها الصهاینة، لکن الترحیل الفعلی لباقی الیهود تم بعد عام 1961 بعد صدور قرارات التأمیم، فلم یعد للیهود مکان فی الحیاة الاقتصادیة ففروا بأموالهم وأنفسهم.
لکن ینبغی ألا ننسى أن هناک یهودا لم ینظروا لدیانتهم على أنها جنسیة، ولکنها مجرد دیانة وکانوا مصریین حتى النخاع، وهناک المحامی المصری الیهودی الشهیر شحاته هارون الذی أصر على عدم ترک مصر، ومات فیها وبعد وفاته رفضت عائلته استقدام حاخام من إسرائیل للصلاة علیه.
طابور خامس
ویتفق معه فی الرأی الدکتورمحمد ابو الغار الذی یقول فی کتابه " یهود مصر من الازدهار الى الشتات " : ما حدث للفلسطینیین فی الأربعینات غیر مسار الشارع من تیار مصری وطنی إلى تیار عربی قومی، ولو کان الیهود المصریون یریدون فعلا أن ینصهروا فی بوتقة الشعب المصری لأعلنوا بوضوح أن ما یحدث فی فلسطین عمل غیر إنسانی، وأنهم یتفقون مع الشعب المصری فی تأییده للفلسطینیین، لکن ذلک لم یحدث بل بالعکس عندما قویت شوکة الدولة الیهودیة حتى قبل إعلانها تحول بعض الیهود المصریین إلى الصهیونیة، وبدأت هجرة البعض إلى إسرائیل.
ویضیف : عندما قامت ثورة یولیو 1952 کانت حریصة على طمأنة الیهود والحفاظ على ممتلکاتهم وأمنهم، وکانت هناک أقاویل عن احتمال قیام مباحثات بین عبد الناصر وإسرائیل، لکن الحکومة الإسرائیلیة سرعان ما نفذت عملیة "سوزان" التی جندت فیها یهودا مصریین، والتی أظهرت الیهود بمظهر الطابور الخامس فی وطنهم.
ثم جاء العدوان الثلاثی الذی اشترکت فیه إسرائیل بدون سبب، وشارک ضمن جنودها الیهود المصریون الذین تم تجنیدهم فی إسرائیل، بعدها بدأ نفوذ الصهیونیة العالمیة یزداد ، وشرعت فی الضغط على الیهود المصریین لترک مصر ترغیبا فی حیاة أفضل فی إسرائیل، وبهذا خرج من مصر ما بین عامی 56 و1960 نحو 36 ألف یهودی، منهم 13 ألف نقلتهم الوکالة الیهودیة إلى إسرائیل، وبقیت أعداد قلیلة أخذت تهاجر رویدا رویدا حتى لم یتبق منهم سوى 300 یهودی فقط عام 1970 من أصل ألف یهودی فی عام النکبة.
( الدراسة لابو بکر خلاف )
ص/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS