qodsna.ir qodsna.ir

الخداع الإسرائیلی مستمر

الخداع الإسرائیلی  مستمر 

  

لسنا بحاجة إلى شمعون بیرس کی یقول لنا أن فرص السلام مع الفلسطینیین تکاد أن تکون معدومة. فقد عرفنا ذلک منذ 14أیار/ مایو 1948 أی منذ قیام الکیان الصهیونی فی فلسطین. فلو کان فی نیة إسرائیل أن تصل إلى سلام حقیقی لختارت واحدة من آلاف الفرص التی فتحت أمامها لتحقیق ذلک والتی کان آخرها المبادرة العربیة التی وافقت علیها القمة العربیة فی بیرت الداعیة إلى سلام حقیقی  مع جمیع الدول العربیة. ولکن إسرائیل رفضتها.

ولکن الملفت للنظر هو: لماذا یتجرأ رئیس إسرائیل شمعون بیرس فی هذه الفترة الحساسة من تاریخ الصراع الفلسطینی ـــ الإسرائیلی على الإدلاء بتصریح متطرف یقول: "إن فرص التوصل إلى إتفاق سلام مع الفلسطینیین تکاد تکون معدومة". وقد قال ذلک  أثناء مأدبة عشاء أقامها وزیر الدفاع أیهود باراک (یوم 4-8-2008) حضرها عدد من الشخصیات من بینهم السفیر الأردنی لدى تل ــ أبیب.

وقال بیرس مبررا موقفه أن ذلک یعود إلى الإنقسام القائم بین حرکتی "فتح" و "حماس" وإفتقاد رئیس السلطة الفلسطینیة محمود عباس إلى الشرعیة بین أبناء شعبه، وأنه لن یکون فی إستطاعة عباس  حمایة وتنفیذ أی  إتفاق یبرمه مع إسرائیل.

وهذا الکلام فیه الکثیر من الوقاحة التی عهدناه من رجل فاشل مثل بیرس. فبلفة إلى الوراء نستطیع أن نقییم بیرس ومواقفه السیاسیة. بیرس لم یقم بأی عمل یذکر للوصول إلى سلام مع الفلسطینیین والعرب. رغم أنه من مهندسی إتفاقیات أوسلو. فعنما إغتیل رئیسه إسحاق رابین وتولى هو السلطة مکانه، کان من المفروض أن ینفذ  الإتفاق بالنسبة لمدینة الخلیل والذی تعهد به رابین. إلا أن بیرس تراجع وبدلا من ذلک قام بمذبحة قانا اللبنانیة (18/4/1996).

وربما أن عباس لا یتمتع بشعبیة الآن لدى الفلسطینیین بسبب تصدیقه لأشخاص مثل بیرس، ولکن هل معنى ذلک أن بیرس یرید أن یصل إلى سلام مع شخص آخر؟ ألیس هو الذی أکال المدیح لیاسر عرفات ووصل إلى إتفاقیات معه؟ فلماذا لم یحدث السلام فی عهده؟ وعمر الإنقسام الفلسطینی بین "فتح" و"حماس" الذی یتحدث عنه بیرس سنتین  تقریبا، وماذا قبل الإنقسام؟ هل تحرک بیرس للوصول إلى سلام؟

فقد عودتنا إسرائیل بیسارها الصهیونی ویمینها الصهیونی أن تجد دائما تبریرات کی لا تصل إلى سلام. فالسلام مع الفلسطینیین غیر وارد فی القاموس الإسرائیلی إلا إذا کان حسب مفهومها الداعی إلى التنازل الفلسطینی عن فلسطینیته وحقوقه. 

ولکن هذا لا یعنی أن بیرس لیست لدیه رؤیة أخرى للوصول إلى سلام مع دول المنطقة. إنه یتطلع إلى إجبار العرب على قبول فکرة "الشرق الأوسط الجدید" والذی ترى الولایات المتحدة أن فی الأمکان تنفیذه. وحسب مفهوم بیرس  فإن هذا "الشرق الأوسط الجدید" یضم دول المنطقة کل بمفردها دون وجود أبعاد قومیة وبالتالی تکون هذه المجموعة الجدیدة بدون الفلسطینیین لآنه لا دولة لهم ویصبح صهرهم فی داخل الدول العربیة أمر مطلوب وضروری.

هذه الفکرة الصهیونیة لیست ولیدة الیوم أو ولیدة أفکار بیرس، بل إنها جزء من أحدى الإستراتیجیات التی وضعتها الصهیونیة لمنطقة الشرق الأوسط (إستراتیجیة أخرى کانت وحدة الأقلیات فی المنطقة). وتعتقد إسرائیل أنه فی حالة نجاحها بتنفیذ "الشرق الأوسط الجدید" فإن جمیع الأمور ستتغییر فلن تکون هناک، على سبیل المثال، "جامعة الدول العربیة" ویحل مکانها منظمة "جامعة الدول الشرق أوسطیة". ومن ثم تتطلع إسرائیل للعب دور قیادی فی هذا العالم الجدید مدعومة من الولایات المتحدة ودولا أوروبیة أخرى.

وهناک أسباب أخرى تدفع بیرس للتجرؤ بإتخاذ مثل هذه المواقف العلنیة.  فی مقدمتها توجیه  الدعوة له ولبعض المسؤولیین الإسرائیلیین لزیارات رسمیة والمشارکة فی ندوات ومؤتمرات  فی دول عربیة لیس بینها وبین إسرائیل إتفاقیات سلام رسمیة. هذه الخطوات تعطی الإسرائیلیین الإنطباع عن تنازل بعض الدول العربیة عن مواقفها القومیة الداعمة للحق الفلسطینی.

ومن ثم هناک الفکرة السائدة لدى الکثیرین من بینهم مفکرین ومحللین سیاسیین عرب، أن النظام الإقلیمی العربی والدول العربیة قد فقدتا القدرة على ردع التحدیات الخارجیة الداعیة إلى تمیع الأمور الشیء الذی یساعد على إنعاش أفکار کالتی یحملها بیرس وغیره.

ثم هناک العجز الظاهر لدى صانعی القرار فی الدول العربیة  فی تفعیل مقومات التکامل العربی على جمیع المستویات القومیة والإقتصادیة والمعنویة والسیاسیة، وقد ترک هذا العجز فجوات للعناصر المناهضة للقومیة العربیة والأبعاد القومیة العربیة للوصول من خلالها إلى النفسیات العربیة. هذا العجز هو الذی یدفع أعداء العرب إلى محاولة السیطرة على المقدرات العربیة. ومن بینها مواقف إسرائیل الرافضة لأی مبادرة سلام والرافضة لتنفیذ أی إتفاق یبرم.

وهناک مشکلة التبعیة لدى الکثیر من الأنظمة العربیة، والتبعیة لا تساعد على إنعاش المجتمع والرقی به لأن ذلک یتناقض مع تطلعات الدول التی تستغل مقدرات الأمة العربیة وقد شاهدنا ذلک إبان حرب تموز/ یولیو 2006، ومواقف من المقاومة الفلسطینیة فی غزة وطبعا مواقف من  المقاومة العراقیة.

لقد فشل مشروع "الشرق الأوسط الجدید" ومشروع "الشرق الأوسط الکبیر" الذی نادى به جورج بوش فی أعقاب غزو العراق، والواقع أن هذه المشاریع کلها ستفشل حتى لو وجدت تأییدا من جانب  بعض الزعامات العربیة، لأن الشعب العربی یرفضها وأنه شعب حی مهما دارت حوله التکهنات.

( بقلم الکاتب والصحافی الفلسطینی فوزی الأسمر )

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 139579