عامان على تموز ،٢٠٠٦ عامان على الخیبة

عامان على تموز ،٢٠٠٦ عامان على الخیبة
حـرب زعزعـت ثقـة الإسـرائیلییـن بقیـاداتهـم.. وجیشهـم خیبتهم
لیس ثمة أکثر رمزیة من أن تحل الذکرى الثانیة للعدوان الإسرائیلی الأخیر على لبنان بعد أیام من إقرار الحکومة الإسرائیلیة لصفقة تبادل الأسرى مع حزب الله. ولا یقل رمزیة عن ذلک أن یعقد المجلس الوزاری الأمنی المصغر فی إسرائیل اجتماعاً خاصاً لمناقشة الخطر الذی یمثله حزب الله فی الجنوب اللبنانی بعد مضاعفته لقوته. وفی الحالین تنطلق الإشارة من إسرائیل بأن الحرب لم تحقق أیاً من أهدافها الأساسیة، لا بل أنها زعزعت المفهوم الرئیسی للأمن الإسرائیلی المتمثل بالحسم ونقل المعرکة الى أرض العدو لتجنیب مدنییها نیران الحرب.
فحرب لبنان الثانیة اختلفت عن غیرها من حروب إسرائیل بکونها الحرب الوحیدة التی حدد لها، بین أهداف عدة، هدف استرداد الأسیرین لدى حزب الله إیهود غولدفیسر وإلداد ریغف من دون قید أو شرط. بل أن رئیس الحکومة الإسرائیلیة إیهود أولمرت أعلن أمام الکنیست أنه لن یخضع »لابتزاز منظمة إرهابیة« وأنه »لن یتفاوض« معها.
وربما أن قرار الحکومة الإسرائیلیة بتصدیق هیکل الاتفاق الذی أبرمه الوسیط الألمانی غیرهارد کونراد یعبر عن الإقرار بفشل محاولة أولمرت تکریس عقیدة جدیدة فی التعامل مع قضیة الأسرى. فالقوة التی شعرت الحکومة الإسرائیلیة بامتلاکها فی أیار وحزیران من العام ٢٠٠٦ دفعت أولمرت لإعلان أن کل ما قبله یختلف عما لدیه وأنه لن یقبل من الآن فصاعداً بالتفاوض على الأسرى. وأعلن استعداده لخوض حرب من أجل ألا تخضع إسرائیل »للابتزاز« من جانب »منظمات إرهابیة«.
والرسالة التی أراد أولمرت وحکومته إیصالها سواء مع الفلسطینیین فی غزة أو حزب الله فی لبنان تقول بأن إسرائیل القویة تمتلک ضواغط تحول دون خضوعها للابتزاز. وأن بوسع إسرائیل أن تلقن الآخرین درساً یحرمهم من التفکیر ثانیة بإمکانیة استفزازها سواء بأسر جنودها أو بمناوشتها. وکما هو واضح فإن نتائج هذه المحاولة کانت کارثیة على الصعید الإسرائیلی من أکثر من ناحیة.
غیر أن أولمرت وحکومته استغلوا الحرب لتصفیة حسابات إقلیمیة ودولیة مع حزب الله عبر سعی واضح لتقزیمه فی لبنان أو شطبه. وتظهر المداولات التی جرت فی المجلس الوزاری الأمنی المصغر أن نتائج الحرب کما تتجلى میدانیا بعد عامین من شنها تثیر القلق بشکل کبیر. وقد عرضت أمام المجلس معطیات تظهر أن قوة الحزب الصاروخیة تضاعفت ثلاث مرات عما کانت علیه قبل الحرب وأن قوته السیاسیة تعاظمت. وجرت الإشارة على وجه الخصوص إلى ما سمی بامتلاک حزب الله عبر تحالفاته »حق النقض« فی الحکومة اللبنانیة.
ولا یقل أهمیة عن ذلک أن إسرائیل التی اعتبرت القرار ١٧٠١ درة تاج إنجازاتها فی حرب لبنان الثانیة غدت تتحدث عنه بوصفه »خرائب« و»أطلال«. وأشارت عبر تصریحات مسؤولیها إلى أن الواقع القائم یشهد على أن حزب الله »یتعاظم، یتحصن ویتسلح« وأن لدیه »أکثر من أربعین ألف صاروخ تغطی حوالى نصف أراضی إسرائیل«.
غیاب رموز الحرب
بعد عامین من الحرب یمکن بکل بساطة ملاحظة أن کل رموزها السیاسیین والعسکریین، عدا إیهود أولمرت، قد اختفوا عن الحلبة. وأولمرت مازال یصارع، ویبدو أنه فی الرمق الأخیر، للبقاء فی الحلبة بعد الضربة التی وجهتها تلک الحرب له ولمخططاته. فالکثیرون یؤمنون أنه لو حقق أولمرت إنجازا فی تلک الحرب ربما لما وجد نفسه فی الضائقة القانونیة وأصلا الشعبیة التی یعیش فیها. فالحرب قادت عملیاً إلى اتخاذ القرار مؤخراً بإجراء انتخابات تمهیدیة لزعامة کدیما فی منتصف أیلول المقبل. ومن شبه المؤکد أن أولمرت لن یشارک فی التنافس فیها وأنه سوف یسعى خلال الشهور القلیلة المقبلة للانسحاب من الحلبة بأقل ضرر ممکن.
فقد اختفى عن موقع التأثیر وزیر الدفاع عمیر بیرتس الذی انحسر نفوذه لیبقى مجرد عضو کنیست بعدما أطاحت به الحملة التی تکثفت بعد تقریر لجنة فینوغراد حول إخفاقات الحرب. وکذا الحال مع رئیس الأرکان فی حینه دان حلوتس الذی آثر اللجوء إلى العمل الخاص کمدیر عام لشرکة »کمور موتورز« التی تملک وکالة شرکة بی إم دبلیو. کما أن نائبه فی زمن الحرب موشیه کابلینسکی اضطر للانسحاب من الجیش الذی بات یعیش أکبر مهمة إعادة ترمیم فی تاریخه. ومن المؤکد أن أحداً لم یعد یتذکر قائد الجبهة الشمالیة أودی أدم الذی استقال فور انتهاء الحرب أو الجنرال غال هیرش قائد فرقة الجلیل الذی ذهب للعمل مستشاراً فی الجیش الجورجی.
تغییر فی العقیدة
غیر أن تأثیرات الحرب لم تقتصر على تغییر رموزها السیاسیین والعسکریین بل تعدت ذلک إلى إبطال الکثیر من المعتقدات التی سادت فی الجیش الإسرائیلی فی العقدین الأخیرین. وفور انتهاء الحرب، دشن الجیش العشرات من ورش العمل لبحث ومعرفة مواضع الخلل فی الأداء. وبعد تعیین الجنرال غابی أشکنازی تخلى الجیش عن واحدة من أهم نظریاته فی العقدین الماضیین وهی تقلیص القوات المحاربة وتخفیض وتیرة تدریباتهم. وکانت إسرائیل قد أهملت، على الأقل منذ العام ،٢٠٠٠ القوات الاحتیاطیة واتجهت نحو تنفیذ شعار »الجیش الصغیر والذکی«. وکان المیل هو تحویل الجیش إلى جیش شبه تطوعی وتخفیض مساحة الخدمة الإلزامیة.
ویلخص خبراء التغییر الذی أحدثته الحرب ونتائجها على العقیدة القتالیة الإسرائیلیة بأنه الفهم باستحالة تحقیق الحسم عبر القوة الناریة وأنه لا مفر من قوات بریة تسیطر على المیدان. کما أنه لا معنى فی الحروب للتخطیط لصفر إصابات وعدم المجازفة بأرواح الجنود لأن ذلک لا یحقق النصر.
ومن البدیهی أن نظرة المجتمع الإسرائیلی للجیش الذی قیل عنه إنه »خیب أمل نفسه فی نفسه« تردت بأشکال کبیرة. ولا یقوم هذا التردی على رؤیة المجتمع له وحسب بل على رؤیته لنفسه أیضاً. وفی استطلاع جرى مؤخراً ونشر فی صحیفة »إسرائیل الیوم« تبین أن ما لا یقل عن ثلث من یؤدون الخدمة النظامیة یبحثون عن بدائل عمل خارج الجیش. وکل ذلک رغم الجهود الهائلة التی بذلت فی العامین الأخیرین والتی أسهمت فی تراجع هذه النسبة عما کانت علیه فی العام الفائت وهی أربعون فی المئة. ولا یخفی الذین استطلعت آراؤهم فی الجیش حقیقة أن أبرز الأسباب وراء الرغبة فی الخروج من الجیش تکمن فی نتائج حرب لبنان الثانیة.
فقدان الثقة
ویمکن فهم المعنى الحقیقی لنتائج حرب لبنان الثانیة بعد عامین من نشوبها من استطلاع للرأی العام کشف عن حقیقة معاکسة لما أرادته حکومة أولمرت. فنتائج الحرب التی شنت لردع الجانب العربی انعکست سلباً على الجمهور الإسرائیلی. إذا أشار الاستطلاع الذی نشرته القناة العاشرة فی التلفزیون إلى أن ٥٧ فی المئة من الإسرائیلیین لا یؤیدون شن حرب بسبب أسر جنود على أیدی منظمات على الحدود الشمالیة. وقال هؤلاء إنه لا ینبغی لإسرائیل أن تشن حرباً فی الغد إذا جرى اختطاف جندیین آخرین على الحدود مع لبنان.
والأهم أن حرب لبنان الثانیة ونتائجها أضعفت أیضاً ثقة الجمهور بالقیادة السیاسیة عموماً وبرئیس الحکومة إیهود أولمرت على وجه الخصوص. وقد أجاب ٤٠ فی المئة عن سؤال یتعلق بالثقة بأنهم لا یثقون بأی من القادة السیاسیین المدرجین. وتبین أن ٢٪ یثقون بقدرة أولمرت على قیادتهم فی الحرب المقبلة مقابل ٧٪ بتسیبی لیفنی و١٠٪ بشاؤول موفاز و١٦ ٪ بإیهود باراک و١٩٪ ببنیامین نتنیاهو.
ردع مقلوب
وخلافاً لجمیع الإدعاءات الرسمیة الإسرائیلیة بزیادة قدرة الردع جراء الإفراط فی استخدام القوة وعدم التناسب بین السبب وبین النتیجة فإن الواقع یشیر إلى عکس ذلک.
فحرب لبنان الثانیة أنهت المرحلة التی کانت فیها الجبهة الداخلیة الإسرائیلیة تنعم بالهدوء فی زمن الحرب. بل أن عدداً من السیاسیین الإسرائیلیین صاروا یرون أن هذه الجبهة الداخلیة باتت عملیاً، نقطة الضعف المرکزیة، والجبهة الأشد سخونة فی أی حرب.
ولا ریب أن هذا الفهم هو ما بات یشکل قیداً ذهنیاً ومادیاً على صناع القرار السیاسی والعسکری فی إسرائیل الذین باتوا یحملون على کاهلهم عبء راحة ورفاهیة مئات الآلاف من الإسرائیلیین. وإذا کانت إسرائیل على قناعة بأن نصف أراضیها تقع فی مرمى صواریخ حزب الله، فإن الأمر یتعلق بأکثر من ثلثی السکان مما یجعل کل قرار بالحرب مسؤولیة صعبة الاحتمال. وربما لهذا السبب یرى خبراء عسکریون إسرائیلیون أنه فی مواجهة تعاظم قوة حزب الله فی لبنان لیس أمام إسرائیل سوى الخیار الدبلوماسی.
وعلى الرغم من کل ما تکشف من عیوب فی تجهیز الجبهة الداخلیة للحرب فإن مرور عامین لم یغیر من الواقع شیئاً. ما زالت العیوب على حالها تقریباً، وفق تقریر المراقب العام للدولة العبریة ولم یتغیر الکثیر على صعید تجهیز الملاجئ أو إعداد قوى الدفاع المدنی. کما أن کل ما یشاع عن توفیر درع صاروخی لمواجهة الصواریخ قصیرة ومتوسطة المدى بقی حتى الآن مجرد أمنیات.
وقد تشکلت مدنیاً السلطة العلیا للطوارئ والتی أخضعت لوزارة الدفاع، ولکن عدا عن تحدید جهات التنسیق والمسؤولیات لم یطرأ تغییر فعلی فی العلاقة بین الأجهزة وفی الوسائل المتوفرة لأی منها. کما أن المیزانیات التی خصصت لبناء منظمات دفاعیة تکتیکیة واستراتیجیة لم تثمر حتى الآن معطیات جدیة على الأرض. وفی ذهن الخبراء لا تزال الطریق طویلة لحمایة المناطق المأهولة والمنشآت الاستراتیجیة فی الجبهة الداخلیة.
( الموضوع لحلمی موسى )
م/ن/25