qodsna.ir qodsna.ir

المناورات الإسرائیلیة فی المیزان

المناورات الإسرائیلیة فی المیزان  

 

 طلعت جریدة نیویورک تایمز الأمیرکیة بأنباء عن أن إسرائیل أجرت مناورات عسکریة على نطاق واسع فی یونیو/ حزیران الماضی وصفتها بأنها تبدو استعدادا لهجوم عسکری على منشآت إیران النوویة.

ثم أضافت معلومات - نقلا عن مسؤولین أمیرکیین رفضوا الکشف عن أسمائهم- بأن المناورة اشترکت فیها أکثر من مائة طائرة إسرائیلیة مقاتلة من طرازی أف 6 وأف15، وأن المناورات جرت فی شرق البحر المتوسط وفوق الیونان فی الأسبوع الأول من الشهر المذکور، وأن الطائرات قطعت مسافة 1500 کلم التی تساوی المسافة الفاصلة بین إسرائیل ومفاعل نطنز النووی فی إیران!

وأضافت الجریدة وفقا لمسؤول بوزارة الدفاع الأمیرکیة وصفته بالمطّلع، أن الهدف کان "ممارسة جملة من التکتیکات الجویة مثل إعادة التزود بالوقود من الجو، وتفاصیل أخرى خاصة بضربات محتملة ضد منشآت إیران النوویة وصواریخها التقلیدیة بعیدة المدى.

من المهم دراسة المعلومات المتوافرة عن المناورات الإسرائیلیة السابق ذکرها لمحاولة تصور ما یمکن أن یحدث بناء علیها، وفی نفس الوقت استشراف ما یمکن أن یؤثر على الدول العربیة من مخاطر أو فرص، وما یجب القیام به على ضوء ذلک، ویکون التحلیل فی هذه الحالة فی جوانبه الإستراتیجیة والتعبویة والتکتیکیة، والاستعداد بناء علیه للقیام بما هو ضروری أو مفید فی هذه الحال!

هدف المناورة

من الناحیة الإستراتیجیة قد یکون من الضروری منذ البدایة التأکید على أن هدف أی نشاط تدریبی تقوم به قوات مسلحة إنما هو الاستعداد لتنفیذ إحدى المهام التی یحتمل أن تکلف بها القوات والوحدات والقیادات التی شارکت فی التدریب.

أی أن الحدیث عن رسائل ترسلها المناورات إلى جهة ما، أو التعبیر عن مدى الجدیة التی تنظر بها إسرائیل إلى البرنامج النووی الإیرانی، فهو أمر لیس جوهریا على الإطلاق، کما أن الأساس کان تدریب القوات والقیادات التی شارکت فی التدریب على تنفیذ مهمة مشابهة لتلک التی جرى التدریب علیها.

وحینما یکون الأمر یشتمل على إقلاع طائرات مقاتلة إسرائیلیة لتقطع 1500 کلم فإن احتمال المهمة التی تتدرب علیها القوات المشارکة یصبح إما ضد إیران وإما ضد لیبیا، لأن باقی الاحتمالات أکبر أو أقل من هذا النطاق بکثیر.

وإذا کان احتمال إیران هو الغالب، فإن احتمال لیبیا یجب أن لا یظل غائبا إذ تساعد المناورات على تنمیة تصور إسرائیلی للعدوان على لیبیا، خاصة أن التدریب تم فوق میاه البحر المتوسط ولیس البحر الأحمر مثلا، وفوق الیونان ولیس فوق بلد عربی، وبالتالی مع قوات یونانیة لا أمیرکیة.

کما أن مؤتمر "مبادرة أمن الانتشار" الذی عقد بواشنطن فی مایو/ أیار الماضی، ذکر النشاط النووی اللیبی بالاسم رغم کل ما فعلته لیبیا للتخلص من برنامجها النووی.

کذلک فإن حجم القوات المشارکة کما سبق ذکره، یعنی أن إسرائیل تعد لضربة جویة منفصلة، وهی غیر الضربة الجویة الشاملة التی تتم عادة بالجزء الأکبر من القوات الجویة للدولة أو التحالف.

وهذا یعنی أحد احتمالین: الأول أن إسرائیل تخطط للمشارکة مع قوة إستراتیجیة أکبر توفر قوات تکفی لتوجیه ضربة شاملة ضد دولة. وأغلب الظن - بل من المؤکد- أن مثل هذه القوات لا یمکن إلا أن تکون أمیرکیة فی حالة إیران، بینما یمکن أن تکون یونانیة أو أمیرکیة فی حالة لیبیا.

والاحتمال الآخر أن إسرائیل تدرب قوة صغیرة نسبیا على القیام بعمل ضد الدولة المستهدفة، خاصة إذا کانت هذه الدولة هی إیران!

وهذا یعنی أن إسرائیل تستسهل القیام بعمل عسکری ضد إیران، وتتصور شیئا قریبا مما شاع عن قیام إسرائیل بعمل عسکری منفرد ضد إیران، وتتصور أنه یمکن بضرب أهداف محدودة فی إیران أن توقف برنامجها النووی، بینما یکون الوضع طبیعیا فی حال استهداف لیبیا التی قد لا تحتاج إلى قوات کبیرة!

قیمة التوقیت

إذا کان الاحتمال الأول هو الأغلب فهذا یعزز ما تردد على لسان بعض المسؤولین الأمیرکیین والإسرائیلیین من أن إسرائیل تتدرب تدریبات منتظمة على مهام مختلفة لمواجهة التحدیات والمخاطر التی تواجهها، أی أن المناورة تعتبر روتینیة ولیست لها علاقة بقرب توقیت تنفیذ هذه المهمة، إذ کثیرا ما تتدرب قوات مسلحة على مهام ترى أنها محتملة ثم یمضی الزمن وتتغیر الظروف وتبتعد المهمة عن احتمال التفیذ.

أما إذا کان الاحتمال الثانی فإن هذا یعنی زیادة احتمال أن تقوم القوات الإسرائیلیة قریبا بعمل عسکری منفرد ضد إیران وبقرار منها، رغم أنه لا یمکن استبعاد الولایات المتحدة فی النهایة سواء من المسؤولیة عما یمکن أن یحدث، ولا استبعاد تعرضها لعمل انتقامی مضاد رغم عدم مشارکتها فی العدوان، أی أن المناورة هی التجربة النهائیة للضربة الإسرائیلی المنفردة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قیام إسرائیل بعمل عسکری بقوة کبیرة نسبیا وضد إیران على مسافة کبیرة نسبیا منها، یجعل الموقف الإسرائیلی وتوازن إسرائیل الدفاعی ضعیفا أثناء تنفیذ المهمة لأنه یقلل من قدرتها على مواجهة أعمال ضدها، سواء کان ذلک من عناصر المقاومة فی المنطقة أو إذا أرادت دولة إقلیمیة أن تنتهز فرصة لتحقیق هدف إقلیمی.

مما سهل تنفیذ المناورة المذکورة أنها أجریت فوق المیاه الدولیة فی البحر المتوسط، وهو ما لا یتوافر إلا فی حال تنفیذ المهمة ضد دولة متوسطیة، أما إذا کانت المهمة ضد إیران فلن تتوفر میاه دولیة للطیران فوقها.

وعلیه یصبح من الحتمی أن تخترق الطائرات المقاتلة الإسرائیلیة أجواء إقلیمیة عربیة غالبا إما أن تکون أردنیة ــ عراقیة، أو أجواء المملکة العربیة السعودیة، وهو ما یثیر سؤالا حول موقف حکومات الدول العربیة التی یمکن أن تطیر الطائرات الإسرائیلیة عبر أجوائها، وحول موقف عناصر الدفاع الجوی فی هذه الدول من الطائرات الإسرائیلیة، ما یجعل التوازن الدفاعی على المحک.

هنا لابد أیضا من البحث فی حقیقة ما حدث أثناء المناورات الإسرائیلیة الأخیرة، حیث إن إقلاع أکثر من مائة طائرة إسرائیلیة فی وقت متقارب وانطلاقها غربا فی اتجاه البحر المتوسط کان لابد من أن یکتشف بواسطة رادارات الدفاع الجوی العربیة خاصة فی کل من سوریا ولبنان والأردن ومصر ولیبیا، وأنه کان یفترض أن تخطر کل دولة جیرانها بما اکتشفته.

ورغم مرور زمن لیس بالقصیر على إجراء هذه المناورات فإنه لم یحدث أن دولة عربیة أفادت بأنها اکتشفت الطائرات أثناء المناورة، أو أنها أبلغت أحدا عنها، مع أنه لیس هناک ما یمکن أن یطمئن الدول العربیة على أن هذا الإقلاع لم یکن موجها ضدها.

قد تکون الطائرات الإسرائیلیة شوشت على رادارات الدول العربیة، وهو أمر لیس مستبعدا بل متوقعا، لکن هذا یعنی أنه لابد لهذه الدول أن تبحث عن أسلوب التشویش المستخدم للتوصل إلى طریقة للتغلب علیه!

اختراق الأجواء العربیة

وطبعا فإن تدریب طائرات إسرائیلیة على الهجوم مع احتمال اختراق أجواء عربیة، خاصة فی الأردن والمملکة العربیة السعودیة والکویت وقطر والبحرین، یستدعی أن تتدرب قوات الدفاع الجویة فی هذه الدول على اعتراض الطائرات الإسرائیلیة والأمیرکیة التی قد تستخدم أراضیها أو أجواءها لتوجیه ضربة إلى إیران أو غیرها.

ولیس المقصود هنا الدفاع عن إیران بقدر ما هو الدفاع عن البلاد العربیة التی یحتمل أن تتأثر بمثل هذه العملیة.

أما العراق فلا یستطیع أن یعترض على وجود قوات أمیرکیة حلیفة لإسرائیل على أراضیه، کما أن القوات العراقیة لا تمتلک وسائل دفاع جوی مناسبة.

لقد سبق لدول الخلیج ( الفارسی ) وللعراق أن أکدت لإیران أنها لن تسمح باستخدام أراضیها قاعدة لعدوان ضدها، والآن یثور السؤال عما یمکن أن تفعله هذه الدول حیال اختراق طائرات إسرائیلیة لأجوائها الإقلیمیة، وماذا یمکن أن تفعله فی حال اشتراک قوات أمیرکیة فی ضربة أو ضربات ضد إیران.

کذلک فإن التدریب الذی أجری فی المناورة شمل تدریبا على إنقاذ الطیارین الذین یحتمل أن یسقطوا أثناء تنفیذ المهمة، وهنا لا بد أیضا من السؤال عما ستفعله دول عربیة إذا سقطت على أراضیها طائرات إسرائیلیة و/أو طیارون إسرائیلیون.

وکما تتدرب القوات الإسرائیلیة على هذا الاحتمال، فإن قوات الدول العربیة التی یحتمل أن تجری هذه الظروف فی أجوائها یجب أن تتدرب على أعمال البحث والإنقاذ، واضعة فی الاعتبار احتمال تدخل طائرات إسرائیلیة لحمایة الطیارین الذین سقطوا أو أسقطوا.

وإذا کانت المناورات الإسرائیلیة الأخیرة تعنی احتمال استخدام القوات الإسرائیلیة منفردة أو بالتعاون مع قوات أخرى وخاصة القوات الجویة ضد قوات إقلیمیة مع ترجیح أن تکون ضد إیران، فإن هذا یعنی أن هناک احتمالا لردود الفعل الناجمة عن مثل هذا العمل یمکن أن تقوم بها إیران وعناصر موالیة لها أو متعاطفة معها.

ومن المهم دراسة النتائج المتوقعة وردود الفعل الممکنة ودراسة ما یجب على الدول العربیة أن تکون مستعدة لمواجهته فی هذه الحالة، خاصة احتمالات استخدام الصواریخ البالستیة أرض أرض، واستخدام الصواریخ الساحلیة والزوارق السریعة والألغام البحریة خاصة فی مضیق هرمز، واحتمالات القیام بمهاجمة تسهیلات أمیرکیة وقواعد أمیرکیة، هذا بالإضافة إلى دراسة الآثار الاقتصادیة والأمنیة التی تنجم عن مثل هذا العمل، والتخطیط لمواجهتها.

( المحلل العسکری المصری  اللواء طلعت مسلم )

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 139596