الصورانی: البلدان العربیة تعیش أزمة ثقافیة غیر قادرة على مواجهة متغیرات العولمة
الصورانی: البلدان العربیة تعیش أزمة ثقافیة غیر قادرة على مواجهة متغیرات العولمة
تناول الباحث والمفکر الفلسطینی غازی الصورانی فی محاضرة له حول الثقافة ودور المثقف الفلسطینی مقدمة لمنتدى الفکر الدیمقراطی بمدینة غزة جوهر متغیرات عصر العولمة وأثره على الثقافة، لافتاً أن کثیر من النظم والأفکار والقواعد المعرفیة فی هذا العصر قد تهاوت لحساب رباعیة البیانات والمعلومات والمعارف والحکمة، التی باتت محدداً رئیسیاً لهذا العصر بسبب التطور المتسارع للعلوم وتکنولوجیا المعلومات والعلوم وعلوم الأخرى.
ولفت الصورانی إلى أن ثورة الاتصال والمعلومات عمقت الهوة بین الدول وداخل البلد الواحد مما یستدعی من المثقف الفلسطینی وبلدان الوطن العربی التأمل والتفکیر ومتابعة المستجدات النوعیة التی ستدفع إلى بلورة مفهوم جدید للمعرفة، وذلک بعد أن أصبحت الثقافة والمعلومات من أهم صناعات هذا العصر بلا منازع.
وأضاف بأن صناعة المعلوماتیة والثقافیة والمعرفیة مرتبطة إلى حد کبیر بالحضارة الرأسمالیة التی تهیمن عبر لغتها الإنجلیزیة على 85% من وثائق الانترنت والمکالمات الهاتفیة وعلى أکثر من هذه النسبة على مراکز البحث والاختراع العلمی فی العالم کله، مشیراً إلى أنه لم تعد الفجوة بین البلدان المتقدمة وبلدان العالمین الثالث والرابع بما فیها البلدان العربیة مجرد فجوة موارد بل أصبحت فجوة معرفیة بدرجة أساسیة نتیجة هذه الثورة الهائلة فی تکنولوجیا المعلومات والاتصال فی العقود الثلاثة الأخیرة.
وأشار الصورانی إلى أن المجتمعات العربیة استمرت فی حالة الانقطاع المعرفی وظلت الفرضیات الغیبیة هی الحاکمة على صعید الفکر العربی، واستمرت أیضاً محکومة فی تطورها الاقتصادی الاجتماعی للنمط الریعی المرکزی والتجاری إلى نظام التبعیة والتخلف حدیثاً، مما أدى إلى حدوث حالة من الانفصام امتد بین المعرفة والممارسة والذی شکّل عقبة فی وجه تفتح الرؤیة العقلانیة العربیة وأبقاها أسیرة لمناخ التخلف ومظاهره.
وحذر الصورانی من أن السیطرة الرأسمالیة المعولمة على العالم باتت تهدد کل المناطق خصوصاً البلدان العربیة، مشیراً أنها تعیش الآن حالة من الانحطاط والخضوع لم تشهد له مثیلاً فی العصور السابقة، مضیفاً بأن الثقافة السائدة أصبحت أقرب إلى ثقافة التخلف وتبریر الخضوع والتبعیة أو ثقافة الأمر الواقع المرتبط بالفساد والمصالح فی مشهد عربی بائس ومهزوم یحمل فی طیاته العدید من المعوقات.
وحول مفهوم الثقافة أکد الصورانی أنها جملة ما یبدعه الإنسان والمجتمع على صعید العلم والفن ومجالات الحیاة الأخرى، المادیة والروحیة، لافتاً أن حوار الثقافة العربیة مع غیرها من الثقافات خاصة مع الثقافة الغربیة تشوبها بعض الأخطاء، وغیر حاصلة بسبب أصولیتین الأولى الأصولیة الإسلامیة التی تختزل الدین إلى عقائد متشددة، وتعتبر أن الإسلام فی غنى عن أی حوار مع جاهلیة العصر، مثل الثقافة الغربیة، مضیفاً بأن هناک أیضاً أصولیة غربیة تعتقد أن قیم الحداثة ( الحریة، الفکر النقدی، الدیمقراطیة اللیبرالیة، حقوق الإنسان) هی قیم غربیة حصراً.
وأوضح الصورانی فی مداخلته بأن المثقف هو الحامل للرسالة وللموقف وللرؤیة المستقبلیة أو حامل الأیدیولوجیا والمدافع عن قضایا الحقوق والحریات، والملتزم بالدفاع عن القضایا السیاسیة، أو القیم الثقافیة والمجتمعیة والکونیة بأفکاره أو بکتاباته ومواقفه تجاه الرأی العام.
وشدد الصورانی على ضرورة انحیاز المثقف المارکسی لمصالح وأهداف الطبقات الشعبیة الفقیرة، فهو الأساس الأول فی تحدید ماهیة موقفه السیاسی، ورؤیته الفکریة أو الأیدیولوجیا وفق ما یتطابق مع تطلعات الطبقات الشعبیة وأهدافها المستقبلیة.
وتطرق الصورانی إلى ثلاثة تعریفات للمثقف الفلسطینی والعربی هی المثقف المهاجر، والمزیف والحقیقی، مشیراً أن المثقف المهاجر یتکون من نوعین إما مهاجر إلى الخارج بالمعنى المکانی إلى بلاد العم سام أو أی بلد أووربی، وهناک من عاش وأقام وحصل على الجنسیة والعمل أو اللجوء السیاسی، أما النوع الثانی فهو مهاجر فی الداخل مغلقاً على نفسه.
وأضاف بأن المثقف المزیف له ثلاث وظائف وهی التبریر، التخدیر، التزییف تقوم فلسفته على فلسفة الباطل وقلب الحقائق فی خدمة الرئیس أو الحاکم أو فی خدمة المخطط المرکزی لمنظمات NGO'S فی العواصم الغربیة، مشیراً أنه عند توقیع أوسلو وتهلیل هذا النوع من المثقفین لذلک الاتفاق وما سیجلبه من خیر عمیم فی الضفة وغزة على مثال سنغافورة ثم التهلیل لکل اتفاق أو مخدر جاء بعده وصولاً إلى خارطة الطریق والخطط الأخرى، بل وتسویغ مشاریعهم والدفاع عن ممارساتهم فی السیاسة أو فی المجتمع، هبوطاً أو استبداداً، لافتاً أننا شاهدنا منهم من نشر الأوهام أو الآمال الکاذبة من أولئک المثقفین الانتهازیین المدفوعی الثمن فی السلطة أو فی منظمات NGO'S بدواعی لیبرالیة رثة فارغة من أی مضمون سوى تزییف الشعارات حول تغییر الأوضاع الاقتصادیة والسیاسیة والأمنیة صوب الأحسن.
وعن المثقف الحقیقی أو العضوی الملتزم أشار إلى أنه یعمل ویناضل من أجل مصالح الکتلة التاریخیة من فقراء شعبنا وکادحیه بما یحقق مشروعهم السیاسی والاجتماعی فی التحرر والعدالة الاجتماعیة والقانون العادل والدیمقراطیة.
وعن کیفیة استنهاض وبلورة مشروع ثقافی عربی یتصدى لتحالف العولمة الأمریکی الصهیونی قال الصورانی : " أعتقد أن رسم الخارطة الثقافیة مهمة لیست سهلة، تحتاج من حیث المبدأ إلى عملیة تجدید، وهو تجدید لا یتم إلا من خلال إعادة بناء وممارسة الحداثة فی معطیاتها وتاریخها ارتباطاً بالتطور المادی الحضاری لمجتمعاتنا، بما یؤدی إلى ترابط الماضی بالحاضر والمستقبل. والشرط الاول لدخول عصر العلم والتقانة والتطور الفعال یکمن فی امتلاکنا للروح النقدیة والعقلانیة والدیمقراطیة.
ففی ظروفنا الثقافیة العربیة الراهنة نکتشف بؤس الحداثة العربیة المتأخرة کما یرى بحق د.فیصل دراج، بسبب أن المجتمع العربی هو مجتمع تابع ومتخلف تحکمه علاقات ما قبل الحداثة العشائریة والطائفیة. وتغیب او تتعطل فیه الى درجة کبیرة معظم أشکال سیادة القانون او الدیمقراطیة او المساواة او الحریة او المواطنة، انه مجتمع مشوه، مجتمع الامتثال والطاعة، یتجاور مع "ثقافة السلام" او "ثقافة الاستهلاک" والتبعیة والخصخصة التی لا تتوافق مع تطلعات الجماهیر او الأغلبیة بل تتناقض معها.
وهنا بالضبط تکمن أهمیة المثقف الملتزم التی لا تقوم على تبریر الوضع القائم بل ممارسة النقد لما هو کائن التزاما بما یجب أن یکون، عبر کل أشکال الثقافة التنویریة التقدمیة فی الأدب والشعر والمسرح والروایة والفنون والاقتصاد والسیاسة والتعلیم والتلفزیون والصحافة...الخ".
وختم محاضرته داعیاً إلى التفاعل والحوار من أجل إعادة بناء التصور الأیدیلوجی الذی یعید الاعتبار للحلم الاشتراکی، کما دعاهم إلى البحث الجاد فی الواقع العربی من أجل بلورة المشروع القومی الدیمقراطی، مشروع الاستقلال والوحدة القومیة والتطویروالدیمقراطیة والحداثة کمشروع تنتفتح فیه مقومات المشروع الثقافی العربی النهضوی
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS