لوبی کردی یسعى لإقامة "إسرائیل الثانیة" شمال العراق
لوبی کردی یسعى لإقامة "إسرائیل الثانیة" العراق
هذا التجمبد الذی وضع المشکلة أمام احتمال الإنفجار الشامل للوضع إن لم یتمّ التوصل الى حل یرضی الجمیع ، سیعطی قادة الأکراد فرصة إعادة ترتیب أوضاعهم لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة ، ذلک لأن مشکلة کرکوک لیست إلا العقدة الأکثر بروزا فی سلسلة النوایا الکردیة الإنفصالیة التی یتم السعی لتحقیقها على مراحل. ولیس سرا أن أهداف قیادة الحزبین الکردیین التی لم تعد تقرأ بالکلام والتصریحات ، بل بما یجری على الأرض منذ زمن ، وبنَفَس صهیونی طویل ، تؤشر إلى توجههم المؤکد نحوالإنفصال وإقامة دولتهم بدعم أمیرکی ـ صهیونی وانحیاز "أممی" رسمی .
فالذی یتابع ـ مثلا ـ نشاطات المدعو قباد طالبانی الإبن الأصغر لجلال طالبانی فی الولایات المتحدة، حیث یُمثّل حزب أبیه کما یُمثّل حکومة إقلیم کردستان أیضاً، سوف یلحظ کیف یسیر هذا الفتى على الخُطى الأولى للحرکة الصهیونیة بتفاصیلها الدقیقة، ویتمثّل بها فی الأسلوب الذی عملت على اتّباعه من أجل قیام "اسرائیل" منذ ما قبل صدور وعد بلفور.
قباد الذی یُقیم فی الولایات المتحدة ویحمل جنسیتها، وهو متزوج من إحدى موظفات الخارجیة الامیرکیة/قسم الشؤون العراقیة، ویتردّد أنها یهودیة وابنة رجل ثری جداً، تربطه علاقات أکثر من وطیدة مع أرکان اللوبی الصهیونی "إیباک"، وکذلک مع سائر القیادات الأمیرکیة (الجمهوریة على الأخص)، وقد کان حریصاً على التواصل مع مرشحیهم للرئاسة القادمة من جون ماکین إلى هیلاری کلینتون الى عدد من "السیناتورات" البارزین کجوزف بیدن، أبرز منظری الحرب ضد العراق، والمؤیدین لاستمرار الاحتلال فیه.
أما صلته الدائمة والمستمرة والتی یصفها بعض الأکراد بالاستراتیجیة، فهی مع المستشار السیاسی فی السفارة الاسرائیلیة بواشنطن إیعال فرانک، الذی یقوم على ما یبدو بدور الموجّه السیاسی لـ "قادة" اللوبی الکردی الذی ما زال فی طور التکوین على غرار اللوبی الصهیونی فی أیام نشأته الأولى!
قباد الذی یحظى برعایة خاصة من والده، صاحب الرعایة الأکثر خصوصیة من قبل الأمیرکان والإسرائیلیین، لا یترک فرصة إلاّ ویعرب فیها عن أمله ببقاء قوات الاحتلال طویلاً فی العراق، لأنها وحدها الضامنة لاستمرار المصالح الکردیة، بمعزل عن مصالح المکوّنات الأخرى للشعب العراقی. وهو یلتقی فی هذا مع دعوات المدعو مثال الألوسی الذی زاراسرائیل قبل أیام معدودات ، وألقى فیها المحاضرات ودعا إلى تبادل التمثیل الدبلوماسی معها.
مهمّة هذا الفتى الکردی المتأمرک والمتصهین فی الآن عینه لیست هی الوجه الوحید لنشاطات القیادات الکردیة التی تسعى عملیاً للإنفصال عن العراق الأم، وإنشاء کیان مستقلّ یستحوذ على أکثر ما یمکنه من خیرات البلد وثرواته، ولا سیما النفطیة الغنیة. ومع ذلک، یرى بعض الذین یدافعون عن قیادات الحزبین الکردیین (جماعة البرزانی والطالبانی) وتوجهاتهم الإنفصالیة أن هذا من حقّهم، وأنه لیس على العرب مؤاخذتهم على ذلک أو انتقادهم وتوصیف توجههم الانفصالی بمحاولة إقامة "إسرائیل ثانیة" فی قلب الوطن العربی. ویبررون دفاعهم هذا بالقول أن سعی العرب للصلح مع اسرائیل والاعتراف بها یتناقض مع موقفهم المستنکر لاقامة دولة کردیة داخل العراق ولو جاء على شاکلة إنشاء "اسرائیل ". کما یرون أکثر أنه فی الوقت الذی یتسامح فیه العرب مع الکیان الصهیونی، لا یتسامحون فیه مع الأکراد !
طبعاً، ینسى هؤلاء المدافعون ان الفارق کبیر بین الحالتین. بین حالة غریبة استیطانیة زُرعت عنوة فی الأرض الفلسطینیة التی ما زال العالم یعترف بحقوقنا فیها – أو فی نصفها - ، وهی حالة لم تُلغِ أبداً وطوال الستین عاماً الماضیة من عمر النکبة أن فلسطین قلب العرب والعروبة، وبین نَفَرٍ منّا وفینا، نتعایش معاً ونتزاوج، وهو نسیج من أنسجتنا مثل المسلم والمسیحی والشرکسی والأرمنی... إلخ! ومع ذلک یرید الإنقضاض علینا والإنفصال عنّا لإنشاء دولة، تأتی ولید تحالفاته مع القوى المعادیة لأمتنا للإضرار بها!
وبالاضافة لذلک، وعلى فرض الأخذ بالرؤیة القاصرة للمدافعین عن جنوح الأکراد نحو إقامة "اسرائیل الثانیة" بینما نحن نفاوض "اسرائیل الأولى"، فإن أی جریمة فی أی بلد کان أو مجتمع لا تُبرّر تکرارها فی مکان آخر. فکیف إذا کان المجرم الأول هو حلیف تاریخی قدیم للمجرم الثانی. ألیست اسرائیل هی الداعمة دوماً للقیادات الکردیة الإنفصالیة، وهی التی لعبت وما زالت أدواراً خطیرة داخل إقلیم کردستان العراق بهدف النیل من الأمن القومی العربی؟
ثم، إذا کان الأمر طبیعیاً، لماذا یثور الأکراد ویعترضون فی کل مرّة یجری فیها الحدیث عن علاقتهم بإسرائیل؟ فإذا کان وجود المجرم الأول شرعیاً فإن توجههم نحو إنشاء کیان مشابه سیکون شرعیاً أیضاً... فلماذا استماتتهم على نفی توجهاتهم وعلاقاتهم رغم وجود کل الإثباتات والشواهد القدیمة – الجدیدة علیها؟
لا ریب أن هناک حالة من الشبه النادر بین "التجربتین" الکردیة والاسرائیلیة، وهی أن الیهود کانوا مواطنین فی بلادنا معزّزین کغیرهم یوم کان أبناء جلدتهم یُلاحقون فی اوروبا ویرمون داخل افران البلدان المتحضّرة. وکذلک الأکراد کانوا دوماً أخوة، معترفاً بحقوقهم وخصوصیتهم ولا سیما فی العراق المستهدف من قبلهم فی هذه الأیام ، بینما کانوا فی بلاد الدنیا الأخرى کترکیا وایران على النقیض تماماً. وبالاضافة لذلک، فإن الصهاینة قد أخذوا فلسطین العربیة من دون بلدان الدنیا وکأنهم "یکافئوننا" على عدم استهدافهم من قبلنا فی الماضی، والأکراد – والمعنی هنا قیاداتهم السیاسیة – یریدون اقتطاع جزء من العراق لإقامة دولتهم، وکأنهم "یکافئون" بلدهم على احتضانهم!
وفوق الشبه وقبله، ثمة علاقة تاریخیة قویة وممیّزة بین القادة الأکراد والحرکة الصهیونیة، وکذلک الوکالة الیهودیة، تعود الى بدایة ثلاثینیات القرن الماضی، وقد تطوّرت بعد قیام "اسرائیل"، ثم تعزّزت بعلاقات وزیارات ودعم مالی کان یصل باستمرار الى "قلاله"، حیث یقیم زعیم التمرد الکردی القدیم مصطفى البرزانی ، وثمة مجموعة کبیرة من الصور "التذکاریة" بین الطرفین تضم الى جانب القادة الصهاینة کلا من البرزانی الأب ثم الإبن فالطالبانیی ، وصولا الی أحجار الشطرنج الصغیرة التی استحوذت بعد ذلک على مواقع "کبیرة" تحت جزمة الإحتلال الأمیرکی .
المؤکد بداهة أن هذه العلاقة لم تکن لوجه الله ، فالقادة الأکراد یعرفون ما یریدون، وهو لا یخرج عن إطار طلب الدعم المادی والتسلیحی والسیاسی، ولو بحدوده الدنیا وقتها، ومهما کان الثمن المقابل. أما الصهاینة فکانوا یعرفون أکثر کیف یستغلّون علاقاتهم مع الأکراد وحاجتهم المستمرة للدعم فی تمریر ما یریدون الى تلک المنطقة الحیویة فی شمال العراق، سواء لدعم عملیات تجسسهم على هذا البلد العربی القوی، أو للتغلغل اللاحق فی اقتصاده وشؤونه وأمنه..
ولهذا اختاروا منذ القدیم الترکیز على زرع عیون وآذان لهم الى جانب مصطفى البرزانی، وعملوا على تکوین جهاز مخابرات کردی مدرب تحت اشراف "الموساد" تولى قیادته مسعود البرزانی، تعدّدت ثماره لصالحم ، حتى وصل الى تحقیق التواجد الفعلی والمکثف لجهاز المخابرات الاسرائیلی داخل العراق، وفتح آفاق التغلغل الاقتصادی والمالی والاستثماری فیه.
أما الجوانب السیاسیة والتنسیقیة فقد کان للصحافة الاسرائیلیة وبعض الکتاب الباع الطویل فی کشفها. فهم الذین کشفوا أسرار العلاقة الوثیقة بین الملا مصطفى البرزانی والرئیس الاسرائیلی الحالی شمعون بیریس منذ ستینات القرن الماضی، والدعم الذی لاقاه من یومها، وقد تُوّج بزیارته الى الکیان الصهیونی فی العام 1968، ناهیک عن علاقاته ولقاءاته بغولدا مئیر وموشی دایان وإیغئال ألون وغیرهم.
ولم یقتصر الکشف على الجانب الاسرائیلی، بل عمل على فضح هذه الأسرار عدد من قادة الحزبین الکردیین الکبیرین الذین فرّوا من الأوضاع السیاسیة السائدة داخل الحزبین، ومن تفرّد القیادات ولجأوا الى بغداد، وکان من بینهم عبد الله البرزانی ابن الملا مصطفى، الذی أدلى بشهادات أکّد فیها على علاقة والده باسرائیل واستمرار تواصله معها الى حدّ تزویده بمرافقین أمنیین من قبلها.
الغریب فی هذه العلاقة الوطیدة، بین قادة الاکراد العراقیین واسرائیل انهم لم یتوقفوا یوماً أمام وضعها الشاذ الذی کان یجب أن یلتفتوا إلیه ویأخذوا العبرة منه، سواء فی الماضی أو حتى فی أیامنا هذه، وهو کیف یمکن تفسیر الموقف الاسرائیلی الداعم لهم الى أقصى الحدود ضد نظامهم الوطنی (السابق)، فی الوقت الذی یجری فیه دعم النظام الترکی الى أقصى الحدود أیضاً ضد أکراد حزب العمال بقیادة أوجلان؟ وکیف یمکن تفسیر استقبالهم لمصطفى البرزانی وکل قادة أکراد العراق، بینما کانت تجری ملاحقة أوجلان من قبلهم حتى تمکّن الموساد من اختطافه فی مطار نیروبی وقام بتسلیمه لترکیا؟
الشیء المؤکد هنا ان الأکراد لم یأخذوا دروساً من تاریخهم الحدیث ولا القدیم فی العلاقات مع الآخرین، ولم یعترفوا یوما بأن الدعم الذی قدّم لهم لم یأتهم إلا نکایة ببلدهم العراق ، أو لتحقیق مصلحة من ورائه. ولهذا لم یتّعظوا حتى الآن من حقیقة أن کل الجهات التی لجأوا الیها وتعاملوا معها، وقدّموا لأجهزتها الخدمات، کانت تتعامل معهم من زاویة المصلحة الآنیة، أی منفعتها هی أو إیقاع الضرر بالنظام السابق. ولیس هرب الطالبانی وغیره من القادة الأکراد الى شاه إیران فی عزّ اضطهاده لأکراد بلده إلاّ مثل على عدم مبدئیتهم وانتهازیتهم . ولهذا – أیضاً – تکرّر مردود الخدمات التی قدّموها لسائر الجهات المعادیة لبلدهم ، وکانت نتیجتها أن الکل باعهم بعد أن استنفذ أغراضه منهم.
لقد أکّدت سائر تجاربهم أن لا وجود لأیة أرضیة مبدئیة فی علاقاتهم مع کل الذین تعاملوا معهم ، فقد اقتُصرت على تقدیم الخدمات الإستخباریة من قبلهم ، مقابل التعلق بأذیال الآخرین لعلّهم ینالوا شیئاً شبیهاً بما نالته مثَلَهم الأعلى الحرکة الصهیونیة. وفی مثل هذه النوعیة من العلاقات لا ضمان لأی نتیجة مأمولة من قبلهم على طریق إقامة "اسرائیل ثانیة" ، إذا ارتأى الامیرکان وحتى الصهاینة بیعهم فی اول فرصة لأن مصلحتهم الأکبر مع غیرهم .
لا شک أن القادة الأکراد قد قدّموا الکثیر وهم مستعدون حتى لخلع الملابس وتقدیم "ورقة التوت"، لکن ثمّة من یزاید علیهم فی هذا المجال وهم الذین عادوا الى بلدهم على ظهر دبابات قوات الاحتلال، ویعملون الآن على رهنه للأمیرکان مدى الحیاة... إن استطاعوا!
السباق على أشدّه بین کلاب بوش المسعورة على أرض الرافدین. إنه عصر الکلاب.. إلى حین .
م/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS