حزب اللّه بعد عدوان تموز «القوة الإقلیمیة العظمى»
ابراهیم الأمین ــ موقع بنت اجبیل
منذ تشکله کإطار متکامل، سیاسیاً وتنظیمیاً وعقائدیاً، أبعد حزب الله جسمه العسکری وتفاصیله عن بقیة الوحدات. لم یکن ولا یوجد الآن حزبان، لکن الهیکلیة التنظیمیة أتاحت احترام خصوصیة «الجسم الجهادی»، هی نفسها الخصوصیة التی تحتاجها کل أطر المقاومة، وهذا ما تفعله حرکات المقاومة فی بقیة العالم العربی الیوم...
قبل حرب تموز، کان حزب الله ومقاومته فی نظر محبیه وداعمیه فی لبنان والخارج، قوة محترمة، مثابرة، وقادرة على إرباک العدو وإزعاجه، ومنعه من البقاء فی الأرض. کان نموذجاً عن القوّة التی یمکن لأی عربی أن یقتدی بها، نموذجاً لإشعار المحتل، أی محتل، بأن کلفة بقائه أکبر من قدرته على التحمّل...
ظل حزب الله بعد تحریر عام 2000 فی مرحلة بناء قوته، کان یشعر ویعلم کما الآخرین، بأن الحرب مع إسرائیل لم تنته، وأن الأمر لا یتعلق بحسابات أمنیة وعسکریة یتم حصرها فی بقعة أو منطقة. کان الحدیث یدور عن تعرّض إسرائیل لنکسة لها تداعیاتها فی أکثر من مکان. وجاء استئناف الفلسطینیین لمقاومتهم وانتفاضاتهم الشعبیة بُعید التحریر عام 2000، لیعطی الإشارة الأکثر قلقاً لإسرائیل التی عملت کل ما فی وسعها لأجل محو الصورة الأکثر وضوحاً لحرکة المقاومة. وحصل ما حصل حتى وصل الأمر إلى عدوان تموز الذی أظهر المقاومة، بنظر المحبین والأنصار والداعمین، قوة أکبر بکثیر من تلک التی کانت فی ذاکرتهم، وفی حساباتهم الصغیرة أو المتوسطة أو الاستراتیجیة.
لم تمر أشهر قلیلة على انتهاء عدوان تموز، حتى بادر الجمیع، من الجمهور إلى الدول، إلى القوى الداعمة للمقاومة، إلى التعامل مع حزب الله بطریقة مختلفة، ومختلفة تماماً... وحصل ما حصل من 14 آب 2006 حتى 12 تموز 2009.
ماذا حصل؟
تعاظَم النمو البشری لحزب الله، ولمقاومته على وجه الخصوص، تحوّلت مجموعات المقاومة إلى جیش متکامل. تعاظمت خبراته فی کل المجالات الأمنیة والعسکریة واللوجستیة، والعتاد الذی کان بحوزته تعاظَم أضعافاً وأضعافاً، کمّاً ونوعاً، وما کان ممنوعاً على حزب الله من سلاح، صار لدیه الفائض منه، وما کان یخطّط له حزب الله أو یضعه على شکل برامج ممکنة فی یوم ما، صار حقیقة الآن، وصار بالإمکان التفکیر بأشیاء کثیرة وکبیرة جداً، وبما یتجاوز مخیّلة البعض، الذین یرون حزب الله مجرد مقاومة محلیة...
إسرائیل نفسها، تصرّفت بعد عدوان تموز على أن النظرة الفوقیة إلى المقاتل العربی باتت محل تدقیق وبحث وسؤال. اضطرّ جیش الاحتلال إلى إطلاق برنامج من التدریب والعمل یفوق کل ما قام به خلال العقدین الماضیین. صارت قیادات العدو السیاسیة والاقتصادیة والأمنیة تتصرف على أساس أنها فی مواجهة «قوة إقلیمیة عظمى»، وأن کل ما کان یتم اللجوء إلیه من إجراءات وتدابیر لم یعد قابلاً للصرف الآن، بل إن المطلوب فی العقل الإسرائیلی هو إعداد العدّة لمواجهة من نوع مختلف، ولحرب بظروف مختلفة، ولمقاتلة خصم وعدو من نوع مختلف...
حزب الله لا یسعى إلى حرب جدیدة، هذه ثابتة حقیقیة. لکن حزب الله یعی مکانته کقوّة مقاومة، ویعرف الموجبات الملقاة على عاتقه لعدم ترک مقاومی فلسطین لربّهم، ویعرف حجم الآمال المعلّقة علیه من جانب الجمهور العربی، وهو یعرف أکثر من ذلک حجم قدراته، وحجم ما یمکن أن یقوم به فی مواجهة إسرائیل...
إذا کان اللبنانیون، وبعض العرب، لم یدرکوا بعد معنى الضربة الأمنیة التی وجّهها حزب الله إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائیلیة، فإن فی تل أبیب مَن یعرف حقیقة ما یحصل.. لقد نجحت المقاومة فی إحداث اختراق نوعی سبّب نجاح عملیة تفکیک جیل من شبکات التجسس فی لبنان، وربما أبعد من لبنان، وهی عملیة تتطلب إمکانات بشریة وتقنیة ونمط تفکیر لا یمکن إنتاجه بقرار إداری، أو برمشة عین، إنه نتائج عملیة مراکمة طویلة الأمد، وهو یعکس المدى الذی وصلت إلیه المقاومة، برغم أن العدو نجح فی الوصول إلى أکثر رجالات الحزب تخفیاً وهو الشهید عماد مغنیة.
وبرغم أن أحداً لا یرید التهویل على أحد، إلا أن إسرائیل تفکر جدیاً، ویومیاً فی کیفیة توفیر شروط مواجهة أفضل فی المرة المقبلة، ومن یتابع آلیة عملها على المستویات الأمنیة والعسکریة، یدرک أنها تعمل على جهوزیة استثنائیة عند الوصول إلى لحظة الصدام، لکن إسرائیل التی أنفقت الملیارات على إعادة تنشیط نفسها وتعزیز قواها، لا یمکنها أن تدّعی الیوم أنها تملک الضمانات، بأن حربها الجدیدة ستحقّق النتائج المتوقعة.
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS