الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

تهوید القدس ... الإحتمالات و الواقع

 إسرائیل تهود القدس بید من حدید والعرب یتفرجون لا یمکن أن یکون التصعید الإسرائیلی الأخیر فی القدس، وتحدیدا فی المسجد الأقصى، أمرا عفویا، ولا یمکن أن ننظر إلى حصار المسجد الأقصی وغلقه ومنع الصلاة فی مناطق معینة منه وإدخال المستوطنین عنوة فیه بغرض "فرض السیطرة الإسرائیلیة" علیه وجعل مصیره فی ید "الاحتلال" لا "إدارة الأوقاف" التی تتولى هذا الأمر منذ 1967، سوى أنه "سیاسة متعمدة" تهدف لتغییر واقع "الأقصی"، قلب القدس ومؤشر هویتها.

ولا یمکن أن ننظر لما یجری للأقصى -بجانب الأنفاق والحفریات وتهوید أسواره- بمعزل عما یجری للمدینة المقدسة ککل من تسارع لسیاسة التهوید وطرد سکان الأحیاء التاریخیة (الفلسطینیون) تدریجیا من منازلهم، بل والاستیلاء -بقانون جدید- على منازل اللاجئین (الغائبین)، إلا على أنه سیاسة فرض الأمر الواقع الیهودیة.

والحقیقة أننا لو نظرنا لما یجری بمنظار إستراتیجی أعمق سنرى أن ما یحدث هو باختصار خطة صهیونیة لحسم مصیر الأقصی والقدس، وجعل هذا "أولویة" لدى المجتمع الصهیونی، أو أنه محاولة إسرائیلیة لحرق أوراق التفاوض العربیة مستقبلاً بفرض واقع یهودی على کل القدس بما فیها قضیة اللاجئین والمسجد الأقصى نفسه بحیث لا یبقى شیء متماسک للتفاوض حوله وتضیع أهم ورقة تفاوض عربیة!، ولا ننسى هنا أن الهدف الإسرائیلی الحالی هو "إسرائیل یهودیة"، ومن باب أولى بالتالی الوصول لتهوید الأقصى -أو جبل الهیکل- وإخفاء أی معالم أو هویة إسلامیة تعرقل یهودیة هذه الدولة!.

خطة صهیونیة علنیة

وقبل أن نشرح طبیعة الخطة الصهیونیة التی تنفذها حکومة نتنیاهو على عجل، وبمبارکة کل الشعب الذی اختارها فی انتخابات الکنیست، نشیر إلى أن الخطة لم تعد سریة، ووصل الأمرحد تحدی العرب والمسلمین بإعلان وإظهار هذا الهدف، ومع هذا لم یقابله العرب سوى بالصمت والعجز، بل وإعفاء إسرائیل من الإدانة التی أتاحها تقریر "جولدستون" ورفع الحرج عنها بسحب السلطة الفلسطینیة للتقریر الذی کان یمثل فرصة عربیة للضغط على مجرمی الحرب الصهاینة لوقف التهوید!.

وتظهر دلائل عدم سریة الخطة فیما قاله "سیلفان شالوم" نائب رئیس الوزراء الإسرائیلی یوم 6 أکتوبر الجاری من أن "المعرکة بدأت لفرض السیادة الإسرائیلیة على القدس وبشکل خاص جبل الهیکل"، وهی التسمیة التی یطلقها الإسرائیلیون على موقع المسجد الاقصى.

ومن هذا الخطط المعلنة فی الحکومة والکنیست معا للتخلص أیضاً من القیادات الإسلامیة التی ترابط فی الأقصى وحوله وتقود الجماهیر لمنع تهویده والسیطرة على أجزاء منه بغرض فتح أجزاء منه -منعوا المسلمین من الصلاة فیها واعتقلوهم (!)- للصلاة للیهود، وهذا سر اعتقالهم الشیخان رائد صلاح وکمال الخطیب ومحاصرة المرابطین داخل المسجد والتحریض على "حظر" الحرکة الاسلامیة داخل إسرائیل واعتبارها غیر شرعیة وطرد قادتها إلى غزة.

ومقابل هذا یتم تشجیع جماعات یهودیة متطرفة على تصعید دعواتها لمؤیدیها وعموم المجتمع الصهیونی لاقتحام المسجد الأقصى بشکل جماعی وإقامة طقوس تلمودیة داخل المسجد الأقصى تتعلق ببناء "الهیکل المزعوم"، ونشر آلاف الجنود لحمایتهم ومنع المسلمین من الصلاة فی المسجد أوقات دخول هؤلاء المستوطنین للمسجد.

تهوید "العاصمة الموحدة"

ولأن الهدف الإسرائیلی ظل دوما الترویج لحلم القدس کعاصمة موحدة لدولة "إسرائیل"، ولأن هویة هذه الدولة حصل الإسرائیلیون على صک أمیرکی بالاعتراف بها -کان آخره من أوباما- کدولة یهودیة؛ فقد وضعت حکومة الیمین الإسرائیلی المتطرف فی أولویاتها التهوید الکلی للمدینة والترکیز على البلدة القدیمة العربیة استعدادا للترتیبات النهائیة لمسار التسویة وسحب هذه الورقة التی عرقلت مفاوضات سابقة من أیدی العرب والفلسطینیین.

والملاحظ أن هدف "حسم مصیر القدس" جری تسریعه على کل المستویات خصوصا حسم الهویة الدینیة والثقافیة للمدینة، وحسم الهویة السکانیة للمدینة على النحو التالی:ـ

** جغرافیا: بالاستیلاء على مزید من الأرض وبناء مستوطنات علیها، ویظهر هذا فی توسیع الکتل الاستیطانیة المحیطة بالقدس، إلى جانب زیادة مساحة ورقعة المستوطنات فی محافظات الضفة الغربیة (التی بلغت 440 موقعا استعماریا) بنسبة قدرها 42% على حساب أراضی الضفة الغربیة، وقد نجحت هذه الخطط فی إیجاد 69 مستوطنة فی القدس الیوم بمساحتها الجدیدة داخل الجدار-والبالغة بشطریها 289 کم2- تُسیطر على مساحة تُقدّر بـ163 کلم2، ویسکنها حوالی 270 ألف مستوطن.

** دیموغرافیا: بتسریع خطط طرد الفلسطینیین من المدینة القدیمة والتضییق على بناء العرب مقابل تقدیم الامتیازات للیهود للبناء فی القدس والمستوطنات بهدف خلق أغلبیة یهودیة فی المدینة، وقد کشف تقریر أصدرته "وحدة البحث والتوثیق فی مرکز القدس للحقوق الاجتماعیة والاقتصادیة" عن أن الجمعیات الخیریة الأمیرکیة هی أبرز ممول للاستیطان والاستیلاء على عقارات المقدسیین وطردهم منها، وأن 28 منظمة وجمعیة أمیرکیة قدمت 33.4 ملیون دولار کهبات لا تشملها الضرائب للمستوطنات بین عامی 2004 و2007 لتسهیل الاستیلاء على الأرض العربیة وآخرها أکثر من 70 عقارا فی البلدة القدیمة من القدس ونحو 40 عقارا آخر فی سلوان، وهو ما رفع أعداد الإسرائیلیین لأکثر من 500 ألف یهودی فی مستعمرات الضفة نصفهم تقریبا فی مستعمرات القدس.

** ثقافیا: بالسعی إلى خلق مدینة یهودیة مقدسة موازیة للبلدة القدیمة بمقدساتها الإسلامیة والمسیحیة، ومشترکة معها فی المرکز ذاته وهو المسجد الأقصى، ویطلق الاحتلال على هذا المشروع اسم "القدس أولاً" أو "مشروع تطویر الحوض المقدس"، وتوجیه خطط السیاحة نحو ما یسمى الآثار الیهودیة وتجاهل الإسلامیة والمسیحیة والترویج لهذا فی العالم.

** قانونیا: باستصدار قوانین جدیدة للبناء أخطرها اتخاذ الحکومة "الإسرائیلیة" قراراً یقضی بتطبیق (قانون أملاک الغائبین) فی القدس الشرقیة، والذی یعنی حرمان فلسطینیو الضفة الغربیة وغزة واللاجئین خارج فلسطین من ممتلکاتهم فیما یسمی (أرض إسرائیل) حسب نص القانون لتصبح ضمن أملاک الدولة الصهیونیة، وحسب القانون أیضاً لا یحق للمتضرر التوجه للقضاء أو حتى المطالبة بتعویضه عن أرضه التی صودرت منه عنوةً!

** دولیا: بحشد کل أدوات الضغط الصهیونیة على إدارة أوباما کی تتنازل عن شروط وقف البناء فی المستوطنات، بل وتعترف بإسرائیل کـ "دولة یهودیة"، ما یفتح المجال لطرد فلسطینی الأرض المحتلة والتنکیل بهم کما یجری حالیا.

عقبات تهوید القدس

لا شک أن خطط التهوید الصهیونیة نجحت إلى حد بعید من النواحی الجغرافیة وبخاصة فیما یتعلق بتهوید المدن وأسماء الشوارع وتخطیط القرى وتقترب شیئا فشیئا من المدینة القدیمة وأسوار الأقصى، وأن هناک أمان کثیرة فی نجاح مشروع التهوید فی حسم هویة المدینة.

ولکن العقبة التی تواجه هذا المشروع وتحدد مصیر القدس والأقصى هی جهود فلسطینی القدس والحرکة الإسلامیة المتعاظمة لعرقلة خطط التهوید المتسارعة عبر إطلاق نفیر الرباط والحشد داخل الأقصى، بخلاف خطط إعمار الأقصى وتجدیده وإبراز الهویة الإسلامیة للمدینة.

أیضا ما تزال القبة الذهبیة والمسجد الفسیح الذی یغطی جبلاً کاملاً من جبال القدس تعرقل الخطط الصهیونیة للصلاة فی "جبل الهیکل" -أرض الأقصى حالیا- باستثناء المکان ذاته الذی انتزعه الیهود وصلّوا فیه قبل عام 1948، وهذا ما یفسر سر الحملة الإسرائیلیة المکثفة خلال أکتوبر 2009 لفرض السیطرة الإسرائیلیة على الأقصى، والتی تجلت فی عدة خطوات لم یکن آخرها حصار المرابطین داخل الأقصى وغلق أبوابه واعتقال المدافعین عنه.

وقبل هذا سعى الاحتلال -بحسب الشیخ رائد صلاح- للتصرف بأمور المسجد الأقصى الیومیة کأنه صاحب السیادة الوحیدة فی المسجد ولا یعترف بهیئة أوقاف أو سیادة أو إرادة ویمنع شیوخها والحراس من الدخول إلا بعد تسلیم بطاقات هویتهم.. وکلها خطوات تؤکد السعی للسیطرة على الأقصى لاحقا وتقسیم المسجد بین المسلمین والیهود.

ولذا لن یکون مستبعدا فی ظل هذه الخطط والتصعید الإعلامی ضد الحرکة الإسلامیة التی نشطت منذ ثمانینات القرن الماضی أن یجری حظر نشاط الحرکة وعدم الاعتراف بها لشل أنشطتها التی تدعم هویة الأقصى الإسلامیة وتثبیت هویة المدینة المقدسة الإسلامیة، ومن ثم تسهیل اعتقال قادتها ومنع أی نشاط لها.

السیناریوهات المتوقعة

یبدو من سیر الخطط الصهیونیة وخطط القیادات الفلسطینیة المقدسیة المعاکسة أن ثمة ثلاثة سیناریوهات یمکن توقع نجاح إحداها فیما یخص مستقبل القدس والمسجد الأقصى وفقا للظروف الداخلیة والدولیة، تتمثل فی:ـ

أولا: نجاح خطط تسریع التهوید الصهیونیة وفرض الهویة الیهودیة والوجود الصهیونی حتى على المسجد الأقصى نفسه خصوصا لو استمر الصمت والعجز العربی والإسلامی والتواطؤ الأمیرکی الأوروبی.

ثانیا: صعوبة تنفیذ المخطط الصهیونی کاملا بسبب المقاومة الفلسطینیة الداخلیة الشرسة وبسبب الظروف الطبیعیة المعاکسة مثل صعوبة التغلب على المشکلة الدیموغرافیة وتزاید عدد السکان العرب على الإسرائیلیین (35% من سکان القدس فلسطینیون برغم خطط التفریغ والإقصاء الصهیونیة)، ومن ثم العودة لخیار تقسیم القدس بین إسرائیل والفلسطینیین.

ثالثا: فشل خطط التهوید الصهیونیة وتمکن المقدسیین من حسم هویة المدینة لصالحهم، والإبقاء على الأقصى فی أیدی المسلمین، ومنع التحکم الصهیونی فیه بما یمنع اعتبار القدس عاصمة لإسرائیل.

ومن الواضح أن السیناریو الثانی هو الأقرب للتحقق، لأنه من الصعب إفشال الخطط الصهیونیة کلیاً فی ظل استمرار الاحتلال والاعتقالات والتضییق على خطط تثبیت الهویة الإسلامیة للمدینة من جهة، وبسبب العجز والصمت العربی والإسلامی والدولی على ما یجری وعدم التدخل لإنقاذ المدینة من مخطط التهوید، ومن الصعب أیضا أن ینجح الاحتلال فی التغلب على المشکلة الدیموغرافیة وطرد کل فلسطینی 48 الملیون ونصف، فی ظل حقائق طبیعیة تؤکد أن نسبة الفلسطینیین فی المدینة الآن 35%، ومن المتوقع أن تصل سنة 2020 إلى 40%، وأن یزید عدد السکان العرب على الإسرائیلیین عموما فی الدولة العبریة عام 2025!.

ویؤید تقریر صدر عن مرکز الزیتونة للدراسات والاستشارات یوم 19 أغسطس الماضی، تحت عنوان حول "مستقبل القدس فی ظل إجراءات التهوید"، هذا الطرح الخاص بصعوبة التهوید الکامل وأیضا صعوبة الحفاظ على هویة المدینة العربیة کاملة، ومن ثم اللجوء للحلول الوسط، وإن کان التقریر لم یستبعد السیناریو الأول (نجاح التهوید) خصوصا فی ظل "الخرس" الرسمی العربی والتواطؤ الدولی برغم دخول خطط السیطرة على المسجد نفسه مراحلها الأخیرة!

ولکن حتى هذا السیناریو الثانی -لو تحقق- سیکون لصالح الدولة العبریة لأنها ستتمکن بفعل خطط التهوید المتسارعة النشطة الحالیة على الأقل من تعطیل وتهمیش أهم أوراق التفاوض العربیة مستقبلا وهی "القدس" و"اللاجئین"!!

ن/25


| رمز الموضوع: 139727







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)