الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

إسرائیل تنتج الکراهیة والعنف وتصدرهما

بقلم  الدکتورعبـد اللّطـیف الحنّـاشی

 

عرف الکیان الصهیونی خلال سنة 2009 موجة واسعة ومتنوعة من أشکال الجریمة والعنف دفعت رئیس الکنیست الإسرائیلی روفین ریفلین إلى القول إن مستوى الجریمة فی إسرائیل قد بلغ حد "التهدید الاستراتیجی". فی حین وصف رئیس الوزراء بنیامین نتنیاهو مظاهر العنف المستشریة بـ"الإرهاب الداخلی الذی لا یمکن تحمله".

وبحسب استطلاع قام به موقع جریدة "یدیعوت أحرونوت" الإلکترونی، یرى 81 فی المائة من الذین استطلع الموقع آراءهم أن أکثر ما یقلقهم هو انتشار العنف فی المجتمع "مقابل 73 فی المائة اعتقدوا کذلک السنة الماضیة"، فیما تراجع موضوع الفساد إلى المرتبة الثانیة بواقع 80 فی المائة "مقابل 79 فی المائة السنة الماضیة"، فی حین احتل موضوع الفقر والفجوات الاجتماعیة المرتبة الثالثة بواقع 79 فی المائة "مقابل 61 فی المائة فی السنة الماضیة". وقد بلغ عدد الجرائم المرتکبة خلال السنة نحو 204 جرائم، حسب معطیات قدمتها الشرطة الإسرائیلیة، ورغم انخفاض العدد الجملی للقتلى سنة 2009 "112" مقارنة بسنة 2008 "137"، غیر أن عدد العرب منهم قد ازداد من 33 قتیلا عربیا سنة 2008 إلى 58 قتیلا سنة 2009.

وکان مرکز "مساواة" الفلسطینی المعنی بمراقبة التمییز والعنف ضد العرب فی إسرائیل قد أشار إلى وقوع نحو 70 حادثة اعتداء خلال سنة 2008 من جانب یهود على جیرانهم العرب بالإضافة إلى 29 حادثة تحریض عنصری و15 حادثة تمییز فی العمل... کما أفاد وزیر الأمن الداخلی یتسحاق اهارونوفیتش مؤخرا أن 11 امرأة قتلن فی البلاد بأیدی أزواجهن فی العام الماضی، فی حین قتلت 6 نساء بأیدی أزواجهن منذ مطلع هذا العام.

وتعانی 10% من النساء فی الکیان الصهیونی من العنف الأسَری.. کما تذکر الدراسات الإسرائیلیة أن واحدة من کل ثلاث نساء تعرضن للاعتداء الجنسی، وتعرضت واحدة من کل ثلاث نساء للاغتصاب، ویتبین أیضا أن غالبیة ضحایا الاعتداءات الجنسیة کن ضحایا لأقارب أو معارف، ثم إن أکثر من نصف النساء الإسرائیلیات تعرضن لملامسات ذات طابع جنسی وخلافاً لرغائبهن..

أما فی الضفة الغربیة فقد کشفت إحصائیة شرطة السلطة الفلسطینیة أنها سجلت 2830 حالة إیذاء ناجم عن الضرب والطعن والحرق فی 2007، مقابل 4600 فی 2008. وفی الأشهر التسعة الأولى فقط من 2009 وحتى الثامن من سبتمبر/ أیلول تحدیدا، بلغ عدد هذه الحالات 4126. أما عدد المشاجرات العنیفة فقد بلغ 649 فی 2007 وارتفع إلى 726 فی 2008 ووصل إلى 777 حتى الثامن من سبتمبر/ أیلول 2009.

قد یمثّل العنف الجسدی فی المجتمعات "الطبیعیة" ظاهرة اجتماعیة ذات تواتر محدود تارة، وضخم تارة أخرى، وهو فی کل الأحوال مخالف للقواعد الاجتماعیة والقانون الجنائی؛ إذ یشکل خروجا عن "إجماع المجتمع". ویمثل العنف الجسدی، حسب الکثیر من الباحثین تعبیرا عن معاناة الأفراد من انعدام المساواة والغبن الاجتماعی، وغالبا ما یکون ردا على التفاوت الطبقی والاجتماعی؛ کما من أسبابه انعدام الاستقرار الاقتصادی وارتفاع معدل البطالة.

غیر أن الأمر یختلف جذریا فی المجتمعات "غیر الطبیعیة"، وهی المجتمعات التی انقرضت أو تکاد لولا استمرار الدولة الصهیونیة ببنیانها الاجتماعی ونظامها السیاسی النادر والفرید فی عالم الیوم، فهو مجتمع تبدو درجة اندماج أفراده محدودة جدا وهو کثیر التعقید فی ترکیبته الدینیة والطائفیة والاثنیة "أشکیناز وسفاردیم" وهو مجتمع مهاجرین جدد "أفارقة ومن أوروبا الشرقیة" أیضا إلى جانب المستوطنین فی الضفة الغربیة الذین یشکلون مجتمعاً خاصا وأقلیة عربیة بخصوصیاتها القومیة والثقافیة المتمیزة بالإضافة إلى مجتمع الضفة الغربیة الذی تدیره السلطة الفلسطینیة الخاضعة بدورها للأجهزة الإسرائیلیة... وبشکل عام فإن ما یوحّد فئات هذا المجتمع هو قیم الکراهیة التی یعیش ویتغذى علیها الجمیع، وإن بتفاوت ضد الفلسطینیین جمیعا، غیر أن ذلک لا یلغی تفشی روح الکراهیة التی تتبادلها الجماعات الیهودیة فی إسرائیل فیما بینها وتمارسها وفقاً لانتماءاتها الطبقیة والإثنیة والدینیة والثقافیة..

وقد وصف المحلل السیاسی الإسرائیلی جدعون لیفی هذه الکراهیة التی تمیز "المجتمع" الإسرائیلی وصفا دقیقا معبّرا بقوله إن "الحریدیم "المتدینون" یکرهون المثلیین وهؤلاء یبادلونهم الکراهیة، والمستوطنون یکرهون الیساریین، والیساریون یکرهون المستوطنین، الأشکیناز لا یحبون الیهود الشرقیین، وکذلک هؤلاء لا یحبونهم، العلمانیون یکرهون المتدینین وهؤلاء یبادلونهم الکراهیة، والأغنیاء لا یتحملون الفقراء والفقراء لا یطیقون الأغنیاء، لکن کراهیة واحدة توحد هؤلاء جمیعاً فی ما بینهم، إنها کراهیة العرب".

وتستمد هذه الکراهیة مبرراتها من الأیدیولوجیا العنصریة التی تترکّز على احتقار الآخر، والنّظر إلیه نظرة دونیة وهی التی تضفی الشرعیة على سیطرة الأغلبیة من السکان وذلک بدیلا عن فکرة المواطنة.. بالإضافة إلى الطبیعة الإکراهیة للسلطة الاستعماریة التی قوامها أجهزة العنف المختلفة من جیش وشرطة وأجهزة استخبارات والإدارة والقضاء.. التی تعمل على إشاعة الخوف فی نفوس السکان جمیعا وخاصة الفلسطینیین العرب وإخضاعهم بکل الطرق القانونیة وغیر القانونیة..

ویؤکد احد أهم الباحثین الإسرائیلیین فی علم الاجتماع أن السبب فی ارتفاع معدلات الجریمة فی إسرائیل یعود إلى انتشار ثقافة العنف التی تجتاح المجتمع نتیجة الصراع مع الفلسطینیین، بالإضافة إلى الحروب التی تخوضها إسرائیل ضد العرب.

والواقع أن العنف کان ولا یزال فلسفة ثابتة للدولة الصهیونیة فمن خلاله تمکنت من طرد السکان العرب الأصلیین وترحیلهم واستقبال المستوطنین وبناء الدولة، وبواسطته أیضا احتلت الأراضی العربیة، کما استندت إلیه کأسلوب لتسویة خلافاتها مع الفلسطینیین حتى بعد اتفاقیات أوسلو، لذلک تحول هذا المنطق نفسه إلى مختلف فئات المجتمع وأفراده وتوجه سلوک العنف نحو بعضهم البعض، إذ عادة ما تحل الخلافات فیما بین السکان عن طریق الإخضاع بالقوة واللجوء إلى القتل لإسکات الخصم.

کما تؤکد إحدى الباحثات الإسرائیلیات أن الفساد المتفشی وسط النخبة الحاکمة یمثل أحد الأسباب المساعدة فی تولید العنف؛ فعندما یکون رئیس الدولة متهما بالتحرش الجنسی وبالاعتداء على النساء اللواتی یعملن تحت إمرته ویخضع لتحقیقات الشرطة، وعندما یلاحق رئیس الحکومة بتهم تلقی رشى وسوء استغلال لمنصبه، وعندما یحال بعض الوزراء إلى المحاکمة لارتکابهم جنحا وسرقات للمال العام، فبماذا یمکن أن یفکر المواطن العادی؟ کما یشیر بعض الباحثین إلى ازدیاد معدل العنف فی الداخل الإسرائیلی بالتزامن مع تحول إسرائیل إلى ملاذ آمن لعدید المطلوبین للعدالة القادمین من مناطق الاتحاد السوفییتی السابق ودول شرق أوروبا.

وفی النهایة فإن العنف یرتبط وبأشکاله المختلفة بالسیطرة التی تمارسها الدولة على الفلسطینیین وعلى أرضهم. غیر أن سلطة الدولة التنفیذیة والقضائیة التی تبدو شدیدة مع العرب عامة تبدو ضعیفة ومتراخیة أمام الیهود خاصة مع تراجع الوازع الأخلاقی والقیمی عند هؤلاء وذلک نتیجة تراجع سلطة الأهل على أبنائهم ومحدودیة نجاعة نظام العقوبات المعتمد فی المدرسة خاصة.

ولا تکمن المشکلة فی الواقع فقط فی العقوبات المخففة، حسب بعض الباحثین، إذ تتحمل الشرطة بدورها جزءا کبیرا من المسؤولیة. وکانت بعض التقاریر التی نشرتها الصحف قد أظهرت حجم الخلل والتلکؤ فی أداء أفراد هذا الجهاز تجاه التجاوزات التی یقوم بها الأفراد الیهود ضد العرب أو العرب فیما بینهم إلى درجة أن الجهاز قد تلاعب بالإحصائیات وقدم معطیات أبرزت انخفاض معدلات الجریمة وذلک عکس الواقع تماما...

وإن یبدو تفشی العنف فی المجتمع الإسرائیلی غیر المتجانس أصلا أمرا طبیعیا سیساهم بالتأکید فی تصدّع کیان الدولة ویهدد وجودها باعتبار أن فقدان الأمن یمثل فی أحد جوانبه أهم العناصر التی تساعد على الهجرة المعاکسة وهو ما یعنی إفراغ إسرائیل من سکانها الیهود فإن الأمر یبدو أکثر خطورة على المجتمع العربی الفلسطینی الذی أخذ العنف یسری فی مختلف شرایین حیاته خاصة بعد أن تحولت طبیعة العنف من أشکالها الاجتماعیة إلى الحیاة السیاسیة وإن کان حجم هذا الشکل الأخیر محدودا فی أوساط فلسطینیی 48، إلا أنه اتخذ أشکالا خطیرة بالنسبة لسکان الضفة الغربیة.

وقد بینت بعض البحوث الجادة أن السلوک السیاسی والاقتصادی للسلطة الفلسطینیة قد وفر أرضیة خصبة لممارسة العنف بین أوساط الفلسطینیین فیما بینهم سواء على خلفیة اجتماعیة أو سیاسیة خاصة مع انسداد آفاق الحلول السلمیة الموعودة. فأجهزة السلطة الفلسطینیة، إلى جانب العدو الإسرائیلی، ساهمت بدرجة کبیرة فی تأجیج هذا العنف، بأبعاده المختلفة، وانتشاره وذلک من خلال استشراء الفساد بجمیع أشکاله، بالإضافة إلى ما تولد عن سیاستها الاجتماعیة من تباینات حادة بین مختلف فئات سکان المجتمع. کما أن ممارسة أجهزة السلطة لأشد أنواع العنف ضد معارضی خیاراتها السیاسیة من الفلسطینیین مقابل تصدّیها لکل من یرغب اعتماد المقاومة المسلحة ضد العدو قد أحبط قطاعات واسعة من الشباب التی حوّلت طاقاتها إلى ممارسة عنیفة ضد أفراد مجتمعها، وهو أمر أخذ یتفاقم أکثر فأکثر ویهدد تماسک کیان المجتمع الفلسطینی بل یهدد مستقبل الشعب الفلسطینی برمته!..

ن/25


| رمز الموضوع: 139757







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)