الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

طوق النجاة العربی ینقذ إسرائیل فی الوقت المناسب

 

بقلم الأکادیمی الفلسطینی الدکتور علی الهیل

 

کما هی العادة، القى العرب 'الرسمیون' طوق النجاة للصهاینة الغارقین حتى آذانهم فی فضائح اغتیال المبحوح، والاعتداءات على المقدسات الإسلامیة المتمثلة فی ضم الحرم الإبراهیمی الشریف ومسجد بلال إلى التراث الیهودی 'الصهیونی'، والتوسع الإستیطانی فی القدس الشرقیة والضفة الغربیة المحتلتین، وأعمال الهدم والتجریف تحت المسجد الأقصى، وقبل ذلک تداعیات تقریر غولدستون عن جرائم حربهم على غزة، وغیر ذلک من الفضائح والاعتداءات والجرائم. وکما هی العادة، إنبرت الحکومة الأکثر صهیونیة لتشکر الحکومات العربیة على 'تعاطفها' معها (أی على خیانتها لشعوبها والتی یقول لسان حال شعوبها: 'اللهم إناَّ نبراُ إلیک مما یفعل هؤلاء الرسمیون العرب') فی وقت تمر فیه الدولة الصهیونیة بأسوأ أزمة علاقات عامة مع حلفائها 'دایاتها ومربیاتها' التقلیدیین على امتداد تاریخها، بما فیهم الولایات المتحدة الأمریکـــیة ودول الاتحاد الأوروبی. وأقل ملامــح هذه الأزمة، الحرج الذی سببته إسرائیل لحلــــفائها الأوروبیین تــحدیدا نتیجة لاستخدام جوازات سفر أوروبیة من قبل عملائها لدخول دبی والذی أدى إلى اغتیال المبحوح .

لو أن العرب 'الرسمیون' أنصتوا جیدا لنبض الشارع العربی وتخلصوا من 'رسمیتهم' التی لا تزیدهم إلا بعدا عن شعوبهم یوما بعد یوم، وتفادوا - هذه المرة ولو لمرة واحدة - الوقوع فی فخ 'التسامح مع الآخر' والذی تسوقه منذ زمن دول اللا تسامح الغربیة وإسرائیل، ولو أنهم قرأوا بشکل صحیح تفاصیل الأزمة الإسرائیلیة الحالیــــة، والورطـــة التی أوجدت إسرائیل نفسها فیها، واستهجــــان العالم بما فیه حلفاؤها - وإن کان على مضض- من تصرفات إسرائیل لَکانت هذه الفرصة فــــرصة ذهـــبیة نادرة قلما یجود بها الزمن العربی الشحیح، لاستثمار هذا کله وتجییره لصالحهم. وربما أنهم اتخذوا ذلک القرار مع قراءتهم - لِنفترض أنهم قرؤوا - فی الداخل الإسرائیلی وما تمر به إسرائیل من أزمات وورطات غیر أن الضغوط الأمریکیة والأوروبیة أجبرتهم - وکما هی العادة - على تجاهل نبض شعوبهم.

کان یمکن لما یسمى بجامعة الدول العربیة أن تثبت أنها کذلک جامعة للشعوب العربیة ولیس للحکومات فقط وتصر على أن لا مفاوضات مباشرة أو غیر مباشرة من غیر الموافقة على دعوة الرئیس أوباما: إستئناف المفاوضات مقابل تجمید بناء المستوطنات، والعودة عن ضم الحرم الإبراهیمی الشریف ومسجد بلال إلى التراث الیهودی وإعادة کل المقدسیین إلى بیوتهم وممتلکاتهم التی هُجروا منها والکف عن هدم البیوت فی القدس الشرقیة والضفة الغربیة، ورفع الحصار المُدان عالمیا عن غزة، والإفراج عن الأسرى الفلسطینیین فی سجون الاحتلال.

هذه المطالب مطالب عادلة ولیست سقفا عالیا مبالغا فیه بل ویقرها العالم ویقرها القانون الدولی وتنص علیها إتفاقیة جنیف الرابعة. لو ووجهت إسرائیل بمثل هذا الموقف لَماطلت وناورت ولکن فی نهایة الأمر ستُذعن لأنها لا تفهم سوى لغتین: لغة الشروط ولغة القوة. إن إسرائیل تشترط کما تشاء وکما یحلو لها وتصفع حتى أکثر حلفائها قربا وهی الولایات المتحدة الأمریکیة على وجهها کما فعلت بدعوة أوباما، الرئیس الأمریکی. وللأسف فإن العرب لا یقدرون حتى على أن یشترطوا على إسرائیل بل ویقدموا لها الغطاء لکی تستمر فی غلوائها وتعتدی على مقدسات المسلمین فی فلسطین وتستمر فی محاصرة غزة وتسیر فی مشاریع الاستیطان التوسعیة فی القدس الشرقیة والضفة الغربیة وتهدم بیوت المقدسیین وتهجرهم والعرب 'الرسمیون' بمن فیهم ما یسمى بالسلطة الفلسطینیة یتفرجون على الحجر الفلسطینی المقاوم لکل ذلک الظلم ولکل تلک الجرائم وحیدا.

ویتساءل المرء هنا: هل ما یسمى مجازا بجامعة الدول العربیة لیس من مهامها - خاصة خلال العقدین الماضیین- سوى إنقاذ إسرائیل ومد ید العون لها؟ إن قرار اللجنة الوزاریة العربیة الأخیر بإعطاء الغطاء لما یسمى بالسلطة الفلسطینیة لإجراء مفاوضات غیر مباشرة لمدة أربعة أشهر هو مکافأة لإسرائیل على صهیونیتها المتمثلة فی رفض دعوة الرئیس أوباما لجعل تجمید الاستیطان شرطا أساسیا للمفاوضات بین إسرائیل والفلسطینیین، والتی أطلقها من القاهرة بدایة العام الماضی. وهو مکافأة لإسرائیل على صهیونیتها فی فضیحة إغتیال المبحوح، وهدم بیوت الفلسطینیین فی القدس الشرقیة وتهجیرهم منها وحصارها لغزة وإهاناتها المتکررة للمسجد الأقصى واعتداءاتها على سائر المقدسات، وغیر ذلک مما بات معروفا للجمیع. بل وأکثر من ذلک فإن القرار الوزاری العربی 'الرسمی' کرس تجاهل إسرائیل للمبادرة العربیة التی طرحها الملک عبد الله خادم الحرمین فی قمة بیروت 2003. وبرغــــم أن المبادرة العربیة للسلام لا تمثل سوى الحد الأدنى لما یمکن أن یقبل به الشارع الفلسطینی ومعه العربی فی ضوء المعطیات السیاسیة الحالیة فقد کان یمکن للجامعة أن تذکر الصهاینة بأن البدیل لرفض إسرائیل للمبادرة هو تأیید ودعم حرکات المقاومة الفلسطینیة والعربیة ضد إسرائیل. ودعوة کهذه لو أُطلقت لأَقلقت إسرائیل حتما.

مما لا شک فیه أن دولة المقر المتواطئة مع المشروع الصهیونی لیلا نهارا جهارا، (وما الجدار الفولاذی المصری حول غـــزة، والفتح الجزئی لمعبر رفح والتخاذل المشین فی الحرب الصهیونیة على أطفال غزة نهایة عام 2008 وبدایة 2009، إلا مؤشرات على هذا التواطؤ) له توقیعه الواضح وتأثیره على القرار المشؤوم. وإلا لماذا لم تشنف الجامعة (المتصهینة) آذاننا بما یمکن أن یشفی غلیل الإنسان العربی باتخاذ مواقف قومیة ضد ما یجری فی القدس والضفة وغزة والأغوار وإزاء ضرب إسرائیل بعُرض الحائط دعوة أوباما لها بتجمید الاستیطان شرطا لاستئناف المفاوضات .

ویتساءل المرء ثانیة: إذا کانت ست عشرة سنة (16سنة) من المفاوضات المباشرة مع إسرائیل لم تجلب للفلسطینیین ولا حتى ما هو دون الحد الأدنى من حقوقهم الأساسیة فی المأکل والمشرب والمأوى، فأی أجندة یا تُرى تستند إلیها الجامعة (یا رعاها الله) من وراء موافقتها على إجراء مفاوضات غیر مباشرة بین الطرفین؟ إنها قفزة بهلوانیة أخرى فی الهواء وجری للمرة الأخرى وراء سراب المفاوضات.

ن/25

 

 

 

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 139797







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)