لماذا لا یفتح العرب 'الجبهة القانونیة' ضد الاحتلال؟
الخبیر اللبنانی معن بشور
کل ما یدور حولنا یشیر بوضوح الى اتساع افاق الجبهة القانونیة امامنا کعرب وکمسلمین وکاحرار على امتداد العالم.
فتقریرغولدستون الشهیر والخاص بجرائم الحرب الصهیونیة فی 'محرقة' غزة یمکن ان یستخدم کاطار لملاحقة کل مجرمی الحرب من سیاسیین وعسکریین صهاینة أصدروا أوامر ونفذوها بحق القطاع المحاصر والصامد بشموخ منذ عقود.
وجریمة الشهید محمود المبحوح فی دبی تتوالى فصولها انکشافاً، وینضم منفذوها الى لائحة المطلوبین دولیاً، خصوصاً مع إصرار شجاع من قائد شرطة دبی الفریق ضاحی خلفان تمیم الذی لا ینفک یلاحق ویتابع ویتهم کل ضالع فی هذه الجریمة التی لم تستهدف مقاوماً فلسطینیاً بارزاً فقط، ولا سیادة دولة عربیة فحسب، بل استهدفت دولاً لم یتورع العدو عن تزویر جوازاتها وهو مطمئن الى ان دعمها للکیان الصهیونی یتقدم على احترامها لقوانینها وسیادتها ولسمعة مواطنیها فی منطقتنا والعالم.
واستجواب لجنة التحقیق البریطانیة المستقلة للمسؤولین البریطانیین، وفی مقدمهم تونی بلیر شریک جورج بوش فی الحرب المدمرة على العراق، ومثول هذا السیاسی المتعجرف مرتبکاً ومتلعثماً امام اسئلة اعضاء اللجنة على مدى ساعات طویلة (لم تنفعه معها نجدة رئیس الوزراء الحالی غوردن براون الذی اکد شراکته فی تلک الحرب التی اشرف على تمویلها مکلفاً خزینة بلاده ما یزید عن عشرات الملیارات ناهیک عن مئات القتلى)، یمکن ان یکون مقدمة لفتح تحقیق دولی فی واحدة من أبشع جرائم الحرب فی عالمنا المعاصر التی تحمل انتهاکاً لکل المبادئ والمواد التی ینص علیها القانون الدولی الانسانی من إبادة جماعیة وقتل الملایین من العراقیین بالحصار او بالحرب، وتعذیب عشرات الالاف من الاسرى والمعتقلین، والمحاکمات غیر الشرعیة وغیر القانونیة، ناهیک عن تدمیر مقومات بلد مستقل کامل العضویة، بل ومؤسس، فی الامم المتحدة التی اعلن امینها العام السابق کوفی أنان ان 'الحرب على العراق لم تکن قانونیة ولم تکن شرعیة'.
واوضاع الاف الاسرى والمعتقلین الفلسطینیین والعرب فی سجون الاحتلال الاسرائیلی، وبینهم مئات الاطفال والنساء ومن تم اعتقاله منذ عقود، بالاضافة الى اوضاع عشرات الالاف فی سجون الاحتلال الامریکی فی العراق، ناهیک عن سجناء معتقل غوانتانامو الشهیر، و66 سجناً سریاً امریکیاً على امتداد العالم، یجب ان تتحول الى ملفات قانونیة امام المحاکم الجنائیة الدولیة لشمولها کل انواع الانتهاکات الموصوفة ضد شرعة حقوق الانسان والمواثیق الدولیة.
والحصار المستمر على قطاع غزة والذی فرض على اکثر من ملیون ونصف ملیون انسان حیاة تتنافی مع ابسط الشروط الانسانیة وأودى بحیاة الالاف من البشر المحرومین من الدواء والغذاء والماء، هو ایضاً جریمة ضد الانسانیة ینبغی الا یفلت اصحابها من العقاب.
والمجازر الصهیونیة والامریکیة والاطلسیة المتواصلة فی فلسطین والعراق ولبنان وافغانستان، ناهیک عن تلک التی طالت فی عقود سابقة دولاً کمصر وتونس والسودان والصومال وغیرها وغیرها ینبغی ان تشکل مدخلاً لمقاضاة کل من شارک فیها، او تسّتر علیها، او شّجع فی استمرارها من خلال منع ملاحقة مرتکبیها...
وملف جدار الضم والقضم والتهجیر العنصری الصهیونی الذی یمتد کالأفعى فی أحشاء الارض الفلسطینیة، مترافقاً مع مستعمرات استیطانیة ومخططات سطو دینی وتراثی وثقافی على القدس والخلیل وبیت لحم، مؤهل لأن یکون محل متابعة قانونیة لازالته خصوصاً أن هناک استشارة قانونیة صادرة بالاجماع عن محکمة العدل الدولیة فی لاهای تعتبر 'الجدار غیر قانونی وغیر شرعی وتدعو الى ازالته'.
فهل یمتلک الرؤساء والملوک والامراء العرب الذین سیجتمعون بعد اسبوعین ونیف الجرأة اللازمة لاطلاق آلیات قانونیة اقلیمیة ودولیة لملاحقة کل هذه الجرائم ومقاضاة مرتکبیها؟ واذا کان هؤلاء المسؤولون العرب عاجزین عن اتخاذ قرارات بالمواجهة العسکریة للعدوان والاحتلال، واذا کان المسؤولون العرب عازفین عن مراجعة استراتیجیاتهم الفاشلة السابقة تجاه الاحتلال فی فلسطین والعراق، واذا کانوا خائفین من استخدام السلاح الاقتصادی الذی یملکونه، من مقاطعة اقتصادیة للعدو والمتعاملین معه ومن نفط وارصدة نقدیة،(وقد اعترف وزیر خارجیة امریکا الاسبق هنری کیسنجر فی مذکرته انها کادت ان تخنق الکیان الصهیونی)، فلماذا لا یتحرک هؤلاء لفتح جبهة قانونیة مع المحتلین ومجرمی الحروب خصوصاً ان الابواب باتت مفتوحة أمامهم من خلال هیئات ومؤسسات وأحرار على مدى العالم.
ان ائتلافاً قانونیا انطلق من جنیف خلال الحرب على غزة وضم المئات من الهیئات الحقوقیة والمعنیة بحقوق الانسان نجح فی فتح ثغرة فی جدار الملاحقة القانونیة لمجرمی الحرب الصهاینة ادى الى تقریر غولدستون، فما الذی یحول دون قیام ائتلافات قانونیة مماثلة حول العدید من جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانیة المرتکبة فی بلادنا وعلى امتداد عقود، خصوصاً ان مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ومرور الزمن؟
بل ما الذی یحول دون ان تقوم حکومتنا اللبنانیة بالذات بفتح ملف الملاحقة القانونیة لجرائم الصهاینة ومجازرهم ضد لبنان منذ عام 1948 حتى الیوم، خصوصاً ان ادانته فی بعضها، کمجزرة قانا الاولى، موثقة فی ادراج الامم المتحدة، وما الذی یمنع دون المطالبة بالتعویضات اللازمة للبنان ولکل لبنانی متضرر من هذه الجرائم.
لهذه الاسباب جمیعها، یبدو مهماً انعقاد اجتماعین تحضیریین فی بیروت أولهما فی الاول من نیسان/ابریل القادم من اجل عقد ملتقى عربی دولی لنصرة الاسرى والمعتقلین فی سجون الاحتلال الصهیونی والامریکی، وثانیهما من اجل عقد منتدى حقوقی متخصص، عربی ودولی، لفتح ملف جرائم الحرب والاحتلال فی العراق.
فهل تنتصر القمة العربیة لمثل هذه المبادرات الاهلیة، اذا کان أهل هذه القمة عاجزین عن اخذ المبادرة الرسمیة بهذا الاتجاه.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS