غیاب اسرائیل یعمق الشکوک حول صدقیة الادارة الامیرکیة
قد لا یخطر على بال الرئیس الأمریکی باراک أوباما ان غیاب حلیفه التقلیدی والاستراتیجی فی الشرق الأوسط ، رغم کل ما یقال من خلافات واختلافات فی وجهات النظر، رئیس وزراء الکیان الصهیونی بنیامین نتانیاهو عن قمة "الارهاب النووی" التی تدور فی واشنطن، إنما هو فی الواقع غیاب سیسلط المزید من علامات الاستفهام حول سیاسة "الغموض النووی" التی تنتهجها اسرائیل منذ عقود برغم المعاهدات والاتفاقات التی تحظر انتشار الأسلحة النوویة، والتی تؤکد على اخلاء منطقة الشرق الأوسط، بشکل خاص، من ای نوع من هذه الأسلحة.
واذا کان الهدف من هذه الخطوة فی الظاهر هو تجنب الاحراج الدولی من الجانب الاسرائیلی او الخضوع لأی نوع من المساءلات أو الالتزامات فی اطار الشرعیة الدولیة، وفسح المجال بدلا من ذلک للجانب الأمریکی لترکیز انتباه العالم على مخاطر البرنامج النووی الایرانی، فإن هذا التکتیک قد عمق على العکس الشکوک الدولیة والعربیة خاصة، فی مدى صدقیة الادارة الأمریکیة فی التعامل مع المخاطر النوویة المنتشرة فی العالم.
والتقاریر القادمة من ترکیا ومصر تؤکد أن الدولتین کانتا تنویان بالفعل، أثناء المؤتمر، اثارة موضوع رفض اسرائیل التوقیع على معاهدة حظر انتشار السلاح النووی، وهو ما یمکنها من تفادی رقابة الوکالة الدولیة للطاقة النوویة.
وفی الحقیقة، فإنه برغم مبادرة حسن النوایا تجاه العالم وباقی الدول النوویة التی أقدم علیها الرئیس الأمریکی بمعیة نظیره الروسی حول توقیعهما لمعاهدة "ستارت 2" لخفض ترسانتیهما النوویتین، فإن مؤتمر الارهاب النووی فی واشنطن، الذی یأتی بعد ایام قلیلة من قمة براغ بین القوتین العظمیین، قد سجل سقطتین مدویتین حتى قبل أن یبدأ. أولهما، اعلان الرئیس الأمریکی باراک أوباما عن الاستراتیجیة النوویة الجدیدة لبلاده والتی تنص على عدم استخدام السلاح النووی ضد عدو لا یمتلکه ولکنها فی نفس الوقت تستثنی کل من ایران وکوریا الشمالیة. وهما دولتان لم یثبت بعد ما اذا کانتا تمتلکان التکنولجیا النوویة بالکامل او ما اذا کانتا تطمحان لامتلاکها واستخدامها فی مجالات عسکریة.
وبکل بساطة فإنه مع هذا الاعلان أصبح مؤتمر أوباما للارهاب النووی والذی تحضره 47 دولة مناسبة ایضا لـ "الترهیب النووی" فی وجه باقی الدول التی تصنف "مارقة" حسب المعیار الأمریکی وعلى رأسها ایران وکوریا الشمالیة. علما وان العراق قد سقط من القائمة بمجرد احتلاله.
ولیس هذا الأهم بالنسبة للعرب، رغم مخاوفهم المتکررة من "جار نووی" محتمل، فالخطر الاسرائیلی قائم الذات منذ عقود وهو لیس فی عداد التخمین والاحتمال. کما أن التأکید مجددا على الابقاء على سیاسة "الغموض النووی" الاسرائیلی بدعم أمریکی فی هذه الفترة بالذات قد شکل "السقطة الثانیة والکبرى" لمؤتمر الارهاب النووی فی واشنطن.
ان تغاضی الولایات المتحدة عن سلاح اسرائیل النووی بینما تضغط على غیرها للعدول عن تطویره هذا یفرغ بکل تأکید المؤتمر من أهدافه وینزع عنه کل مصداقیة.
تعلم واشنطن أن اسرائیل قد خاضت ست حروب مع الدول العربیة احتلت على اثرها أجزاء مهمة من الأراضی العربیة، أعادت منها سیناء اثر اتفاقیات سلام ثنائیة مع مصر بعد حرب اکتوبر ثم انسحبت من الجنوب اللبنانی وقطاع غزة. واسرائیل لا تتفوق على کل الدول العربیة مجتمعة فی السلاح فقط وإنما ترقد فوق کل ذلک على ترسانة نوویة قوامها نحو 200 رأس نووی، أهدافها محصورة بدرجة أولى نحو ایران والعرب.
وقد شاهد العالم مثالین قویین على دولة تفتقد لـ"اخلاقیات الحرب" وحتى الأعراف الدبلوماسیة مع الدول الصدیقة سواء اثر اجتیاح غزة واستخدام الأسلحة المحرمة بما فیها الأسلحة الفوسفوریة ضد المدنیین او حملة الاغتیالات والجوازات المزورة فی انتهاک صارخ وقذر لسیادة الدول، الصدیقة منها قبل العدوة.
وإذا کان المعیار الأمریکی ومن ورائه اللوبی الیهودی یحدد الاسلامیین الرادیکالیین بمن فیهم القاعدة وطالبان وجناح المحافظین فی ایران الخطر القادم والمحتمل بالنسبة للارهاب النووی فإن المعیار العربی یضیف الى تلک القائمة المتطرفین فی المؤسسة العسکریة الاسرائیلیة الذین یوجدون على مسافة قریبة جدا من الأزرار النوویة، وهؤلاء فی اعتقادنا یمثلون الخطر الأکبر والقائم فعلیا فی هذه اللحظة تجاه أمننا القومی العربی.
ومهما کانت الحجج الظاهریة للغیاب الاسرائیلی عن مؤتمر الارهاب النووی "أزمة مع الحلیف الأمریکی حول الاستیطان وتعثر عملیة السلام" فإن هذا لا یمکن ان یفهم الا فی سیاق الاعفاء الأمریکی لاسرائیل من الالتزامات والمواثیق الدولیة وبالتالی البقاء فی وضع "الدولة المارقة" عن القانون.
وإذا کان الأمر کذلک فعلى ماذا سیتباحث العرب فی مؤتمر واشنطن حیث تغیب "العدالة النوویة"، لماذا على العرب ان یلتزموا بالاتفاقیات والمعاهدات ویضعوا رقابهم تحت سیف دیموقلیس؟
وفق قاعدة تشابک المصالح یمکننا أن نعلن بصوت واحد ولن نخسر شیئا "عالجوا الخطر النووی الاسرائیلی اولا، فهذا الخطر موجود فعلا فی مفاعلات دیمونة، قبل أن تطاردوا مجرد طموحات ونوایا ومشاریع معلقة لباقی الدول".
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS