الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

التصعید الاسرائیلی و التجاهل السوری

التصعید الاسرائیلی و التجاهل سوری

 

 

الإلحاح الإسرائیلی المتواصل على أن هناک ترسانة من الصواریخ زودت بها سوریا حزب الله اللبنانی، إلحاح لا ترید له تل أبیب أن یهدأ، رغم تأکد الجمیع من خلال نفی دمشق وحزب الله والحکومة اللبنانیة وتشکیک واشنطن، من أن هذه التقاریر کاذبة وذات أبعاد سیاسیة أکثر منها أمنیة، وأنها جاءت فی وقت تعانی فیه حکومة التطرف فی تل أبیب من عزلة إقلیمیة ودولیة تتفاقم من یوم إلى آخر.

ولعل أکثر ما زاد فی غضب حکومة نتانیاهو وإصرارها على وجود صواریخ هو برودة دم الموقف السوری ونفی دمشق دون أن تکلف نفسها عناء الإثبات أنها سوقت صواریخ "سکود" إلى حزب الله، رغم أنها بالمقابل لا تتنصل من دعمها للحزب وکل حرکات المقاومة ضد إسرائیل، وهذا دور سوری معروف لدى العام والخاص، ولیست لدیها قدرة أو أحقیة التخلی عنه بسبب تاریخها الطویل فی هذا الخندق.

عندما کان المحافظون الجدد یستولون على الحکم فی البیت الأبیض تحت رئاسة جورج بوش، تعرضت سوریا لأبشع سیاسات العزل والتطویق، کما تعرضت للاعتداءات فی دیر الزور وبلدة البوکمال على الحدود السوریة، وأخرجت قواتها من لبنان، ولکنها لم تفرط فی مبدإ من مبادئها، واستطاعت أن تمتص العاصفة، وتخرج منها بمکاسب سیاسیة وحتى استراتیجیة من خلال توثیق العلاقات مع ترکیا والمملکة السعودیة وإقامة علاقات تعاون مع لبنان والاتحاد الأوروبی والولایات المتحدة أیضا، التی أصبحت وزیرة خارجیتها هیلاری کلینتون تدافع عن التواصل مع سوریا باعتبارها لاعبا رئیسیا فی المنطقة.

ومن یتأمل کل هذه المکاسب یجد أن إسرائیل هی الخاسرة الأولى والأخیرة من هذه المناعة السوریة، وبعد أن فشلت کل ضغوطاتها فی واشنطن لدفعها إلى عدم الانفتاح على دمشق، وجدت فی الجعجعة بإسطوانة تضخیم قوة حزب الله ذریعة بأسلحة قادمة من سوریا وسیلة لإعادة تألیب الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی على دمشق، وهی تتجاهل مع ذلک أن الأطراف الغربیة ودمشق لن تسمح بالعودة إلى الوراء، ومع اعتراف هذه الأطراف بوجود اختلافات فی وجهات النظر، فقد رأت أن حلها لا یکون بالعزل والتهدید والاعتداءات، بل بالحوار وربط جسور التعاون وفتح القنوات الدبلوماسیة، وهذه لغة لا تتقنها إسرائیل بالطبع.

التهدید بالقوة والتدمیر هو مدرسة إسرائیل الاثیرة، ومن خلال تجارب العقود الماضیة، یتبین أنه عندما تختنق إسرائیل من الداخل، تبحث مباشرة عن تصعید ما على حدودها وهذا ما فعلته فی غزوها للبنان عامی 1978 و1982 وعدوان صیف 2006، والعدوان على غزة العام الماضی، وإسرائیل حالیا تمر بأزمة سیاسیة خانقة، سببها انحباس عملیة السلام، والملاحقات الحقوقیة المتصاعدة ضدها بسبب انتهاکاتها فی فلسطین المحتلة واعتداءاتها على المقدسات وأولها المسجد الأقصى، وهی تفعل ذلک وغیره لقطع أی طریق لدفع عملیة السلام مثلما ترغب فی ذلک واشنطن والمجتمع الدولی برمته.

حکومة نتانیاهو غیر المرتاحة أصلا لطروحات باراک أوباما تسعى إلى خلط الأوراق وبدأت مبکرا التشویش على جولة جدیدة سیبدأها مبعوث السلام جورج میتشل، فی ضوء ما یروّج عن أن الإدارة الأمریکیة تعتزم قبل الخریف المقبل طرح مبادرة سلام جدیدة على جمیع المسارات بما فیها المسار السوری- اللبنانی الإسرائیلی، وتعرف إسرائیل قبل غیرها أن ما سیُطرح سیکون مؤلما بالنسبة إلیها، ولا یتلاءم مع مشاریع نتانیاهو فی الاستیطان والتوسع والتهوید.

وحتى بعیدا عن مسار السلام المتعطل، فإن تل أبیب تنظر بانزعاج شدید إلى عودة الوفاق السوری اللبنانی، وهو وفاق أعاد البلدین إلى وضع ما قبل 2005، کما أن الحدیث المتواتر عن قرب زیارة یؤدیها الرئیس السوری بشار الأسد إلى القاهرة ولقائه الرئیس حسنی مبارک وسط تقاریر عن رغبة عربیة فی إحیاء المثلث المصری السوری السعودی، وما قد ینجر عنه من امتداد إقلیمی قد یشمل ترکیا على وجه التحدید وربما إیران لاحقا، أمر إن تحقق فإن أول ما یعنیه هو تلقی إسرائیل صفعة مدویة لا سابق لها، قد تجلب إلیها مزیدا من الغضب الأمریکی والغربی ویحشرها لفترة طویلة فی زاویة لن تخرج منها إلا بتنازلات أکثر إیلاما.

إن ما یجهله کثیرون وبالأخص فی إسرائیل، أن اللعبة الإقلیمیة والدولیة فی الشرق الأوسط بدأت تتغیر، وأصبحت المنطقة أمام وضع جدید لا تنفع معه أسالیب قدیمة کانت ناجحة إلى وقت قریب، فإسرائیل الیوم لیست إسرائیل قبل عامین، وصورة هذا الکیان أصبحت مهتزة فی جمیع أنحاء العالم بسبب جرائمه الکثیرة، حتى أمریکا الیوم لم تعد أمریکا ما قبل غزو افغانستان والعراق، کما أن دول المنطقة، هی أیضا، یبدو أنها تعلمت الکثیر من الدروس ووجدت أن قوتها تکمن فی تضامنها وإقصاء کل غریب، لا الاسترسال فی محاور متضادة تدفعها إلى مزید من الضعف والتشتت ومصادرة قراراتها مجتمعة ومنفردة.

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 139807







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)